لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بهجة تيران وصنافير

بهجة تيران وصنافير

أمينة خيري
08:52 م الإثنين 12 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أمينة خيري

درءاً لخطر الوصم بالخيانة، أو الوسم بالعمالة، أو النعت بالرذالة، أقول إنني لا أعلم علم اليقين إن كانت تيران وصنافير مصريتين أم سعوديتين. لكن اليقين يقول أن الحراك الشعبي الدائر في شأن الجزيرتين بشرى خير وفاتحة أمل وبارقة غد عسى أن يكون أفضل. 

كتائب المحللين وفيالق المنظرين وجيوش المهيجين على الجبهتين تؤكد أن أقرانها من الجبهة الأخرى يتسمون إما بالخيانة لأنهم لا يمانعون في بيع الأرض أو التضحية بها، أو إنهم يتصفون بالخيابة لأنهم ليسوا من المضطلعين على الوثائق أو المنكبين على التنقيب في أغوار الملكيات التاريخية والجيولوجيا الأرضية. 

لكن النخب هنا لا تعنينا، فالنقاشات الشعبية والحوارات الشارعية في هذا الشأن مبهجة للغاية، جانب كبير ممن يرفعون راية "مصرية الجزر" يرفعونها لأن ألماً ما أصابهم وكآبة ما ضربتهم. فحين تستيقظ ذات صباح ويخبرونك أن محل العصير القابع على أول الشارع منذ ولدت سيؤول لشركة سوبرماركت كبرى، فحتماً ستشعر أن قطعة منك تختفي. 

جانب آخر من فريق مصرية الجزيرتين لم يسمع قط عنهما، لكن شعر بخطر معنوي داهم وتهديد وطني دائم، فاعترض وقال إنهما مصريتان. وهناك من لا يدعم النظام القائم ولا ينوي إعادة انتخاب الرئيس، فاعتبر المجاهرة بمصرية الجزيرتين تصب في صالحه السياسي وتضر بالنظام الذي يعارضه، وهذا في لعبة السياسة أمر وارد وحادث، ويعكس تكتيكاً ذكياً.

الجانب قبل الأخير على هذه المنصة هم الجماعة وأنصارها وأذنابها والمتعاطفون معها والداقون على كل وتر من شأنه أن يلحق ضرراً ولو بسيط بالبلاد وأهلها. ربما يكون ذلك من باب الانتقام، أو إتباعاً لمبدأ الهدم من الداخل أو مجرد إحداث بلبلة وإعمال ضجيج وفوضى، وهؤلاء لا يستحقون الإشارة أصلاً.

ومن الفريق المناهض المروج لسعودية الجزيرتين، وبعد استثناء الفئة المنتفعة انتفاعاً شخصياً والتي لا تستحق الإشارة من الأصل، فإن تكبد أولئك مشقة القراءة والتنقيب وتبني موقف في حد ذاته أمر مثير للإعجاب. لكن ما يثير الغضب والقرف والاشمئزاز هو نعت الآخرين بالعمالة أو الخيانة أو السطحية والجهالة لمجرد إنهم يتبنون موقفاً مختلفاً. 

وسط عتمة الاتهامات والاستقطاب لا أرى إلا شباباً "يتلكك" من أجل العودة إلى الحراك، وقدرات تفوق المعلنة أو المتوقعة في النقاش والحوار والمناظرة. صحيح أن النفس يقصر بين الحين والآخر، والأعصاب تفور بين لحظة وأخرى، إلا أن الحراك موجود وخميرة العمل والمشاركة قائمة تنتظر من يناوشها. 

وبغض النظر عن المصائر والنتائج، فإن مصر والمصريين في حاجة إلى حراك ونقاش. والنقاش ليس بالضرورة ندباً على الأسعار، أو عويلاً على بطاقات التموين، أو أنيناً على مصير الدعم على الوقود، لكن في الإمكان أن يحرك ميول الناس الوطنية ويؤجج حراك الشاب ومن ثم مشاركتهم الفعلية في رسم أمور حياتهم الحالية والمستقبلية.

رافع شعار مصرية الجزيرتين ليس بالضرورة جاهلاً أو غافلاً، ورافع شعار سعوديتهما ليس حتماً مطبلاتي أو قابض أو ابن كذا أو ابنة كذا. ستهدأ مسألة الجزيرتين قريباً. لكن ما لا ينبغي أن يهدأ هو حراك الشباب ونشاطهم والدلو بدلوهم. 

والحجب والحذف والتوجيه كلمات لا تستو وحراك الشباب واندماجهم. تيران وصنافير تظل على رأس التريند في تويتر. تيران وصنافير تظل تسيطر على أغلب تدوينات الأصدقاء والصديقات على "فايسبوك". أصوات نقابية شبابية تجمع توقيعات في شأن الجزيرتين. أحاديث المواطنين في المقاهي والتجمعات تمر على الجزيرتين. مازالت هناك إذن بقايا رغبة في المشاركة وقدرة على المغالبة، وهذا يعني أنه مازالت لدينا رغبة في الحياة تستحق مساحة أكبر فضاء أوسع.

إعلان