لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رسالة من طابور الرغيف الخامس

رسالة من طابور الرغيف الخامس

عصام بدوى
08:22 م الأحد 30 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عصام بدوي

بعد تصريحات الرئيس السيسي في خطابه بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة يوليو وافتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، بأن المصريين يأكلون بحوالي 100 مليار دولار في السنة، إشارةً منه لحجم دولة مثل مصر في رسائل موجهة بشكل غير مباشر لدولة في حجم قطر، يبدو أن الحكومة هي الوحيدة التي لم تفهم رسالته، بينما فهمها كل من سمع الخطاب من المواطنين صغيرًا وكبيرًا.

لكن للأسف خرجت علينا الحكومة متمثلة في وزارة التموين، بعد هذا الخطاب بيوم واحد، لتعبر عن فهمها العميق لرسالة الرئيس، بتقرير يصف المواطن بالطمع مع ضرورة خفض حصته من الخبز من 5 أرغفة إلى 4 يوميا، مستندة للبيانات الرسمية الرقمية الصادرة عن شركات تشغيل الكروت الذكية التي يستخدمها 81 مليون مواطن في صرف حصصهم، والتي رصدت معدل استهلاك الخبز المدعم للمواطن بأنه يتراوح ما بين 2.5 و3.8 رغيف يوميا.

ويبدو أن وزارة التموين، وكعادة الحكومة، خرجت بهذا التقرير الذي تناولته وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، ليكون بمثابة بالون اختبار لتتعرف من خلاله على ردود فعل المواطنين، والذي يقضي باستبدال الرغيف الخامس بنقاط قيمتها 20 قرشًا، لتوفّر 40 قرشًا من دعم الرغيف الخامس، حيث إن تكلفته تكبد الحكومة 60 قرشًا.

ومن لم يعِ الظروف التي تنهش طبقة محدودي الدخل، والتي تمثل الغالبية العظمى من الشعب، قد يراه اقتراحًا عاديًّا، بينما يعتبر قرارًا كارثيًّا يهدد تلك الطبقة، التى يفوق فيها معدل استهلاك الفرد الـ 5 أرغفة يوميا، خاصة بعد موجة ارتفاع أسعار السلع الأخيرة، ليظل رغيف العيش هو الملاذ الأخير للفقير، إضافة إلى أن المواطن سيقوم بتعويض الرغيف الخامس بشرائه على الأقل بـ 50 قرشًا خارج بطاقة التموين، مما سيجبر المواطن لدفع 30 قرشا من قوته لتعويض الفارق بعد أن تمنحه الحكومة 20 قرشًا تعويضًا عنه.

بل الأسوأ من ذلك، أن قرارات الفصل لشاب تزوج وكوّنَ عائلة جديدة عن بطاقة والده معقدة وتشوبها الكثير من البيروقراطية، وقد تستمر لسنة أو أكثر، ويعتمد خلالها على نصيبه من بطاقة والده في الخبز وعلى تعويض الفارق بالخبز غير المدعم ليكفي إطعام أطفاله، فما بالك عندما تخفض حصته في بطاقة والده!!.

للأسف، من هذا القرار يتضح أن الحكومة لا تهتم الا بسد عجز الموازنة، حتى لو كان ذلك على حساب طبقة محدودي الدخل، والتي ليس لها أي ذنب سوى أنها تمثل القاعدة العريضة من الشعب.

وبحسبة بسيطة.. المصريون يأكلون ٣٠٠ مليون رغيف مدعم يوميا، وهذا حسب آخر تقرير لوزارة التموين، وبالتالي لو وفّرتْ رغيفًا واحدًا، هذا معناه أنها ستوفر 60 مليون رغيف يوميا، بمعنى أنه سيتم توفير ٦٠ مليون رغيف x ٤٠ قرشا (24 مليون جنيه يوميًّا)، وهو 720 مليون جنيه شهريًّا، أكثر من 8.6 مليار سنويًّا للموازنة، بينما هي تعوض المواطن بـ 20 قرشًا للرغيف، بمعنى أنها ستدفع له 12 مليون جنيه يوميا.. يعني 360 مليون شهريًّا يعني أكثر من 4 مليارات جنيه سنويا.

ملحوظة: هذه الأرقام في حالة لو الحكومة تقوم بصرف العيش المدعم مجانًا للمواطن.. أما حال دفع المواطن جزءًا من ثمن رغيف العيش (٥ قروش) فإن ما ستوفِّره الحكومة سيكون 8.6 مليار مضافا إليه ٥ قروش x ٦٠ مليون رغيف x ٣٠ x ١٢، يعني تقريبا التوفير سيكون 9.68 مليار جنيه سنويا.

وبذلك ستكون الحكومة قد قامت بتوفير ما يقارب من 10 مليارات سنويًّا، لكن من جيب محدود الدخل، إضافة إلى توفير مليوني طن من القمح المستورد، حيث تستورد مصر سنويا 14.6 مليون طن، يذهب ما يقارب الـ 10 ملايين منها للخبز المدعم.

ولو فكرت وزارة التموين للحظة، في إنشاء قوائم صحيحة لمستحقي الدعم مع تشديد الرقابة على الأسواق، خاصة بعد نزيف الاختراقات اليومية لمنظومة الخبز، والتى نُهب عن طريقها عشرات الملايين يوميا، وذلك من واقع تحقيقات وضبطيات الأجهزة الأمنية، لكانت وفَّرت سنويا أكثر ما سيوفِّره هذا المقترح.

الأغرب من ذلك، أن وزارة التموين، استندت لشركات تشغيل الكروت الذكية في تحديد معدل استهلاك المواطن من الخبز، وهي نفس الشركات التي سرقت العام الماضي وتحديدا في 18 يوليو 2016، أي في واقعة واحدة فقط أكثر من 200 مليون جنيه من أموال الدعم، وذلك من خلال تشغيل أكثر من مليون بطاقة تموين موقوفة ومبلغ بسرقتها، وأدانتها أجهزة مباحث التموين!!.

وأخيرا.. علي الحكومة البحث عن بدائل حقيقية لسد عجز الموازنة بعيدا عن محدودي الدخل، والتفكير ألف مرة قبل تحويل هذا الاقتراح لقرار واجب التنفيذ من شأنه سيتسبب فى المزيد من الاعباء الملقاه على كاهل تلك الشريحة العريضة، ويتحول يوم تفعيل هذا القرار لليلة بكى فيها المواطن.

إعلان

إعلان

إعلان