إعلان

محمد يسري سلامة يكتب: عن حزب الدستور

محمد يسري سلامة يكتب: عن حزب الدستور

07:04 م الثلاثاء 25 سبتمبر 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قابلت صديقا في الطريق لم أره منذ مدة طويلة، فدار بيننا هذا الحوار (أو ما يشبهه):
- سمعت عنك أخبارا سيئة؟

- وما هي؟

- أنك عضو في حزب الدستور، بل من أعضائه المؤسسين؟

- هذه حقيقة، وماذا في ذلك؟

- كيف تقول ذلك؟ إنه حزب يدعو إلى علمانية الدولة!

- آه، نعم، قل لي: ماذا تقول عن شكل الدولة المصرية الآن، أهي علمانية أم إسلامية؟

- هي علمانية لكن لا أستطيع أن أقول إنها علمانية تماما، يمكنك أن تقول إنها شبه علمانية وشبه إسلامية، أو أقرب للعلمانية.

- حسنا، إذا كانت الدولة علمانية بالفعل فكيف تقول إن حزب الدستور يدعو إلى شيء موجود بالفعل؟ وإذا كانت إسلامية، أو شبه علمانية وشبه إسلامية فليس في خطة الحزب ولا في برنامجه نية لإجراء تغيير على شكل الدولة من هذه الناحية، وكل ما يقال غير هذا فهو كذب.

- ولكن آراء بعض أعضاء الحزب بل مؤسسيه غير ما تقول؟

- هذه آرائهم الشخصية، ويجب التفرقة بين الآراء الشخصية حتى وإن كانت لشخصية كبيرة ومؤثرة في الحزب وبين سياسة الحزب الرسمية والمنشورة والمعلنة والمتفق عليها، تماماً كما إن عندي آراءً شخصية وتوجهات قد لا يوافقني عليها كثير من أعضاء الحزب، وليست جزءً من سياسته.

- إذن فعلى أقل الأحوال أنتم تنوون الحفاظ على شكل الدولة كما هو، ولا تريدون تغيير ذلك؟

- هذا ليس حالنا وحدنا، فإذا نظرت إلى الأحزاب الأخرى وجدت نفس الشيء، بما في ذلك الأحزاب المسماة بالإسلامية؛ كلها يتفق على أن هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذا، وإذا تأملت الواقع وجدت مصداق كلامي، وقد أجريت انتخابات برلمانية وكان للإسلاميين فيها نصيب الأسد ومع ذلك فلم نجد أي أثر ملموس لهذا في هذا الجانب بالتحديد. ولا أعني بهذا أنهم لم يقوموا بأي عمل جيد، ولكن أظنك توافقني حتى من خلال مشاهداتك وحياتك اليومية على أنه ليس ثمة تغيير يذكر على البلاد من هذا الجانب، أعني تطبيق الشريعة أو إسلامية الدولة، حتى بعد وصول الدكتور مرسي إلى الرئاسة وتمتعه بكافة السلطات والصلاحيات.

- قد يكون هذا صحيحا ولكن من الذي قال لك إن هذا الوضع سيدوم، خاصة وأن هذه الأحزاب تقول بالتدرج في تطبيق الشريعة لأن المجتمع ليس مهيئا لذلك؟

- لا أظن أن هذا سيتغير على المدى القريب أو المتوسط، وجميع الشواهد تدل على ذلك، ولكن حتى إن كان ما تقول صحيحا فنيات الناس لا تعنيني، ما أقوله هو أنه في هذه المرحلة الكل يتساوى في هذا الجانب، فرأيت أنه من الأنسب أن ننشغل بأولوياتنا الممكنة أكثر من مجرد الاختلاف على أشياء مؤجلة إلى زمن ليس بمحدد، خاصة وأني لا أرى تصورا واضحا لدى القائمين على الأحزاب (الإسلامية) لصورة الدولة التي يريدونها؛ هل يريدونها مثل السعودية مثلا، أم مثل تركيا أم السودان أم ماذا، ولا أرى خطوات عملية وخططا معلنة ومدروسة للوصول إلى تصور ما، فأخشى أن كثيرين يتكلمون عن أشياء ليس لديهم تصور واضح لها، ولكيفية تغيير النظام القضائي والاقتصادي تغييرا جذريا كما ينادون، وكيفية التعامل مع قضايا معينة كالعلاقات مع الدولة الصهيونية والسياحة والمواطنة وغير ذلك، ولا أرى أن أحدا يعمل على وضع هذا التصور أصلا. ولما كان ذلك كذلك فأنا لست معنيا بالشجار حول شعارات لا أرى أن أصحابها يعملون من أجل تحقيقها بالفعل، ولا أقول إنهم كاذبون أو مدعون، أكثرهم صادقون مخلصون لكنهم يريدون شيئا لا يتصورونه وليسوا قادرين على القيام بالجهد المطلوب من أجله أو دفع تكلفته، ولذلك يفضلون الإبقاء على الأوضاع الحالية كما هي.

- حتى وإن كان ذلك صحيحا، فلماذا حزب الدستور؟

- لأني أرى أن الحزب ومؤسسيه ومنظريه هم الأكفأ والأقدر على النهوض بالبلاد من كبوتها التي استمرت عقودا طويلة، لأنهم اتفقوا على تنحية الخلافات الأيديولوجية جانبا والتعامل مع مشاكل البلاد الملحة والعاجلة والواقعية، ويتبنون مبدأ أهل الخبرة وليس أهل الثقة، فلا يميزون بين هذا وهذا لانتمائه لجماعة معينة أو فكر معين، ولكن المحك عندهم هو قدرات الشخص وإمكاناته، وهذا ما يهمني.

- ولكني سمعت أن الحزب يحتضن الملحدين واللادينيين؟

- أنت شخص متعلم وأربأ بك أن تردد أشياء لا أساس لها من الصحة. ثم إننا لا نقوم بالتفتيش في ضمائر الناس وفي قلوبهم، المهم كما قلت من قبل هو سياسات الحزب المنشورة والمعلنة والمتفق عليها، أما الأفراد المنتمون للحزب فهم أحرار، يمكنهم أن يكونوا كما يشاؤون.

- ولكن ألا ترى أن وجوده فيه محاربة للتيار الإسلامي وإضعاف للجهود التي يبذلها؟

- القول بأن هدف الحزب هو مناوئة الأحزب الإسلامية وخاصة الإخوان هو أيضا من الخرافات التي يكثر ترديدها، فالإسلاميون موجودون وسيظلون كذلك، ومن أسس الحزب أنه على استعداد للتعاون والتكاتف مع أية فئة أو أي فصيل يعمل من أجل المصلحة العامة للبلاد. هذا مع تحفظي الشخصى على فكرة أن هذه الأحزاب الإسلامية القائمة بإمكانها أن تصل بنا إلى دولة العدل والشرع التي تريدها، وتكفي نظرة فاحصة لمجريات الأحداث منذ الثورة إلى الآن - ولن أتحدث عما قبل ذلك - لتدرك هذا، ومع هذا فلا أرى مبررا للعداء والخصومة المبالغ فيها.

- ما زلت غير مقتنع بوجودك في حزب الليبراليين.

- من قال إن الدستور هو حزب ليبرالي في الأساس؟ اليبرالية فلسفة وأيديولوجية واسعة، وقلت لك أننا تجاوزنا ذلك، وأنصحك بقراءة برنامج الحزب.

- لكنه بالتأكيد ليس حزبا إسلاميا كما قلت! كيف تقول ذلك؟

- أولا أنا لا أعتقد أن تقسيم الأحزاب إلى إسلامية وغير إسلامية وأحزاب في المنتصف هو تقسيم صحيح أصلا، الحزب (الإسلامي) من وجهة نظري هو الذي تكون أهدافه متسقة مع أهداف الشرع ومقاصده متفقة مع مقاصد الشرع، ولا أظن أن (العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية) وإقامة دولة العدل والاهتمام بالإنسان أولا من حيث التعليم والصحة والثقافة، وإصلاح الجهاز الإداري للدولة؛ لا أظن أن هذه الأشياء تخالف الشرع في شيء، فلا تردد كلاما سمعته من غيرك واستوثق.

- أسأل الله أن يهديني وإياك إلى الطريق السليم والصراط المستقيم.

- آمين.

إعلان

إعلان

إعلان