لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

انقسام جديد كبير

انقسام جديد كبير

د. جمال عبد الجواد
08:45 م الجمعة 16 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. جمال عبد الجواد

الصراع حول الجزيرتين أضاف انقساما جديدا للجماعة السياسية المصرية. انقساماتنا كثيرة، ولم يكن ينقصنا انقسام جديد، لكن صانع القرار اختار أن يحشرنا في هذه الخانة الضيقة. عندما تنشر قوائم الشرف والعار، وعندما تصل الاتهامات المتبادلة إلى حد العمالة لقوى خارجية، والخيانة العظمي، والجرائم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، فالأمر ليس هينا بالمرة. 

المعارضة المصرية ضعيفة ومفككة، هذا أمر لا خلاف عليه، ولكن المعارضة في هذه المرة تركب حصان الوطنية والسيادة الجامح، وهي بسبب موقفها المتمسك بالأرض وضعت نفسها على هضبة أخلاقية ومبدئية عالية وصلبة. ما تنطق به الوثائق ووقائع التاريخ ليس مهما في عقائد السياسة، فالمهم هو ما يعتقد البشر فيه ويعتبرونه صحيحا. في أبريل 2016 أجرى مركز بصيرة استطلاعا بين أن 30% من المصريين يعتبرون الجزر مصرية، مقابل 23% يعتبرونها سعودية، وهي النسب التي تغيرت إلى 47% و 11% على الترتيب في الاستطلاع الذي نشره مركز بصيرة عشية مناقشة البرلمان لقضية الجزيرتين. الزيادة الكبيرة في نسبة المصدقين في مصرية الجزيرتين تمثل نجاحا للمعارضة، وتعكس القوة والجاذبية التي يتمتع بها حصان الوطنية والسيادة. 

الانقسام حول تيران وصنافير يشبه الانقسام الذي أحدثته معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في المجتمع السياسي المصري، عندما بدا المجتمع السياسي المصري كما لو أن صاعقة كبرى قد ضربته، فقسمته إلى قسمين. الخلاف حول معاهدة السلام ظل خلافا نخبويا فيما انصرفت الجماهير إلى شؤون أخرى، لكن السياسة في بلادنا هي نشاط نخبوي في أغلب الأوقات، فكان للانقسام في صفوف النخبة آثارا سلبية كثيرة على تطور مصر السياسي في السنوات التي تلت ذلك. 

الانقسام حول تيران وصنافير أقل نخبوية وأكثر تجذرا في المجتمع. أكثر من مائة من نواب الشعب رفضوا الموافقة على اتفاق ترسيم الحدود، بينما لم يرفض معاهدة السلام مع إسرائيل سوى ما لا يزيد على عشرة نواب، لكن هذا العدد الصغير من النواب كان كافيا ليصدر الرئيس السادات قرارا بحل مجلس الشعب، والدعوة لانتخاب برلمان جديد، منعت المعارضة من الوصول إليه. 

النسبة الكبيرة من المصريين المعتقدين بمصرية الجزيرتين، حسب استطلاع بصيرة، تبدو أكثر من نسبة المصريين الذين رفضوا اتفاق السلام مع إسرائيل. أغلب المصريون يفضلون "اللاحرب" مع إسرائيل، وإن كانوا يرفضون التطبيع معها. تحولت معاهدة السلام طوال السنوات التالية إلى أداة للتجييش والتعبئة استخدمتها المعارضة ضد النظام. لجان مقاومة التطبيع، والمظاهرات السنوية في معرض الكتاب، وأنشطة مقاطعة إسرائيل، كل هذه وغيرها الكثير كانت من التكتيكات الناجحة التي استخدمتها المعارضة. 

شيء من هذا سيحدث بسبب تيران وصنافير. الشعور بالصدمة والخسارة الوطنية المخيم على كثير من المصريين بعد موافقة البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود سوف تكون له تبعاته. سنشهد موجة من أعمال الاحتجاج التي ستستمر لبعض الوقت، قبل أن تخفت تدريجيا، فتتحول إلى احتجاجات موسمية. 

على المدى الطويل ستتوارى أهمية قضية الجزيرتين أمام القضايا المستجدة والمتجددة ، فالسعودية ليست إسرائيل، والمملكة هي أكثر بلد يزوره المصريون لأغراض العمل والحج، وحجم المصالح التي تربط البلدين في مجالات الاقتصاد والعمل والسياسة والأمن أكبر بكثير من أن تتأثر بمعارضة البعض لاتفاق ترسيم الحدود. هذا هو ما سوف يحدث على المدى الطويل، أما في المدى المنظور فإن قضية الجزيرتين ستكون مثل الغصة في حلق علاقات البلدين، وسيعزف الموتورون من الجانبين بسببها على منصات التواصل الاجتماعي أناشيد الكراهية والاستكبار والتحقير. أما في الداخل المصري، فسوف تكون هذه القضية سببا إضافيا لانقسام المصريين، وسببا إضافيا للاستقطاب السياسي، ولتعميق المشاعر السلبية بين أهل الحكم والمعارضة. ولهذا فإنه كان حريا بحكومتنا البحث عن طريقة أخرى تدير بها قضية الجزر، حتى لا تبدو كمن أراد حل مشكلة عالقة في العلاقات بين السعودية ومصر، فخلق بدلا منها ألف مشكلة في الداخل المصري.

إعلان