لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مقال- ليلة الخامس من ديسمبر

مقال- ليلة الخامس من ديسمبر

03:05 م الخميس 05 سبتمبر 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قلم - خالد داود:

عندما صدر القرار الأول للنيابة بحبس الرئيس السابق محمد مرسي 15 يوما على ذمة التحقيق في القضية المعروفة إعلاميا بـ "الهروب من سجن وادي النطرون"، في 28 يناير 2011، لم أشعر بالارتياح مطلقا. فهذه القضية تحديدا بدت غامضة منذ بدايتها. ولأننا نعيش في بلد الطناش، غالبا للتغطية على فضائح كبيرة، ولم نعتد على محاسبة المسئولين لأنه لا يحق لنا ذلك أساسا، فلم نعلم حتى الآن كمصريين حقيقة ما حدث يوم 28 يناير 2011 رغم مرور نحو ثلاثة أعوام.

الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة لي كصحفي ومراقب، هو أنه كانت خلايا مسلحة سرية تابعة لتنظيمي حزب الله وحماس في مصر، وفور أن انتشرت الأنباء بانهيار الشرطة ونزول القوات المسلحة للشوارع، لم تقم هذه الخلايا فقط بتهريب سجناء حركة حماس، ولكن أيضا، وفي لمح البصر، تم نقلهم إلى غزة، طبعا عبر الأنفاق. وفي حالة القيادي في حزب الله، فلقد خرج الرجل سالما آمنا ومن معه عبر طريق طويل إلى لبنان ليتم به الاحتفاء به هناك مناضلا بطلا. هذه هي الحقائق المؤكدة.

ولكن الأهم، هو أنه بعد أن خرج قادة الإخوان من السجون، توجهوا مباشرة للقاء نائب رئيس الجمهورية السابق ومدير المخابرات المصرية العتيد لسنوات طويلة اللواء الراحل عمر سليمان، لتجري التطورات كما شهدنا بداية بالسماح للجماعة بممارسة نشاطها علنا وإسقاط لقب المحظورة، والترخيص لحزب الحرية  والعدالة، وانتهاءً بترشيح محمد مرسي للرئاسة ومنحه شهادة "فيش وتشبيه" تؤكد أنه ليس مطلوبا على ذمة قضايا أخرى، بينما تم منع المرشح الأصلي خيرت الشاطر من خوض الانتخابات بسبب تورطه في قضايا لم يكن قد تم تبرئة ساحته منها بشكل كامل بعد. وبالتالي، بدت قضية الهروب من النطرون بالنسبة لي أقرب لتصفية الحسابات من قبل أنصار النظام المخلوع، وربما مخرج عاجل للحكومة الحالية لتبرير حبس مرسي بدلا من مواجهة انتقادات غربية متوالية من أنه معتقل خارج إطار القانون.

أما عندما أعلنت النيابة العامة عن إحالة الرئيس السابق و14 من كبار معاونيه للمحاكمة بتهمة التورط في أحداث 5 ديسمبر 2012 الدامية، والتي سقط بها أكثر من عشرة مواطنين مصريين قتلى، بينهم زميلي الشهيد الصحفي الحسيني أبو ضيف، فلقد كان للخبر وقع آخر. تذكرت أحد أسوأ الليالي التي قضيتها في حياتي، ليلة كانت فاصلة بكل المقاييس، ليلة مشيت فيها منفردا في شوارع مصر الجديدة وأنا أبكي فعلا لأنني رأيت في ذلك اليوم، ولأول مرة، مؤشرات انطلاق الحرب الأهلية بين المصريين، وحاولت المساعدة في إنقاذ مصابين تلقوا ضربات الخرطوش في أجسادهم على يد مصريين آخرين.

انتمي لجيل اعتاد على أن المواجهات الدامية تكون مع الشرطة وقوات الأمن فقط. ننظم مظاهرة صغيرة من 500 شخص، ليأتينا 5 آلاف من جنود الأمن المركزي ليشبعونا ضربا وقنابل غاز ثم ننصرف لحال سبيلنا، أو يقضي بعضنا من أصحاب الحظ العاثر فترات تتراوح بين أيام وشهور في السجون. أما في 5 ديسمبر، فلقد كان جنود الأمن المركزي وضباطهم يقفون موقف المتفرج عن بعد بينما المصريون يتقاتلون، مع فارق مهم جدا وفاصل، وهو أن أحد الفريقين كان يحظى بدعم وتأييد الرجل القابع داخل قصر الرئاسة، رغم أنه من المفترض، وبحكم منصبه، ان يكون رئيسا لكل المصريين، بما في ذلك من تجمعوا للاحتجاج على قيامه بإصدار الإعلان الدستوري الديكتاتوري في 22 نوفمبر 2012.

رأيت من على بعد أمتار، وأنا مرعوب ومختبأ، حادثة اقتياد المواطن المسيحي المجرد من ملابسه وسط حفلة الضرب والامتهان التي تعرض لها من أنصار الرئيس من الإخوان. وكانت نقطة النهاية لذلك الرجل مع معتقلين كثيرين آخرين أمام بوابة قصر الرئاسة حيث تعرض للمزيد من الضرب والإهانة. وعلى باب قصر الرئاسة أيضا حكى الدبلوماسي المصري السابق كيف كانت تقوم الممرضات التابعات لجماعة الإخوان برفض تقديم العلاج لهم، بل والسير فوق أجسادهم بأحذيتهن والقول أن ذلك كان بناء على أوامر المرشد. قادة الإخوان ممن اعتادوا جلسات التحقيق الطويلة في مباحث أمن الدولة لسنوات طويلة، استنسخوا كل البذاءات والإهانات التي تعرضوا لها وطبقوها على ضحاياهم الجدد.

وعندما خرج الرئيس السابق، لم يداوي الجروح ولو بكلمة واحدة، ولم يهتم باستعادة وحدة الأمة، بل تحدث وبكل صفاقة عن معارضيه على اعتبار أنهم كلهم بلطجية ممن تلقوا تمويلا من أنصار المخلوع ليقوموا بالاعتداء على قصر الرئاسة، وزعم أنهم اعترفوا بذلك في تحقيقات النيابة. وعندما أفرجت النيابة عن المعتقلين الأبرياء، جن جنون الرئيس، فأتصل بنائبه العام الملاكي وطلب منه النيل من وكيل النيابة الذي أحرج هيبة الرئيس الإخواني. النائب العام الخاص الإخوان أصدر فورا قرار بنقل وكيل النيابة إلى بني سويف، ولكنه اضطر خائبا مهانا إلى التراجع عن قراره بعد أن وقف كل رجال النيابة تقريبا وقفة صلبة نصرة لزميلهم.

شريط ذكريات سريع، يشمل أيضا مسرحية الكذب الكبيرة التي أعدها وأخرجها الإخوان بالزعم بأن كل من لقوا مصرعهم في ذلك اليوم كانوا من أنصار الجماعة، بما في ذلك الشهيد الصحفي الثوري المرحوم الحسيني أبو ضيف. وحين اضطروا لسحب خبر من على موقعهم الإلكتروني باللغة الإنجليزية زعم أن أبو ضيف كان ينتمي الإخوان، لم يعتذروا بل تمادوا، واستهزئوا بتقارير أخرى شملت بلاغات لمواطنين قالوا أن قيادات إخوانية أجبرتهم على الخروج بجثامين أبنائهم في جنازة جماعية لقتلى الإخوان على الرغم من عدم انتمائهم للجماعة. وخرج علينا نائب المرشد خيرت الشاطر بمؤتمر صحفي أطلق فيه الرصاصة الأولى للتحريض الطائفي في عهد الإخوان حين زعم أن غالبية من تظاهروا أمام قصر الرئاسة يوم 4 ديسمبر "70 في المائة منهم كانوا نصارى". وعندما تحدث المرشد بعد الاعتداء على مقر مكتب الإرشاد احتجاجا على هجوم ميليشيات الإخوان على معارضي الإخوان، طلع علينا بجملته الشهيرة المخزية "وما ذنب النباتات"!!

سبعة أشهر مضت، والإخوان يستخفون بمطلبنا التحقيق في وقائع 5 ديسمبر الدامية، ويكتفون بتكرار أن القتلى كانوا من الإخوان، ويرفضون إجراء تحقيق حقيقي يكشف بدقة من قتل الجميع، بما في ذلك الشهيد الحسيني. فقط قبل أيام، صدر قرار بمحاكمة أحد عن جرائم ذلك اليوم الأسود الذي يتحمل مسئوليته وبكل تأكيد الرئيس السابق وجماعته بامتياز. "يا حسيني يا بطل، دمك مش حيروح هدر".
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر عن موقع مصراوي

إعلان

إعلان

إعلان