لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

دروس الثورات العربية

د. أحمد عمر

دروس الثورات العربية

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 14 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أربعة دروس يجب استخلاصها والتأمل فيها، بعد طوفان الثورات التي اجتاحت العالم العربي في العقد الماضي، وبخاصة بعد ما جرى مؤخرًا في الجزائر والسودان، وأثبت للجميع أن الشعوب العربية قد فقدت القدرة على الصبر، سواء على الإدارة أو الفساد ونهب ثروات البلاد، وقررت الخروج للشارع لإسقاط أنظمة حكمها الفاشلة، وإقامة أنظمة حكم جديدة أكثر نزاهة وعدالة واستقرارًا.

الدرس الأول: إن ثورات الربيع العربي- بما لها وما عليها- وبصرف النظر عن استغلالها من بعض قوى الداخل والخارج، وجعلها مطية للوصول للسلطة حينًا، ولهدم الدولة وتمزيق وحدتها حينًا آخر- كانت لها أسباب داخلية لا يمكن إنكارها، لعل أهمها هو تحول تلك الدول إلى دول فاشلة بسبب انتشار الفساد في مؤسسات الدولة، وجمود وشيخوخة الفكر والرؤية، وتحول النُخب الحاكمة من رجال دولة وطنيين إلى مجموعة من أصحاب المصالح الخاصة المنفصلين عن شعوبهم، والذين قاموا بنهب الأوطان، وتوزيع السلطة والثروة بين مجموعة من الأهل والمقربين وجماعات المصالح المختلفة.

ولهذا خرجت الجماهير العربية غير المؤدلجة للشوارع والميادين تُطالب بسقوط تلك الأنظمة، مدفوعة بدواعي اليأس من إصلاحها من الداخل، وبالأمل والرغبة في تأسيس واقع جديد يصبح معه على أرضهم ما يستحق الحياة لهم ولأبنائهم.

الدرس الثاني: إن الجيش الوطني المُوحد هو عمود خيمة الوطن، وصمام أمانه في لحظات الخطر، ولن تنجح ثورة شعبية في المنطقة العربية في تغيير أي نظام حكم، مهما بلغ فساده واستبداده، دون دعم الجيش وانحيازه لإرادة الشعب، ودوره الحاسم في إنقاذ الوطن من جحيم الاقتتال الداخلي، والحرب الأهلية التي تعرض وحدة ووجود الوطن للخطر.

ولن نخدع أنفسنا؛ فالدولة المدنية الحديثة دولة مؤسسات دستورية في الظروف العادية، وفي تلك الظروف يصبح للمثقفين والقوى الوطنية دور مهم، ولكن في أيام الثورة، وعند المنعطفات الكبرى في حياتها، وعندما يكون وجود الدولة واستقرارها وثقافاتها وهويتها في خطر، فإن طوق نجاتها الأخير هو وحدة ووطنية المؤسسة العسكرية، وموقفها المُنحاز لطموحات وإرادة الشعب، وقدرتها المادية والمعنوية والتنظيمية على ضبط وإدارة المرحلة الانتقالية.

الدرس الثالث: إن المتغيرات التي حدثت في وعي الشعوب العربية وطموحاتها، وبخاصة لدى الأجيال الشابة منها بعد ثورات الربيع العربي- هي متغيرات كبيرة وعميقة، ولا بد من دراستها وتحليلها، ووضع سياسات اقتصادية واجتماعية وإعلامية للتفاعل معها، لضمان تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول العربية، وتوفير الشرعية الأخلاقية للنظم الحاكمة، وضمان عدم وجود فجوة نفسية وقيمية ومعرفية بين الحكام والمحكومين.

الدرس الرابع: إن مستقبل الدولة الوطنية العربية في عالم ما بعد الربيع العربي، وضمان عدم إعادة إنتاج فشلها في تحقيق طموحات الشعوب العربية- يتوقفان على مقدار التغيير الذي يجب أن يحدث في فكر ووعي النخبة العسكرية، صاحبة النفوذ الحقيقي في تلك الدول، ومدى قدرتها على استيعاب دروس فشل الخمسين سنة الماضية، وسعيها لحماية وجود ووحدة الدولة وأمنها القومي عن طريق إحداث تغيير حقيقي في فكر وبنية نظام الحكم، ومحاربة الفساد، وإقامة دولة مؤسسات، وتوحيد القوى الاجتماعية والسياسية على سياسات وأهداف وطنية.

في النهاية، أظن أن تجاهل تلك الدروس الأربعة وعدم استيعاب دلالاتها بواقعية من النخب العسكرية والمدنية، وأخذ العظة والعبرة منها- سوف يهددنا بإعادة إنتاج الماضي بكل أخطائه، ليُهدر العالم العربي خمسين عامًا أخرى من حياته في تجرع الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ذاتها، التي أدت إلى فشل معظم أنظمة الحكم في الدول الوطنية العربية في تأسيس أنظمة حكم مستقرة، وتحقيق طموحات شعوبها في العدالة والحياة الكريمة، وهو الفشل الذي جعل نهاية تلك الأنظمة مأساوية.

إعلان