لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وأنبتت الأرض ''خوازيقًا''.. هذا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ

وأنبتت الأرض ''خوازيقًا''.. هذا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ

11:58 م الأحد 12 يناير 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - أيمن شعبان:

الخَازُوقُ لغة هو عمودٌ مدبَّب الرأْس، واصطلاحًا: وسيلة إعدام وتعذيب في الوقت ذاته، ذاع صيتها أيام الدولة العثمانية، وهي تمثل إحدى أشنع وسائل الإعدام، حيث يتم اختراق جسد الضحية بعصا طويلة وحادة من ناحية، وإخراجها من الناحية الأخرى، ومعمارًا عامود خرساني يستخدم في البناء.

تلك كانت نتيجة البحث عن معنى وأصل كلمة ''الخَازُوقُ'' التي استدعتها ذاكرتي كثيرًا خلال زيارة قصيرة إلى قريتي القابعة في قلب المنوفية، أثناء جولة بعد فترة غياب بالحقول، التي بدأت عمليات اغتيال واسعة لها قبل ثلاث سنوات مع قصور الأداء الأمني في فترة ما بعد ثورة يناير، وعادت الوتيرة تتسارع ما بعد 30 يونيو الماضي، وسط ادعاءات قروية بأن النظام الجديد أكثر تسامحًا.

المشهد بائس للغاية أن تختفي المساحات الخضراء المميزة لقريتنا الصغيرة، ويحل محلها كثل خرسانية صماء موحشة، وبدلا من الأشجار المثمرة أنبتت الأرض مجموعة من الأعمدة الخرسانية، أو ''الخوازيق'' بلغة أهل المعمار، في جريمة اغتيال واضحة، وللمفارقة تختلف المسميات ويتساوى الناتج وهو ''إعدام وتعذيب في الوقت ذاته''، وإن اختلف الضحية بشرًا كان أو مصدر حياة.

''الأرض عرض''.. جملة توارثناها جيلا بعد جيل قالها لي أبي وعمي نقلا عن جدي الذي نقلها لهما عن والده الذي توارثها عن والده وهلم جرا.. ولكن يبدو أن للجيل الجديد رأي آخر، ففرطوا في أرضهم بدعوى أن منازلهم ضاقت بهم، وأن الأبناء باتوا في حاجة إلى مأوى جديد ليستقروا ويتزوجوا، والغريب أن الأبناء أغلبهم هجر القرية بحثًا عن عمل ولم يعودوا من قاطنيها، والمثير للدهشة أن أغلب من تعدوا يملكون بيوتًا بها متسع، ومبررهم الأغرب أنها استثمار للمستقبل.

الحل ببساطة بعيدًا عن الجشع والاستغلال إما التوسع رأسيًا بالتخلي عن بناء مساحات مقابل بناء أدوار متكررة وهو حل ليس بجديد، أو الانطلاق نحو الظهير الصحراوي ببناء مدن جديدة، تتطلب دعم حكومي عبر مشروع قومي للخروج من الوادي الضيق، للحفاظ على الرقعة الزراعية، وكلاهما حلان لا جديد بهما.

تقارير الإدارة المركزية لحماية الأراضي التابع لوزارة الزراعة، عن حالات التعدي على الأراضي الزراعية حتى مطلع يناير 2014 تكشف ارتفاع عدد حالات التعدي لــ 985 ألف حالة، بإجمالي مساحة تصل إلى 42 ألفا و423 فدانا منذ قيام ثورة 25 يناير ٢٠11، ولم تقم الأجهزة المعنية سوى بإزالة 100 ألف حالة فقط، بإجمالي مساحة 5 آلاف و911 فدانا من إجمالي مساحات التعديات على الأراضي الزراعية بمحافظات الجمهورية.

خبراء في الأمن الغذائي يحذرون من أن مصر دخلت مرحلة الفقر الغذائي جراء تآكل الرقعة الزراعية ونقص انتاجيتها، والاخطر أن تقارير تشير إلى أن الرقعة الزراعية المصرية ستختفي خلال 40 عامًا اذا استمر معدل التعديات دون توقف، وربما تبدو أزمة الحاصلات الزراعية جلية في القمح فمثلًا اتسمت معدلات الاكتفاء المحلي من القمح في مصر بالتأرجح ما بين الارتفاع والانخفاض خلال الفترة ما بين 2008-2011، فقد غطى إنتاج القمح المحلي عام 2008 نحو 54.8% من الاستهلاك المحلي، ارتفع إلى 74.4% عام 2009، ثم انخفض إلى 40.5% عام 2010، قبل أن يرتفع مجددًا في عام 2011 لتصل إلى 48.8%، أي انه في أحسن الأحوال نحن ننتج نصف ما نستهلك من القمح.

قديمًا قالت لي جدتي، رحمها الله، عندما سألتها عن دأبها وإصرارها في كل صباح أن تخصص وقتًا لزراعة نبته جديدة في حديقة بيتنا: ''ازرع كل يوم تاكل كل يوم''، .. قاصدة أن الأرض لا تتوقف عن إنتاج المحاصيل طالما لم نتوقف عن الزراعة، فما بال حالها اليوم وكل يوم نزرع ''خازوقًا'' خرسانيًا جديدًا، ربما كان لسان حالها ما قالته المعاجم في تعريف '' الخَازُوقُ'': '' صب خازوقًا كل يوم تحصد جوع، وإعدام، وتعذيب''.

للتواصل مع الكاتب

https://www.facebook.com/aymen.shaban.9

دلوقتي تقدر تعبر عن رأيك في مواد الدستور الجديد من خلال استفتاء مصراوي..شارك برأيك الآن

إعلان

إعلان

إعلان