لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

«فاتني الضاني يا حكومة الحمصاني»!!

«فاتني الضاني يا حكومة الحمصاني»!!

عصام بدوى
09:02 م الأحد 03 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أثناء سيْري منذ أيام، في منطقة وسْط البلد، إذ برجلٍ يُقارب عمره الـ 60 عامًا يُبادرني بنظرة أسى، لا أدري سبب تلك النظرة، يحمل شنطة بلاستيكية في يده اليمنى، والأخرى سيجارة يُطبق عليها بأصابعه جيدًا، وكأنها السيجارة الأخيرة، وإذا به يتحدث لي بكلمات لا تصلح إلا لنهاية حديث مع صديق مقرب جدًّا، كانتْ فحواها: "زمان كنت بلف على الجوامع قبل وأثناء عيد الأضحى عشان بيفرقوا لحمة وبروح آخر اليوم بلحمة للعيال والست بتاعتي، دلوقتي لفّيت 6 جوامع وللأسف ولا واحد بيوزع لحمة.. كان نفسي أعيش زمان وأموت زمان، ولا أشوف الأيام دي".. ثم اختفى عني وسط زحام لقمة العيش.

المصريُّون من أكثر شعوب الأرض احترامًا وتقديرًا للحوم، ورغم ذلك هم من أقل الشعوب في نصيب المواطن سنويًّا من اللحوم، وبمقارنة استهلاك المواطن المصري من اللحوم بنظيريه الأمريكي أو مواطن دولة غانا، نجد أن نصيب المواطن المصري 14.9 كجم سنويًّا، بينما الأمريكي100 كجم سنويًّا، أما الغاني فنصيبُه 17 كجم سنويًّا، ليس هذا فحسبْ، فَتبعًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نجد أن 24.6% فقط من المصريين يأكلون اللحوم الحمراء، أما البقية فلا يأكلونها لأن دخولهم لا تتفق مع أسعار اللحوم أو يشترونها بكميات لا تكفي احتياجاتهم مما يعرض صحتهم للخطر.

أسعار اللحوم شهدتْ، خلال الفترة الماضية، قفزة شديدة جدًّا، حيث وصلت في بعض المدن مثل القاهرة والجيزة لـ 180 جنيهًا للكيلو، بينما وصلتْ في قرى الأقاليم، والتي كانتْ دائمًا يفتخر أهلها بأن أسعار الخضراوات واللحوم والدواجن أقل من المدن بكثير لكونها قرى منتجة لتلك السلع لـ 140 جنيهًا للكيلو، وهو ما جعل الأضحية تقل عن السنوات الماضية بنسبة تتجاوز الـ 20%، خاصة بعدما كان أشد خروف يسجل سعره 1500 جنيه، بينما تجاوز سعره هذا العام 3500 جنيه، بزيادة تتجاوز الـ 130%، وعندما تسأل عن الأسباب، الكل على إجابة واحدة وبنفس النبرة: "الدولار يا بيه"!!.

الأعلاف بالفعل هي أحد أهم أسباب مشكلة اللحوم في مصر، لكنها ليست الوحيدة، مصر حاليًا أصبحت من أكبر الدول في العالم استيرادا للذرة الصفراء بمعدل مليار و600 مليون دولار سنويًّا، بالإضافة إلى أنها تستورد ما يقارب من مليار و300 مليون دولار فول صويا، وهما من أهم مكونات العلف، وتستخدم مخلفاتها في إنتاج الأعلاف بعد عصر الحبوب لإنتاج الزيوت، لذا فإنَّ تعويم الجنيه أمام الدولار ليتراوح ما بين 17 و18 جنيهًا بعد أن كان يُسجِّل 8 جنيهات أمام الدولار، ضاعف أسعار الأعلاف بنفس النسبة للجنيه أمام الدولار، نظرًا لأنَّ مصر تستورد أكثر من 70% من أعلافها.

الكارثة الأكبر، أن مصر في سبعينيات القرن الماضي، كانتْ تزرع قطنا بمعدل مليوني فدان، والذي كان يستخدم الكسب الناتج من عصر البذور لإنتاج زيت الطعام كعلف للمواشي، بينما تراجعت مساحات زراعة القطن لتسجل 99 ألف فدَّان فقط، في 2016، مما أدَّى لتفاقم وارتفاع أسعار اللحوم بشكل سريع جدًّا دون إيجاد حلول جذرية لتفادي هذه المشكلة مستقبلًا.

هل المقاطعة الحل الحقيقي لتلك المشكلة وخفض أسعار اللحوم؟. في عام 1980 أصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرارًا، بمنع ذبح كافة أنواع الحيوانات "بقر وجاموس وخراف"، على مستوى جميع المحافظات لمدة شهرين كاملين، للحدِّ من جشع الجزارين.. هذ القرار، والذي يُطالب البعض الآن بتكراره هو إحدى الآليات شديدة السطحية، التي لم تؤثر ولن تؤثر في سعر اللحوم في مصر، لأنها عالجت العرض ولم تُعالج المرض نفسه، بالعكس، كانتْ له آثار جانبية مثل ارتفاع أسعار الجلود والمنتجات الجلدية، التي تقوم على إعادة تصنيع مخلفات الذبائح.

ورغم انخفاض أسعار الأعلاف عالميًّا، إلا أننا لا نلمسه في انخفاض أسعار اللحوم في مصر، وذلك إعمالًا بتقليد وعُرف مُتَّبع في مصر فقط، أن السلعة التى يرتفع سعرها في مصر لا يمكن أن تنخفض مرَّةً أخرى، حتى لو زالت أسباب الارتفاع، إضافة إلى فشل الحكومات المتعاقبة في التحكم في حجم الفجوة بين إنتاج اللحوم وبين الاستهلاك السنوي، والذي يخدم في النهاية مصالح مافيا الاستيراد، سواءً للأعلاف أو للحوم المستوردة، حيث إن استثمارات مستوردي اللحوم المستوردة، تخطت حاجز الـ 15 مليار جنيه.

وهناك سببٌ آخر، هو إهمال الدولة في تنمية وتأهيل أراضي المراعي الطبيعية وصيانة موارد الأراضي والمياه وإدارتها، حيث تُقدَّر مساحة المراعي الطبيعية بنحو 6.5 مليون فدان، منها نحو 3.75 مليون فدان في الساحل الشمالي الغربي، والتي تراجعت مساحتها لصالح الاستثمار العقاري والقرى السياحية، ونحو 2.85 مليون فدان في الساحل الشمالي لسيناء، بالإضافة إلى مساحات شاسعة جنوب البحر الأحمر من مرسى علم، وحتى حدودنا مع السودان، وهي غير مستغلة تقريبًا رغم أنها من الممكن أن تؤدي لزيادة ثروة مصر من رؤوس الأبقار والخراف والماعز، إلى ضعف عدد الرؤوس الموجودة حاليًا.. وهنا نتحدث على رؤوس مواشي وأغنام تقدر بنحو 8 ملايين رأس في مصر، مقارنة بـ 140 مليون رأس في السودان، و27 مليون رأس أبقار فقط في إثيوبيا.

ولضبط أسواق اللحوم في مصر، ينبغي للحكومة، دعم صغار المربين، وتوفير الدعم البيطري لهم، ولكن ما يحدث في مصر هو العكس، فهناك مشكلات تعاني منها هذه الصناعة، أهمها قدم المجازر والثلاجات، وعدم توافر نوافذ للبيع المباشر للجمهور، أدى إلى ظهور الوسطاء، وبالتالي زيادة الأسعار، وخلق ما يُسمَّى بمافيا اللحوم، وأيضا قلة أعداد البيطريين في مديريات الطب البيطري وتدريبهم على التعامل مع الأمراض والأوبئة، كذلك عدم وجود خطة محددة لتنمية الثروة الحيوانيّة، وأيضًا ظهور مافيا اللحوم المستوردة والفاسدة، نتيجة غياب الضوابط التي تُسيِّر السوق، مما أتاح الفرصة لتوافر عامل الجشع في سوق اللحوم وفوضى تسعيرها.

وفي النهاية، ونظرًا لتلك الظروف القاسية، أناشد القادرين على شراء اللحوم ألا يكتفوا في عيد الأضحى بعزومة القادرين على شرائها أيضًا، ليمر العيد على غير القادرين مثله كمثل بقية أيام العام بدون لحمة، وحتى لا يحق على فقراء مصر، المثل القائل "إذا فاتك الضاني عليك بالحمصاني".

إعلان

إعلان

إعلان