إعلان

معرض القاهرة الدولي للكتاب.. بلا كتاب!!

محمد لطفي

معرض القاهرة الدولي للكتاب.. بلا كتاب!!

محمد لطفي
07:00 م الإثنين 03 فبراير 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كالنعام.. يُصر أهل التخصص على أن يدفنوا رؤوسهم في الرمال بدلا من مواجهة الحقائق والبحث عن بدائل، ويكابرون من أجل إنكار الواقع الذي يهدد مجالهم وكأن هذا الخطر يطاردهم بشكل شخصي.

رأيت هذا واضحا في الصحافة الورقية التي يصر بعض روادها والعاملين بها حتى يومنا الحالي، أنها بخير، وأنها تستطيع مواجهة إعصار المواقع الإلكترونية التي جعلتها في مهب الريح، وهي وجهة نظر لها وجاهتها، ولكن الواقع يثبت عكسها كل يوم.

في هذه السطور، نفتح ملف مستقبل الكتاب المطبوع بينما الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تخطت المنتصف، فيما يواجه الكتاب المطبوع تهديدا وجوديا -على أفضل التقديرات - بعد قرون تربع خلالها على عرش الكلمة والمعرفة، فيما يكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، في تقدير البعض الآخر، بعد أن جاء طوفان التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات الكتب المسموعة، وكادت أن تقضي على ما تبقى من أمل أمام صناعة النشر في العالم كله.

لن أتوقف كثيراً أمام هذا الجدل الذي يمكن أن يضيع الجهد دون أن نحسمه، لأن الوقت كفيل بوضع الأمور في نصابها، متمسكا بمؤشرين بارزين، وهما، أن تحديات الكتاب المطبوع واضحة جلية للجميع بعد قفزت أسعار الكتب قفزة في الهواء فارتفعت الأسعار بنسبة 100%، على أفضل تقدير، ومازال سهم الارتفاع يرفع رأسه لأعلى، والثاني هو القرار الذي اتخذته وزارة الثقافة بتقليص حجم المطبوعات، والاتجاه إلى الإصدارات الرقمية، وفق ما أعلنه الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة الذي نجح في أن يقرأ المعطيات الجديدة بسهولة.

وسأنطلق من الركود الذي يواجه الصناعة لمناقشة التحديات التي تواجه معرض القاهرة الدولي للكتاب باعتباره أهم وأقدم وأضخم فعالية ثقافية في مصر والوطن العربي، حتى الآن. فالتحديات أمام المعرض كثيرة ومتعددة ومركبة، وأضخم من تلك التي تواجه الكتاب المطبوع وإن كانت تبدأ منها، ولا تنتهي عندها، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا سيكون مصير المعرض إذا لقي الكتاب المطبوع حتفه، ووري الثري؟

من الجائز أن يستغرق الأمر عدة سنوات -من وجهة نظري- إلا أن هذا اليوم سيأتي بلا شك، وهو الأمر الذى يجب أن نستعد له من الآن، وإلى أن يأتي يجب أن نسأل أنفسنا ماذا فعلنا لمواجهته؟، بل ماذا فعلنا لمواكبة التطور المرعب على مستوى الذكاء الاصطناعي في مجال النشر؟، بل ماذا فعلنا لمواكبة اتجاه الأجيال الجديدة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي صارت تصحو وتبيت على الشاشة الزرقاء، وهو ما يسحب البساط من تحت أقدام سردية الورق، هل قمنا باستغلال هذه الظواهر التي صارت من المسلمات وفكرنا في استراتيجية لتدشين خطاب جديد نقدم من خلاله المعرفة للأجيال الجديدة عن طريق الوسائط الجديدة؟ أم تركنا الأجيال الناشئة تواجه مصيرها منفردة أمام هذا الإعصار وزادت عزلة المثقفين والمؤسسات الثقافية محبوسة في أبراجها العاجية التي لا يشعر بها أحد؟!

لا ريب أن صورة المثقف الحقيقي التقليدي المؤثر في محيطه، انهارت بشكل كلي، وحل محلها مؤثرون من نوع جديد، أدق وصف لهم أنهم "مديوكر" إن لم يكونوا "تافهين" بالفعل، ولكن الواقع يؤكد أنهم مؤثرون أيضا، بل ومشهورون ولم أتباع ومريدون، بالآلاف وأحيانا بالملايين، فلماذا تقف وزارة الثقافة مكتوفة الأيدي أمام هذه الظاهرة الخطيرة؟ هل ستكفي التطبيقات الإلكترونية التي تم تدشينها مؤخراً على عجل، في سد الفجوة والثغرة، أم أنها مجرد خطوة يجب أن يتبعها خطوات كثيرة؟

صحيح أن البرنامج الثقافي تماس وتقاطع مع هذه القضية الخطيرة ولكنه لم يلتحم معها ولم يواجهها بشكل حقيقي، وقدم أطروحات جيدة ولكنها ليست كافية في محور «قراءة المستقبل»، في إطار مجموعة من الندوات، من بينها: (ندوة «كن متصلًا»، و«الإعلام والتغير الاجتماعى»، و«أجيال وسائل التواصل»، و«تحديات بيئية: قضايا المناخ والتغير البيئى»، و«مستقبل علوم الصيدلة»، ومستقبليات علوم أخرى)، بينما أفرد مساحة النقاش لموضوعات أخرى يمكن أن تكون أكثر نخبوية.

كما أنه ناقش بعض القضايا الجادة ولكنها لا تشغل الرأي العام كثيرا، واختار القائمون على البرنامج الثقافي أن يكونوا في المنطقة الآمنة تماماً دون أي مخاطرة، كما جاء في محور «الدبلوماسية الثقافية» وهو محور يتناول مجموعة من الندوات تقدمها وزارة الخارجية المصرية، منها: (مرتكزات سياسة مصر الخارجية فى إفريقيا، والعلاقات المصرية- الأوروبية، وآسيا وشراكات من أجل المستقبل، وتجربة جنوب إفريقيا التنموية، والبرازيل القوى الاقتصادية فى أمريكا الجنوبية) وغيرها. وكان من الطبيعي أن يحتل الذكاء الاصطناعي محورا كاملا في البرنامج الثقافي.

وبطبيعة الحال فإن مقارنة بسيطة بين واقع المعرض طوال مشواره عبر عقود مضت، وبين هذه الدورة، لن تكون في صالح الدورة الحالية، فقد اكتسب المعرض أهميته الثقافية وقوته من قوة ضيوفه، وندواته ومناظراته التاريخية التي يمكن أن تكون قد أثرت في تاريخ المنطقة بأسرها، فمن ينسى المناظرة الشهيرة للمفكر فرج فودة ومحمد الغزالي ومحمد عمارة، والتي كانت مرتكزا من مرتكزات الفكر المتحرر في مواجهة الفكر الظلامي والرجعي، بل من ينسى مشاركة نجوم الثقافة المصرية والعربية في المعرض والتي كانت تشهد احتشاد الآلاف من الجماهير لساعات وقوفا على أقدامهم، للاستمتاع بأمسيات محمود درويش ونزار قباني ويوسف إدريس ومحمد حسنين هيكل والبابا شنودة وغيرهم العشرات.

كما أن المقارنة ستكون ظالمة إذا قارنا بين معرض القاهرة الدولي للكتاب وغيره من المعارض الدولية بالمنطقة، والتي تتبارى لاستضافة النجوم العالميين، ولن أتطرق إلا لاستضافة محمد صلاح نجم منتخب مصر بمعرض الشارقة والذي ترك أصداء ما زالت تتردد حتى الآن.

وإذا كان هناك من يجب الإشادة به حقيقة، فإنه الجمهور المصري البطل، الذي ينثر البهجة بوجوده وحضوره الدائم، والذي يمنح الأمل في غد أفضل، باعتباره يأتي عملا من أعمال المقاومة، رغم الأزمات الاقتصادية المحيطة به، ولذا يستحق أن يتصدى المنظمون للتحديات والمعوقات ليقدموا له أفضل من ذلك، ولا يكتفون بالتباهي بأعداد الحضور المليونية لأنها يمكن أن تكون دليل إدانة!!، إذ يقتطع المواطن من قوته ليركب المواصلات، كما يقتطع من وقته الساعات ليصل من ميادين مصر المختلفة إلى منطقة التجمع، كما يقتطع من جهده ليطوف بين أرجاء المعرض المزدحمة.

ولا يمكن في هذا الصدد أن نتجاهل دور الدولة المصرية التي قررت أن تمتد يد العمران إلى هذه الصحراء القاحلة فأحالتها إلى "أرض معارض مصر"، التي نتباهى بها الآن.

بقي أن نؤكد أن التحديات غير المسبوقة التي تواجه الكتاب المطبوع، ومعرض الكتاب في الوقت ذاته، تحتاج تفكيراً غير تقليدي ودماء جديدة، للجنة العليا للمعرض، وهي تضم خيرة عقول الوطن وكبار المفكرين بالفعل، ولكن طريقة تشكيلها تؤدي إلى نفس النتائج التي نراها كل عام، لأنها تخلو من الأجيال الجديدة التي يجب أن تكون ممثلة بشكل كبير لابتكار حلول براقة، بدلا من ترديد عبارات عفا عليها الزمن، أهمها أن عصر الكتاب الورقي لن ينتهي.

إعلان

إعلان

إعلان