- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
العام 1976
المكان حديقة الحيوانات بالجيزة، والوقت ظهيرة أو ما بعدها بقليل، والفصل شتاء، هذا ما يظهر من ارتدائه "بلوفر" يخمن أنه كحلى اللون فى الصورة الأبيض والأسود، بينما تظهر ياقتا القميص بيضاويتين خارجتين مستلقيتين من فتحة البروفل التى تأخذ شكل الحرف V أو الرقم 7، يجلس هو وأخوه إلى جوار بعضهما، وحيث لايحمل وجههما تعابير واضحة دالة – ربما هو أثر الجرى والتجوال منذ وصولهما - ناظرين الى كاميرا المصور الفوتوغرافى، هو واحد من المصورين الجوالين الذين كانوا يجوبون المتنزهات يحملون آلة ضخمة نسبيا وعتيقة، بينما يعرضون خدمات التصوير لتوثيق اللحظات فى زمان صار يشحب تماما.
يؤكد له أخوه الذى يشاركه الصورة، والأصغر منه بعامين ونصف والذى كان معه فى المدرسة الإبتدائية وفى هذة الرحلة ذاتها، أنه انتظره كثيرا بجوار أتوبيس كبير قديم جاء بالتلاميذ من مدرستهم، وفى موعد العودة المحدد ينتظرهم أمام باب الحديقة حتى يكتمل عددهم فيغادر، ويُذكره بأن الانتظار طال بينما هو يبحث عن المصور فى أرجاء الحديقة ليأخذ منه تلك الصورة الفوتوغرافية الأبيض والأسود، من المؤكد أنه عاد بها أخيرا ولحقا بالأتوبيس.
يتذكر طريقا بعيدا ممتدا قطعه الأتوبيس الذى تجمع فيه عدد كبير زاد عن طاقة مقاعده من طلاب المدرسة الإبتدائية، كان ذلك منذ 43 عاما بالتمام والكمال، مضى وقت طويل والأتوبيس يقطع شوارع وميادين لم يعرفها من قبل، وقت استهلك طاقتهم فى الغناء ومناوشة العربات المارة إلى جوارهم والتى يرونها من شبابيك الأتوبيس، من أقصى شرق القاهرة إلى الجيزة، هذا الطريق الذى يبدو أنه كان مقدرا له مسارا.
يظهر فى الصورة التى يتوسطانها إلى اليسار جالسا على سور قصير، وأخوه يجلس إلى يمينه واضعا يديه على كتفه، بينما فى الخلف يظهر قفص الأسود، حيث ينتظر المصور تحرك الأسد فى أرجاء القفص ليكون خلفهما تماما فتثبت الصورة.
هذا ما تبقى من زمان بعيد تبهت تفاصيله مع الوقت، بينما تطل جملة الشاعر إزرا باوند نابضة: "والحياة مرت كفأر حقل لم يهز العشب".
الونس ..
أربعة من الأبناء الذكور بين الأول والثانى عامين ونصف، ثم توأمين جاءا بعد ثلاثة أعوام من ولادة الإبن الثانى، يتذكر فرحة الجد الريفى بولادتهما، وسير أبيه جيئة وذهابا فى الرواق الممتد المفضى إلى "القاعة" الريفية حيث تقوم الداية العجوز المحنكة بتوليد الأم، جاءت ولادته هو – الأكبر- عاجلة ومباغتة فى مستشفى قاهرى بينما كان الأب مسافرا فى صعيد مصر، حيث كان المدرسون وقتها يقضون مددا زمنية عند بدء تعيينهم فى محافظات بعيدة تماما عن القاهرة، حمل من حكايات أبيه تفاصيل جميلة عن أعوام قضاها شابا خريجا حديثا ومعلما فى الصعيد فى أوائل الستينات، هى ذكريات رآها دوما أخاذة شغفته، فهى عامرة بمحبة الناس وألفة قضاء الحوائج وحل المشكلات وحفظ الأسرار، ولم لا وقد عاد الأب إلى القاهرة بعد سنوات قلائل، ثم أيضا خرج إلى المعاش وظل طلابه القدامى كلما حضروا إلى القاهرة يزورونه ويبجلونه كثيرا.
ربما بقى من ذلك شئ رومانسى جم فى داخله، كان يتمنى دوما أن يكون معلما يذهب إلى قرية صغيرة نائية تماما وربما "على أطراف الدني" كما تغنيها فيروز، وهو يحمل مكتبته الصغيرة التى كونها على مدار رحلة دراسته، كان يحلم أن يكون أول من يعلمهم حروف القراءة وأبجديات الكتابة، وعندما دخل أولا كلية الطب على غير رغبة كاملة منه، وليهدئ من نفسه تمنى أن يكون طبيبا يمنحه الله القدرة على أن يخفف عن الناس هناك فى تلك الأصقاع البعيدة.
فى زمن ولادة أخويه التوأم، كان هو وأخوه الأصغر يرقبان الحركة فى البيت الريفى صمتا وانتظارا ومشاركة للأب فى قلقه على الأم، بينما يبدو الجد هادئا يتابع ما يحدث فى قاعة الولادة، عرف هناك الفارق كبيرا بين حياتين أو بيئتين كما تصور ذلك وصدقه، الإمتدادات للحقول التى يراها كل صباح فى جولته مع الجد، حرية الحركة التى لايخاف عليه فيها أحد فالكل أقارب، يسر وترحاب الدخول للبيوت المتجاورة للأهل بل وبيوت أصدقاء أقاربه ممن هم فى مرحلته العمرية، تفاصيل يخشى لو أمعن فى وصفها أن تظهر كلوحة رومانتيكية راضية مطمئنة قد يراها البعض مفارقة للواقع، لكن هذا ما عرفه ويعتقده بل عايشه فى زمن الجدود الذين لم ينالوا حظا من تعليم وتطلعات.
تلك الفروق بين توكل وتسليم الريفيين القدامى والتعامل اليسير مع ماتجلبه الحياة من عاديات باحتواء وصبر وتقبل، وحيث الكل يحيا فى سياق متشابه كثيرا ولو كان بسيطا تماما، لكنه يضم الجميع دون تفاوتات مفزعة وحيث "من أصبح منكم آمنا فى سربه معافى فى جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"، ثم هناك على بعد ساعات ثلاث، صومعة المدينة التى تطلق الروائح المجهدة للتطلعات، كونا آخر، لهاث لملاحقة ما يستحيل اللحاق به، ثم ملاحقات جديدة، ثم أيضا لاشئ.
هدأة ..
نستقبل من الحياة ما يمر وننفعل بمستجداتها وما تجلبه كأننا البشر الأوائل الذين يعبرون فيها، وأبدا لا تنتقل الخبرات هينة تلقائية، الكل يخوض تجربته كأنه يبدأ من جديد، قدر هو ذلك وبعض من سيرة للإنسان على الأرض التى هى "كروية تدور حول نفسها"، وحيث محتم فيها أن يحمل كل منا خرائط مفازاته وتيهه ويمضى بها ليصل إلى ذات المبتدأ، كأن الكون ثقب كبير تنفذ منه تراكمات الذاكرة البشرية، ليعيش البشر فى دورات تعاقبهم بدءا يظنونه جديدا، دورة حياة مكررة، يتصنع البشر فى مسالكها ودروبها حيرة حينا واضطرابا حينا ومراوغات كأنهم لايعرفون، بينما يتسلون طوال الوقت بالنسيان العظيم.
إعلان