لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جمهور عمرو خالد.. ونهاية ما بعد “بوتقة الصهر”

جمهور عمرو خالد.. ونهاية ما بعد “بوتقة الصهر”

أكـرم ألـفي
09:01 م الأحد 03 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عمرو خالد كان مثار الجدل الرئيسي في المجتمع المصري وخاصة جمهور “فيسبوك” خلال الأيَّام الماضية؛ بسبب صوره أثناء تأدية مناسك الحج.

الحوار حول ظاهرة عمرو خالد والدعاة الجدد كانت مركزًا لاهتمام العديد من الزملاء الصحفيين والباحثين في مقدمتهم الزميل وائل لطفي، الذي سعى لتفكيك هذا الخطاب والبحث في هذه الظاهرة.

ليس هذا المقال محاولة لِفَهْم الظاهرة من جانب أبطالها وهم كثيرون ولكن فهم جمهور خطاب الدعاة الجدد أو نجوم التديُّن في مصر سواء كانوا من الدعاة المسلمين أو الوعاظ المسيحيين.

في البدء علينا الاتفاق أن مصر جزءٌ من عالم ومنطقة طرأتْ عليها الكثير من التحوُّلات ولكن خلال 20 عامًا حدث تكثيف للتحولات الاجتماعية والسياسية يمكن إجمالها في فشل صناعة “بوتقة الصهر”. فعقب الحرب العالمية الثانية سعت أغلب النظم السياسية في العالم إلى خلق “بَوْتَقَة صهر” لمجتمعاتها على قاعدة البحث عن الخلاص أو الاشتراكية أو الليبرالية من خلال مشروع سياسي أو اجتماعي وصولًا لصناعة الكاريزما الذي يحشد وراءه المجتمع.

مرَّتْ أغلب المجتمعات بهذه التجربة في أشكال متباينة ولكن المصير كان واحدًا وهو فشل “بوتقة الصهر” الاجتماعية التي كانت حاملتها هي الطبقة الوسطى الأكثر تعليمًا والحالمة دومًا بتحقيق “يوتوبيا” على الأرض من خلال الزحف “المُقدَّس” الذي يتطلب دومًا جيشًا من كل شرائح المجتمع.

في مصر ظهرت “بوتقة الصهر” في الخمسينيات والستينيات تحطمت على صخرة هزيمة ١٩٦٧ وسعى السادات إلى صناعة “بوتقة صهر” جديدة، على قاعدة انتصار أكتوبر ١٩٧٣، وفشل لأنَّه أخفق في إقناع الطبقة الوسطى بمشروعه. وصل مبارك للسلطة مع بدء تحلل كافة أشكال “بوتقة الصهر” الناصرية الباقية من السبعينيات.

عملية تفكيك “بوتقة الصهر” الاجتماعية تأخذ عقودًا، ففي أمريكا ظلَّتْ ذكريات الحرب العالمية الثانية هي التي “بوتقة صهر” عبر استعادة ذكريات وبطولات الانتصار وعندما ابتعد الزمن وانهزم الحلم في حرب فيتنام، سعت النخبة لتجديده عبر استعادة البطل الأمريكي الخارق بـ”سوبر مان” وغيره من حاملي الحلم الفردي الذي ظلل “بوتقة الصهر” الأمريكية لعقود طويلة.

وفي بلدنا، عاش جيلنا خلال الثمانينيات والتسعينيات تحت آخر ظِلال بوتقة الصهر الناصريّة وحلم استعادة الأمجاد التي كانت، حلم القدرة على إعادة إنتاج المجتمع عبر فرن “الحقيقة الغائبة” لصناعة مجتمع جديد يخرج من “بوتقة صهر” موحد وقادر على الانتصار.

أتذكَّر جيِّدًا كيف كان جيلي من مختلف المشارف السياسية والاجتماعية يُردد بنفس الحماس أغاني عبد الحليم حافظ أحد أقوى إفرازات “بوتقة الصهر” الناصرية، رغم أن أحدًا مِنَّا لم يُعاصر التجربة الناصرية أو عاصر أبطالها الرئيسيين.. إنَّها ظلال استمرت طويلًا.

الجيل الذي ولد في التسعينيات كان بعيدًا عن هذه الظلال وعاصر التفكيك النهائي لبوتقة الصهر في مصر. ووجد أبناء الطبقة الوسطى أنفسهم بدون مشروع فبحثوا عن هذا المشروع.

في هذا السياق ظهر الدعاة الجدد كبديل للحلم والمشروع الفردي الممكن، اندفع الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى نحو هذا المشروع لصناعة “اليوتوبيا” الخاصة بهم.

هؤلاء الذين اندمجوا في مشروعات الدعاة الجدد وفي جماعات خيرية إسلامية ومسيحية تتسم بالبعد الخيري وأحلام الطبقات الوسطى في صناعة “الخير” شبه المجاني هم الأبناء الأوفياء لحلم “بوتقة الصهر” الذين ولدوا وكان الوعاء قد انكسر وتحوَّل إلى شَظايا.

الباحثون عن الحلم في المجتمع من الشباب والشابَّات في الطبقة الوسطى يرون أنفسهم أصحاب رسالة يحملونها إلى المجتمع. هذه الطاقة الإيجابية اشتراها البعض عبر الدعاة الجدد في المساجد والكنائس لإبعاد هؤلاء عن العمل السياسي أو الانخراط في أنشطة محفوفة بالمخاطر.

ولسوء حظ هؤلاء الحالمين وما يسميهم البعض “قلب المجتمع” فإن حلم ثورة 25 يناير انهار سريعًا وانكسر أبطاله سريعًا مما خلق فراغًا غير محتمل لمن هم من مواليد بداية الألفية.

إن السؤال الأهم من وجهة نظري ليس جمهور الدعاة الجدد والمتجددين لأن الجيل الذي صنعهم شارف على الثلاثينيات وأصبح أقل طموحًا، وأحلامه اقتربت على الأفول. ولكن السؤال عن جمهور الطبقة الوسطى من شباب بداية الألفية الذي يدخل اليوم مرحلة الشباب وقد انتهى حديث “بوتقة الصهر” المكسورة وتحطم حلم 2011 وتحول رموز الأجيال السابقة إلى تمثال من الرمال يسقط سريعًا أمام أول موجة قوية أو رياح قادمة من “فيسبوك”.

الشباب من أبناء الطَّبقة الوسطى الذي وصل لعمر 16 إلى 19 عامًا سيكون أمام فرصة الحركة خارج أوهام الماضي البعيد والقريب، وبالتالي فإن مشروعه “الحالم” قد يأخذ أشكالًا غير معتادة علينا مراقبتها لندركها ونتعامل معها لا من أجل مصادرتها.. فمصر تمر بعملية تحول اجتماعي وديموجرافي ستستغرق عقدين على الأقل قد تُعيد صناعة كافة الظواهر الثقافية والسياسية.. والعاصفة القادمة لن تكون سياسية بقدر ما ستكون على الأرجح ثقافية واجتماعية.

في النهاية فإن الجدل حول عمرو خالد كان أحد أوجه انتهاء مرحلة قيادة أبناء التسعينيات للحلم في المجتمع وبدء عملية لن تطول كثيرًا إلى ظهور أبناء الألفية الجديدة لقيادة مشروع الجيل الجديد في المحروسة.. هل نحن مستعدّون؟ أم نحن ما زِلنا نعيش في عصر “بوتقة الصهر” المكسورة؟

إعلان

إعلان

إعلان