لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"طلقني يا إبراهيم"

محمد حنفي نصر

"طلقني يا إبراهيم"

محمد حنفي نصر
09:00 م الثلاثاء 31 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نعم، إنه الموسم العظيم الذي ينتظره صاحبنا الموكوس كل عام. ترتعش أطرافه كطفل لا يطيق صبراً على هديته. تزيده أضواء النيون التي تنبئ بالاحتفال بالعام الجديد وأعياد الكريسماس حماسةً وتوترًا. يملأ قلبه الفخار وهو يسير حاملاً تلك الباقة العزيزة على قلبه التي انتقاها بكل ذرة من كيانه. يسابق الريح بخطواته ليصل إلى البيت ويستقر منجعصاً بجوار حماته ليستمتع بدفء اللحظة.

لم يناقش البائع كثيرا حول السعر؛ ففرحته بهذا الموسم تستحق أن يتنازل عما في جيبه لقاء ما ينتظره من متعة. وزيادة في الاحتفال أضاف إلى الباقة الرئيسية باقة أخرى تزيد من الألوان بهجة تسر الناظرين والعابرين. هكذا عاد صاحبنا الموكوس إلى البيت.. تسلل على أطراف أصابعه حتى لا تفقد المفاجأة رونقها.. عبر الصالة إلى غرفة النوم، فوجد زوجته مسلوبة الإرادة أمام التليفزيون تحدق فيه في بلاهة. فانزوى عائداً إلى المطبخ ليضع بهدوء شديد باقة اللفت والبنجر، وبحذر عاد متسللاً إلى غرفة النوم. هو يدرك جيداً مهارة زوجته في تخليل اللفت، فلن تمر سوى أيام قليلة حتى يتربع طبق اللفت المخلل أبودقة حامية على صدر الطبلية مع طبق الفتة المعتبر وحتتين لحمة محمرة وتنسى الدنيا وما فيها.

هكذا عاد إلى غرفة النوم يترنح مخموراً من الفكرة التي تطيح بأجدعها شنب. فتة ولحمة ومية لفت. وما إن خطا خطوته الأولى لغرفة النوم حتى انتفضت زوجته كالملسوعة وهي تقول: "أنا عايزة ورد يابراهيم" .. ورد؟! أدار وجهه إلى جهاز التليفزيون اللعين، فوجد الممثلة في الفيلم تردد نفس العبارة "أنا عايزة ورد يابراهيم".. اندفع كالملسوع يغلق التليفزيون بينما زوجته تحملق فيه كتمثال من شمع وهي تردد بلا توقف: "عايزة ورد يابراهيم".. ورد إيه يا حبيبتي هو احنا من إمتي بناكل ورد؟.. دي الوردة بعشرين جنيه! يعني أقل بوكيه عرة بـ٢٠٠ جنيه، ويومين ونرميه في الزبالة. استهدي بالله وصلي ع النبي كده.. ده أنا جايب لك مفاجأة بنستناها م الشتا للشتا.. قومي يا ست الستات شوفي اللفت اللي أنا جايبهولك. ومعاه حزمة بنجر ماقولكيش.

هنا انطلقت شرارات حمراء من عينيها شبه الماس الكهربي اللي بيطلع م الفيشة قبل ما تتحرق.. أظلمت بعدها الدنيا وهو يتلقى على مؤخرة رقبته قفا مخبرين سقط على أثره صريعاً قبل أن يتبين ظل حماته وهي تعقبه بلوكامية أسفل الفك قضت على كل قواه. احتاج الأمر عدة ساعات ليستعيد وعيه وهو مكوم تحت الحوض وحماته مشهرة المقشة في وجهه بينما زوجته تردد ذات الجملة الشيطانية "عايزة ورد يابراهيم."

وجاهداً حاول أن يشرح أهمية اللفت في حياتهم الزوجية.. متعة ارتشافه بعد كل معلقة من فتة الخل والتوم. تأثيره العظيم على المعدة والقولون. نجاحه الساحق في القضاء على الإمساك وطرد الغازات. ولكن هيهات. "عايزة ورد يابراهيم".

نعم يا سادة، هي العبارة التي خربت بيوتا عديدة، وأطاحت بأحلام المخللات من أن تتبوأ مكانتها في القلوب. أزمته الكبرى أنه بالفعل لا يفهم الحاجة الزوجية إلى بوكيه ورد مقارنةً بطاجن عكاوي بالبصل وشوية حلويات محمرة أو فطيرتين سجق من عند الأمور ومعاهم طقم ساندوتشات مشطشطة من عند زيزو مع رغيفين حلاوة بالقشطة.

وحين وصلت قنوات التفاهم إلى طريق مسدود وجد نفسه بلا مقدمات أمام المأذون وزوجته تصرخ في وجهه "طلقني يابراهيم"، حينها استفاق علي حقيقة صادمة "أنا ما اسميش إبراهيم.. هي الولية دي مرات مين؟".. فأطلق ساقيه للرياح محاولاً استعادة حزمتي اللفت والبنجر وهو يقسم بأغلظ الأيمان أن ينتقم من تلك الممثلة خرّابة البيوت التي أفسدت، وتفسد كل عام احتفاله بالعام الجديد.

إعلان

إعلان

إعلان