لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

علاء الغطريفي يكتب: التاريخ الذي تصنعه "جوهرة"..!!

علاء الغطريفي رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة أونا

علاء الغطريفي يكتب: التاريخ الذي تصنعه "جوهرة"..!!

علاء الغطريفي
04:40 م الجمعة 06 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المصريون بعد انتهاء الحكم الأيوبي لم يرضوا بالمماليك حكامًا عليهم، فكيف للعبيد أن يتولوا الخلافة، في حين أن النظرية السياسية في الإسلام تقضي أن يكون الإنسان "حرًا"؛ ليتولى أمر المسلمين.
1

قاوم المصريون المماليك في الصعيد والبحيرة والشرقية؛ خاصةً أبناء القبائل العربية، وقاد ثورتهم "حصن بن ثعلب" الذي قال: "نحن أصحاب البلاد، وأحق بالملك من المماليك وكفانا أننا خدمنا بني أيوب، وكانوا خوارج خرجوا على هذه البلاد".

صفحات طوتها كتب التاريخ التي درسناها، وفرضت علينا قراءة سينمائية ساذجة للتاريخ بوصفه، مجرد حوادث مهمة ومليء بسير الأبطال!!

"بيبرس قتل قطز بعد عودته منتصرًا بعين جالوت"، بعيدًا عن رواية فيلم: "وا إسلاماه ".. في كتابة التاريخ استولت الرواية المحافظة على غيرها من الروايات في تاريخنا خاصة الإسلامي ولذا فوجئنا عندما كبرنا أن كل ما درسناه لم يكن الحقيقة بل ما قدموه لنا في تصورات مخملية عن الأممية "أمة واحدة"، والقومية "اللغة والجغرافيا تجمعنا".

لم تكن في رأيي سوى دعوة للتمسك بالقديم في مواجهة الجديد، ونموذج لتدجين الجماهير، والترويج لحاضر كتابة التاريخ ذاته، أي تصوير الأيام -التي يكتب فيها- بوصفها عسل الدهر وسكره، وأنها امتداد لهذه العظمة التي جرت وقائعها على أرض النيل.

كل محاولات التجديد أو الاقتراب من هذا الأمر قوبلت بمقاومة.. ولدينا مثال كيف قدموا لنا "محمد علي"؟ "محمد علي" كان باني مصر الحديثة عند "الرافعي" وآخرين، رغم أنه استقل بمصر لنفسه، وبني مشروعه، ولم يبنِ لمصر، وتوسع؛ ليصنع مجده، وليس ليصنع مجد مصر.. وإذا قرأنا التاريخ من أسفل -مثل فعل د. خالد فهمي في كتابه "كل رجال الباشا"- سنجده هناك مستبدًا متسلطًا جشعًا استغل المصريين.

2

كثيرون منا لا يعرفون قصة "حجاج الخضري" المصري الشجاع الذي أوغل في قتل الجنود الألبانيين مواطني "محمد علي" الذين خانوا وغدروا بالمصريين وقت مقاومة خورشيد ودفع ثمنًا لبسالته ووطنيته وشنقه "محمد علي" عام 1817 أي بعد 12 عامًا من استقراره على حكم مصر!!

وللإنصاف لا يمكن إنكار أن هدف "محمد علي" التوسعي استفادت منه مصر بشكل أو بآخر، غير أن البناء هنا لم يكن للمصريين، بل كان على المصريين من أجل "محمد علي" نفسه وأسرته، وانتهى الأمر باحتلال غربي.

كلما كتب حاكمٌ أو ملكٌ التاريخ قدمه للجماهير كأن تلك البلاد لم تكن بلادًا قبل حضوره، يقدمها للناس بوصفها بلادًا جديدةً ولدت على يديه، ولم تكن كذلك من قبله، وبين المبالغة والإسراف تدور عجلة النفاق التاريخي، فنجد قصصًا وحكايات لا تصلح سوى لكتب كليلة ودمنة أو حكايات ما قبل النوم عن الحاكم الفلاني أو السلطان العلاني، وتنزاح الحقيقة عن الرواية الشعبية.

الكتب المدرسية تعتبر الغزو العثماني لمصر فتحًا، رغم ما فعلوه بالمصريين من قتل وسرقة ونهب وتجريدها من علمائها وصانعيها وحرفييها المهرة، ووصل الأمر إلى خلع أعمدة أثرية وإرسالها إلى الأستانة، وفي كتاب الدكتور "حسين فوزي": "سندباد مصري" حقيقة ما جري لنا علي يد "ابن عثمان وانكشاريته"، إنه العصر الذي آخَّر مصر قرونًا وعزلها عن العالم والتطور.

3

لعلنا نذكر النهاية التي تصدرها الهتاف الشهير: "يا رب يا متجلي إهلك العثملي" عند مواجهة المصريين بقيادة "عمر مكرم" لوالي الأستانة "أحمد خورشيد" ومطالبهم في الاستقلال في "دار المحكمة الكبرى" 12 مايو 1805.

"فؤاد الأول" يتلاعب بالتاريخ وقت إسقاط السلطنة العثمانية على يد "أتاتورك"؛ ليقدم نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة على "البسفور"، وإعلان تركيا دولة علمانية، ويفعل ابنه مثلما فعل بالاستغلال السياسي من أجل الزعامة الشعبية في مصر والعالمين العربي والإسلامي استنادًا إلى مرجعية الأزهر، وتحقيق غاية التغلب على خصومه السياسيين في الداخل.

أسرة "محمد علي" استخدمت التاريخ كثيرًا لصالحها وليس لصالح المصريين، لتمكينها وليس تمكين المصريين، وجاء من بعدها من تلاعبوا بالتاريخ –أيضا- بإيغال لنرى الأشياء من منظورهم وننسى بالشعارات، حقائق الواقع والغايات الديمقراطية والحريات المؤدية إلى التقدم.

في تاريخ يوليو تجد روايات متضاربة ومتناقضة وأحيانا مضحكة، أعضاء مجلس قيادة الثورة بكل تنويعاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، كتبوا في بعضهم وعن بعضهم قصصًا، تكفي أن تدير رأسك بسبب النكاية والصراع والغيرة وأطماع السلطة، فهناك من ستراه شريرًا قريبًا من الشيطان في رواية، وتراه عند آخر يقترب من منازل المرسلين والأنبياء في "حرب المذكرات".

هكذا سارت الأمور، فما يعده البعض ثورة يعتبره البعض الآخر انقلابا، رجال عبدالناصر يرون السادات مرتدًا وقائدًا للثورة المضادة، ورجال السادات يعتبرون العهد الناصري معاديًا للحرية ومن الواجب تطهير شروره.

4

كل فريق يتهم الآخر بأنه لم يكن ديمقراطيًا قط، وهؤلاء خونوا هؤلاء وأولئك اتهموا الآخرين بالعمالة والعكس، وانتهى الحال بأولئك إلى الهزيمة، ثم رحيل صاحب شرعيتهم، وانتهى الأمر بالآخرين على المنصة لدى رحيل رجلهم المأساوي، ومن هؤلاء وهؤلاء من انقلب على أفكاره وقفز من مركب الاشتراكية إلى مركب الانفتاح والرأسمالية، وبعدها –أيضًا- وجد بعضهم في مركب الجمود سبيلاً، وتزوجوا من "اللا توجه" في عهد مبارك.

5

التاريخ الحقيقي كاشف وفاضح –أيضًا-، فالتاريخ ليس سيرة الملوك والحكام، أو رواية عن سلسلة من الأحداث المهمة، كما يقول لويس عوض: "بل أن تعرف كيف كان الناس: يعيشون أو يفكرون في أي عصر أو في أي قرن، وتقف على رأيهم في: الدولة والدين والأخلاق وفي الإنسان وفي الفرد وفي المجتمع وفي السياسة وفي قيمة العلوم والفنون والصناعات، وتقف على: عادات الناس، وأزيائهم، وذوقهم، وفهمهم للجمال.. باختصار أن تُكوِّن صورة كاملة لهذا العصر"، وهو ما سبقنا به الغرب.

6

التاريخ ليس سيرة الأبطال، بل حركة المجتمع وتفاعلاته، وجميع ما أحاط به من: "علم وفن وسياسة وغيرها"، كفانا هذه القراءة المجتزأة للتاريخ، نحن أمام مأزق خاصة في قراءة التاريخ القريب وسنظل فيه.

ليس أمامنا سوى قراءة فردية ذاتية عميقة لكل حادث أو واقعة؛ لنفهم شيئًا عن تاريخنا القريب في ظل غياب رواية واضحة متماسكة محيطة –جيدًا- بتاريخنا القريب بشكل عام، هذا بالطبع مع الشكر للجهود العظيمة التي أوغلت في فتراتٍ من تاريخنا، وتنتظر منا الإضافة والإحاطة بفترات أخرى.

بعضًا من تاريخ مصر تجاوزناه، كأن البلاد وقتها لم تكن سوى قبرٍ لا يعيش فيه مخلوق أو تظهر على أرضه حياة، ليس دعوة لكتابة "ممالك النار مرة أخرى، ولكن دعوة لكتابة تاريخنا الحضاري الحقيقي خاصة المعاصر، لعلنا نجد هناك الحقيقة الجلية التي تدفعنا للمستقبل، وليس إعادة إنتاج صفحاته السيئة المعادية للديمقراطية والتقدم.

لكي لا نبكي مثلما فعل البعض على تاريخٍ مزيفٍ مضى، أو نقرأ التاريخ عبر مسلسل أو مأساة أو ملهاة مثلما فعلت قصة الراقصة "جوهرة" بالرأي العام، فاهتم بتاريخ تصنعه "جوهرة"، ولم يهتم بتاريخه الذي يصنع حاضره ومستقبله، الوعي ثم الوعي ثم الوعي.

7

التاريخ من الناس وللناس، وأختم بما قال شوقي بعد انتهاء حكم "آل عثمان" في مصر:

مضت الخلافة والإمام فهل مضى

ما كان بين الله والعباد

والصوم باقٍ والصلاة مقامةٌ

والحجُ ينشط في عناق الحادي

إعلان