لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

غاز شرق المتوسط.. أحد مفاتيح الاستقرار أو الصراع

غاز شرق المتوسط.. أحد مفاتيح الاستقرار أو الصراع

محمد جمعة
09:00 م الثلاثاء 20 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من دون شك أن اكتشاف تلك الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تضم كلا من مصر، واليونان، وقبرص، وتركيا، ولبنان، وفلسطين، وإسرائيل- تمثل تطورًا فارقًا في تاريخ هذه المنطقة.

كون هذه الاكتشافات تمثل رصيدًا استراتيجيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية لهذه الدول، وعلى رأسها مصر. سواء لجهة تغطية حاجاتها في مجال الطاقة، أو لجهة الارتقاء بأنظمتها الاقتصادية، وتسديد ديونها الضخمة، وربما التحول إلى دول مصدرة للغاز الطبيعي والبترول في المستقبل.

ولزميلنا الدكتور "أحمد قنديل" مدير برنامج الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسة مهمة جدا- صدرت العام الماضي- لا غنى عنها لمن أراد الإحاطة بكافة التفاعلات المرتبطة بهذا الموضوع الحيوي .

الدكتور قنديل، فى دراسته، أسهب بشكل مفيد للغاية فى توضيح كافة التحديات المرتبطة بالموضوع، سواء ما يتعلق بالبيئة السياسية المعقدة التي تحيط بهذه الموارد، سواء داخل كل دولة على حده، أو في العلاقات بين هذه الدول مجتمعة. وعدم نضج سياسات الطاقة والغاز في دولها، فضلا عن التحديات التجارية والفنية المرتبطة بتطوير وتصدير هذه الموارد.

ولم يستبعد فى دراسته أن تقود هذه الاكتشافات إلى مزيد من الصراع بين بعض الأطراف فى المنطقة، ما لم يتم اتخاذ الخطوات الملائمة لتعزيز التعاون بينها.

لكن من أهم ما جاء فى دراسة الدكتور قنديل هو إشارته التفصيلية لمعضلة عدم اكتمال النظام القانوني الحالي لاستغلال هذه الاكتشافات.. نظرا لتعدد وعدم اكتمال الأطر القانونية الحاكمة لتلك المسألة من جهة، واختلاف وجهات نظر دول المنطقة تجاه ترسيم الحدود البحرية فيما بينها من ناحية أخرى.

- مثلا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، والتي تم التوقيع عليها في ديسمبر 1982(ودخلت حيز النفاذ في 16 نوفمبر 1994). هذه الاتفاقية رغم أنها ثمثل الإطار القانوني الدولي، والتي تحكم كل ما يتعلق بالبحار في عالمنا المعاصر. فنلاحظ عدم التصديق عليها من قبل كل من تركيا وإسرائيل، رغم تصديق كافة الدول الأخرى فى منطقة شرق المتوسط.

- أيضا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية- القبرصية، والتي تم التوقع عليها في فبراير 2003 بين الحكومتين المصرية والقبرصية، ودخلت حيز النفاذ في عام 2004. وقد عَينت هذه الاتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بالدولتين وفقا لقاعدة خط المنتصف، والذي حددته الاتفاقية في ثماني نقاط إحداثية جغرافية. وقد تضمنت الاتفاقية إشارة أوردتها الفقرة الخامسة من المادة الأولى تقضي بإرجاء البت في النقطتين (1) و(8) لحين التوصل إلى اتفاق مع الجانب الشرقي، أي فلسطين (قطاع غزة) وإسرائيل. والجانب الغربي، أي تركيا، بشأن ترسيم الحدود البحرية معهما، على أن تكون النقطتان المذكورتان نقطتين حدوديتين ثلاثيتين حال توقيع اتفاق ترسيم للحدود البحرية مع الدول المقابلة أو المجاورة، فتؤخذ النقطة رقم (8) من اتفاقية ترسيم الحدود المصرية القبرصية في الاعتبار كنقطة بداية لترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا، وتؤخذ النقطة رقم (1) منها في الاعتبار كنقطة بداية لترسيم الحدود البحرية بين مصر وكل من فلسطين وإسرائيل. وبذلك ألزمت الاتفاقية الدولتين عند الدخول في أي مشاورات مع طرف ثالث لتعيين الحدود البحرية- إبلاغ الدولة الأخرى والتشاور معها.

كذلك اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وما يسمى بجمهورية قبرص التركية (التي لا تعترف بها سوى تركيا فقط)، والتي تم التوقيع عليها في سبتمبر 2012. وفيها قرر الطرفان لقبرص الجنوبية اليونانية اثني عشر ميلا بحريا فقط كمياه إقليمية في مواجهة الساحل الغربي لقبرص معتبرين إياها مجرد جزيرة وليست دولة.

ناهيك من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية- القبرصية، التي تم توقيعها في عام 2007. واتفاقية ترسيم الحدود البحرية القبرصية- الإسرائيلية، التي تم التوقيع عليها في ديسمبر 2010.

وإلى جانب التعدد الواضح وعدم اكتمال الأطر القانونية الحاكمة لمسألة تطوير الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، ثمة إشكاليات أخرى، لعل من أبرزها:

- الخلاف اللبناني- الإسرائيلي. حيث فشلت (حتى الآن) كافة المساعي التفاوضية بين الطرفين، ومن بينها وساطة الولايات المتحدة، لحل هذا الخلاف نتيجة عدم وجود اتفاق حول معايير الترسيم. ويشار هنا إلى أنه بمجرد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل وقبرص في أكتوبر 2010، أبدت لبنان رفضها الاتفاقية، مدعيةً أنها قد تعدت على ما يقرب من 850 كم مربعا من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها.

– أيضا الخلاف التركي- القبرصي؛ حيث رفضت تركيا الاتفاقية الإسرائيلية القبرصية لترسيم الحدود البحرية بينهما، واستدعت وزارة الخارجية التركية السفير الإسرائيلي في أنقرة آنذاك، وأبلغته رفض تركيا الاتفاقية لكون الحكومة القبرصية لا يحق لها التوقيع على أي اتفاقية دولية، أو البدء في أي عمليات تنقيب طالما ظلت أزمة جزيرة قبرص قائمة.

كما أكدت تركيا أيضا، في تصورها للحدود البحرية مع مصر، على أن خط الطول الذي تنتهي عنده الحدود التركية مع قبرص الشمالية التركية هو بداية التعيين مع مصر.

- كذلك عدم تعيين الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة بين مصر وفلسطين، وبين سوريا ولبنان وبين سوريا وقبرص، وبين مصر وتركيا، وبين مصر واليونان. وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تصاعد الجدل الداخلي أحيانا بشأن سرقة دولة ما للغاز على الحدود مع دولة أخرى.

ومما يذكر فى هذا السياق أن مصر كانت قد شرعت في الدخول في مفاوضات مع تركيا واليونان؛ بغية تعيين الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، خاصة أن اتساع البحر المتوسط لا يسمح بحصول كل من مصر وهذه الدول المقابلة لها على الشاطئ الآخر من البحر على الحد الأقصى الذي حددته اتفاقية قانون البحار للمنطقة الاقتصادية الخالصة، وهو مائتي ميل بحري. إلا ان هذه المفاوضات لم تنته إلى اتفاق؛ نظرا لاختلافات فنية وقانونية وسياسية حالت دون الوصول إلى مثل هذا الاتفاق حتى الآن.

من ناحية أخرى، فضلت مصر عدم ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، حتى يتم إقامة الدولة الفلسطينية.

باختصار، غاز شرق المتوسط يمكن أن يكون أحد مفاتيح استقرار المنطقة ورخائها. ويمكن كذلك أن يكون سببا جديدا لتفاقم الصراعات فيها.

ومن ثم فإن الأفضل لمستقبل شعوب هذه المنطقة، هو التأكيد دائما على أن بناء الثقة أمر ضروري من أجل الاستفادة القصوى من هذه الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي. وأنه لا بد من الإكثار من التفكير المشترك thinking together بين دول وشعوب شرق البحر المتوسط. وأن يتم ذلك على كافة المستويات الحكومية وغير الحكومية.

إعلان