لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

نُسخة من الحب

نُسخة من الحب

عبدالله حسن
09:01 م الخميس 03 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اليوم أتممت عامي الأول.. وكأي طفل بدأت أتعرف على الدنيا من منظوري الخاص.. فهذا ملح، وهذا سكر، رغم لونهما الواحد، ولكن المذاق على النقيض.. اليوم أتلعثم وأنا أنطق أول الحروف، وأسقط وأنا أحاول أن أمشي وأنام دون تفكير.. اليوم أنا أحمل في صحيفتي 365 يوما.. ويا له من رقم ضئيل للبشر كبير بالنسبة لي.. ربما لصغر حجمي فأنا أرى كل شيء كبيرًا.. الآن أستطيع التفرقة بين حضن أمي وحضن من سواها.. اليوم أستطيع أن أعرف صوت أبي من بين كل الأصوات.. والفتاة الطويلة التي تقبلني وهي تحملني دائما هي أختي رأيتها كثيرا.. وهذان المزعجان هما بالطبع أخواي.. الآن أعرف بعض الحيوانات، وهذه الشاشة الملونة تليفزيون.

أنا أعرف الألوان، وأكره الحفاضات ليتني أستطيع إخبارهم بلغتهم كم هي ضيقة.. آه لغتهم غير المفهومة.. سأتعلمها.. كل ما عليّ فعله هو الإنصات ثم التقليد.. إنها كسيمفونية.. بعض الأصوات تشكل كلمة ثم الكلمة تشكل مدلولا بشكل أو بآخر اتفقنا عليه جميعنا.. أنا في عرفهم جاهل، ولا أدرك.. ولكن أنا أعلم كل شيء.. كل شيء إلا شيئا واحدا.. لا أعرفه، ولا أستطيع فهمه، وكأنه لا ينتمي إلى هذا العالم ..

ما الذي يجبر هذه الأسرة الصغيرة على تحمل صراخي الدائم.. أنا أصرخ وأنا جائع وأصرخ وأنا أعاني من التقلصات المعوية، وأصرُخ وأنا أريد أن أنام.. وأصرُخ وأنا سعيد.. وأصرُخ حينما يبتعدون أو يكفّون عن تدليلي.. وأصرُخ وأصرُخ.. وأحب أن أصرُخ وهم نيام.. هناك رغبة دفينة في إيقاظهم، خصوصا في فصل الشتاء.. أنا لا أجد أي مشكلة في ذلك على الإطلاق.

لا يوجد أي تفسير منطقي لما يفعلون تجاهي.. وما أنا أفعله تجاههم.. أنا لا أنكر أنني لا شيء بدونهم.. أنا أحبهم.

أنا ماذا؟!

نعم، أحبهم، وهم يحبونني.. هذا هو ما لم أقدر على فهمه أو استيعابه.. الحب.

لقد خُلق الإنسان من طين، وتشريحيا أعلم جيدا ما أملك داخل جسدي وعقلي، لكنني أعجز عن فهم هذا الشيء.. رغم أنه بالتأكيد هو أساس الحياة.. فبدونه لا أرى، وإن كنت أملك العضو المسؤول عن النظر.. ولا أسمع.. ولا أتكلم.. ولا أحيا.

خُلق الإنسان من الحب.. من صانع الحب.. من إله الحب.. وانحدر النسل من الحب.. هو من يبقينا أحياء.. هو ذلك الشعور الرائع الذي يحملك إلى دنيا أشبه بالخيال.. فلا توجد متعة على الأرض تضاهي متعة هذا الشعور.. ولا يوجد ألم على الأرض يضاهي ألم فقدانه.. فلا حياة بدونه.. فعذرا سيدي ديكارت.. "أنا أحِب إذن أنا موجود ".

منذ يوم الميلاد إلى يوم الوفاة وأنت تبحث عنه رغم أنه موجود أمامك في ألف صورة وصورة، ولكن هذا طبيعي، فمن يوم مجيئك إلى الدنيا وأنت تبحث عن تعريف لهذا الشيء في البداية تُفسره على أنه اتصالك بعائلتك.. ثم يتحول إلى الرابط بينك وبين أصدقائك.. ثم من تحب من الجنس الآخر.. ثم حبك لأبنائك وأحفادك.. وحبك للحياة بشكل عام.. الحب يتغير ويأخذ جميع الأشكال والقوالب ويا للروعة إنه مناسب لكل شيء.. ولكن في النهاية.. ما هو؟ هل يوجد على الأرض من يمتلك تعريفا محددا لهذا الشعور؟ وهل هو شعور أم أنه ذلك "الشيء" الذي يتحكم ويُحرك شعورك؟ !

لا تُرهق نفسك في البحث عن تعريف معين للحب.. فكل منّا له تعريفه الخاص به.. كن متأكدا أن لك نسختك الخاصة بك من الحب اصنعها أنت وشريكك كما تريد.. إنها من صُنع يديك وأنت تختلف بها عن الآخر.. ولكن ماذا إذا صنعتها، ثم اكتشفت أنها غير ملائمة.. أو اكتشفت ساعة التشغيل أن بها عيوب صناعة.. هنا المشكلة.. ولكن هذا حديث آخر.. سيتطلب منا الانتظار إلى الأسبوع المقبل.

إعلان

إعلان

إعلان