لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ماسبيرو.. لن تنقذه الألعاب النارية!

ماسبيرو.. لن تنقذه الألعاب النارية!

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 20 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا الألعاب النارية في سماء مبنى ماسبيرو، ولا استدعاء بعض الطيور المهاجرة لدعم تجربة «القناة الأولى» في شكلها الجديد كافٍ- لمنح التليفزيون المصري قبلة الحياة.

ثورتان تغيرت فيهما معظم مؤسسات الدولة، عدا جهاز التليفزيون المملوك للدولة، بقي على حاله، ليس في السياسة الإعلامية، بل في نمطية أدائه، وتراجع تأثيره، وأيضـًا في فشل جميع الحلول التي اقترحها الخبراء لتطوير الأداء والوصول إلى إعلام هادف، لا يكرر أخطاء مرحلة مبارك.

اتسم أداء التليفزيون المملوك للدولة بالبطء والترهل وغياب الكفاءة، في عالم الأسرع يهزم فيه الأقوى أيـًا كانت مصادر هذه القوة. يشكو ماسبيرو من التجاهل، والحقيقة أن ماسبيرو هو الذي يتجاهل الإعلام، فهو متفرغ لتقديم مواد وموضوعات لا جديد فيها في الشكل أو المضمون، ويجلس في استديوهاته مذيعون وشيوخ وضيوف، يملأون الهواء بالكم دون الكيف.

يبقى هذا الجهاز التليفزيوني مريضـًا يحارب الموت الإكلينيكي قبل إعلان الوفاة بعد أن بات مثقلًا بخسائر متزايدة بلغت قيمتها ٥ مليارات و٤٣٤ مليونـًا و٩٨٦ ألفـًا و٩٠٩ جنيهات في العام 2017، إضافة إلى مديونية اتحاد الإذاعة والتليفزيون لبنك الاستثمار القومي وتقدر بـ22 مليار جنيه

بلغ الأمر حد أن بنك الاستثمار القومي يحصل على كل أرباح شركة «نايل سات»، رهن الوفاء بالدِين المقدر بمليارات الجنيهات، كما استحوذ على كامل أسهم «اتحاد الإذاعة والتليفزيون»، رهن الديون المتلاحقة على «ماسبيرو»، والتي وصلت في عام 2017 إلى 27 مليار جنيه.

في ظل عدم وجود سياسة واحدة تحكم الأمر، ولا معايير تهدف إلى تطوير حقيقي يحقق الأرباح. أعطى التليفزيون بتراجعه الفرصة لتفوق الفضائيات الخاصة، وسط نداءات استغاثة لإنقاذ ماسبيرو من أوضاعه المتدهورة وترهله الوظيفي والإداري.

الأرقام أحد أسباب الاندهاش لما يقدمه هذا التليفزيون من خدمة سيئة، فالتليفزيون بقنواته المتعددة وقطاعاته المختلفة يعمل فيه هذا العدد الضخم، دون أن يثمر ذلك عن تحقيق طفرة إعلامية، بل أسهم في ضعف مستوى الخدمة وانتشار الفساد، فضلًا عن تهمة تضليل المصريين إعلاميـًا على مدى سنوات.

جيش من "الموظفين" يتقاضون رواتب شهرية تصل إلى 220 مليون جنيه تدفع اليوم بالكامل من ميزانية الدولة، ومن أموال دافعي الضرائب. أما التناقضات الصارخة، فحدث، ولا حرج. ومن ذلك أن توضع القنوات الإقليمية الموجهة لخدمة مناطق جغرافية محددة، كمنطقة قناة السويس ومناطق شمال ووسط وجنوب الصعيد، على القمر الاصطناعي وتُكلف الدولة ملايين الدولارات سنويـًا، في حين أن فلسفة إنشاء هذه القنوات هي تغطية أقاليمها الجغرافية فقط.

أخطر النتائج إطلاق رصاص الرحمة على تليفزيون الدولة في «ماسبيرو»، الذي وُلِد عملاقـًا بالمعني الحرفي، من حيث قوة النفوذ والدور، وخرجت من عباءته أجيال من رواد العمل الإعلامي العربي.

وإذا كان القانون نص على دور ماسبيرو في تقدير رسالة إعلامية تخدم الشعب والمصلحة القومية والمساهمة في بناء ثقافة المجتمع المصري والتعبير عن مشكلات الشعب ومطالبه، فإن ذلك لم يحدث، بل إن وجود التشريع شكليـًا وعدم الامتثال له وتطويعه لخدمة مصالح النظام- أدت إلى افتقاد قيمته القانونية.

زاد الأمر سوءًا بافتقاد اتحاد الإذاعة والتليفزيون كوادر إدارية فاعلة يمكنها صياغة رؤية واستراتيجية محددة الأهداف والسياسات التحريرية المستقلة.

نحن بحاجة إلى تليفزيون قومي، حُرّ، مستقل، لا يُعبر عن طائفة دون أخرى، محايد على أرض الخلاف، وواقعي في نقل الحقائق، يبحث عن قيمة ليرسيها، وعن جنيهات كثيرة يطور نفسه بها، يدفع عن نفسه تهمة التوجيه، ويحاول أن ينافس محليـًا ودوليـًا.

نريده منافسـًا حقيقيـًا، ويقدم برامج متميزة وجذابة، تراعي كل الأذواق، ويمنح المشاهدين وجبة دسمة ومتنوعة من البرامج، ونشرات أخبار رشيقة، تراعي المهنية أولًا قبل أي شيء آخر.

إن ماسبيرو بإخفاقه في الوفاء بالمعايير المهنية اللازمة وترهله الإداري وحرصه على خدمة مصالح نخبة ضيقة في الدولة أو الحكومة، يأبى أن يحقق الصورة، ويلبي الحلم، لتقف كل محاولات التطوير على عتبته، وتعلن أنها باءت بالفشل وبجدارة.

إعلان