بدأت بوحي لـ"مريم" وانتهت بـ"معجزة".. رحلة "العائلة المقدسة" كما رواها الطبري والثعلبي
كتبت – آمال سامي:
ذكرت رحلة السيدة العذراء وعيسى عليهما السلام إلى مصر في عدد من المصادر الإسلامية، وعلى الرغم من أن القرآن الكريم لم يشر إلى تلك الرحلة صراحة، إلا أن بعض المفسرين أشاروا إليها في تفسيرهم لآية: "وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ"، ويعتبر الثعلبي من أبرز من روى قصة رحلة العائلة المقدسة إلى مصر في التراث الإسلامي، وذلك في كتابه قصص الأنبياء المسمى بـ "العرائس"، وهو الإمام العلامة أبي اسحق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي النيسابوري، وهو من أعلام القرن الخامس الهجري، توفي عام 427م. وكذلك رواها الطبري في تاريخه وابن كثير وغيرهما.
بداية الرحلة
خصص الثعلبي في كتابه السابق بابًا كاملًا في قصة عيسى بن مريم عليه السلام اسماه: باب في ذكر خروج عيسى ومريم عليهما السلام إلى مصر، وبدأه بقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ"، يقول الثعلبي: كان مولد عيسى، عليه وعلى أمه السلام، بعد مضي اثنين وأربعين سنة من ملك أغسطوس وإحدى وخمسين سنة مضت من ملك الأشكانيين ملوك الطوائف، وكانت المملكة في ذلك الوقت لملوك الطوائف، وكانت الرياسة في الشام ونواحيها لقيصر ملك الروم، حسبما يقول الثعلبي، وكان الملك عليها من قبل قيصر هردوس، فلما عرف هردوس ملك بني إسرائيل خبر المسيح قصد قتله.
ويتابع الثعلبي روايته قائلًا إن الله سبحانه وتعالى بعث ملكًا إلى يوسف النجار وأخبره بما أراد هردوس وأمره أن يهرب بالغلام وأمه إلى مصر، وأوحى الله سبحانه وتعالى كذلك إلى مريم أن ترحل إلى مصر لأن هردوس إن ظفر بابنها لقتله، "فإذا مات هردوس فارجعي إلى بلادك، فاحتمل يوسف مريم وابنها على حمار له حتى ورد أرض مصر"، ويقول الثعلبي إنها هي الربوة التي قال تعالى عنها وآويناه إلى ربوة ذات قرار ومعين، وأشار الثعلبي إلى أن العلماء اختلفوا حول تفسير الربوة فقيل مصر وقيل دمشق وقيل كذلك الرملة، وروى الثعلبي عن كعب في تفسيره للربوة أنها أقرب الأرض إلى السماء، وقيل الأرض المستوية والمعين الماء الظاهر.
أقامت مريم العذراء في مصر اثنتى عشرة سنة، وأرسلت ابنها، عيسى عليه السلام، إلى أحد الكتاتيب في مصر حتى يتعلم، فيروي الثعلبي تفاصيل تلك الرواية التاريخية المذكورة في أكثر من مرجع إسلامي، فيقول: لما ولد عيسى بن مريم - على نبينا وآله وعليه السلام - كان ابن يوم كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب، وأقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب: قل: بسم الله الرحمن الرحيم فقال عيسى - على نبينا وآله وعليه السلام -: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال له المؤدب: قل:
أبجد فرفع عيسى - على نبينا وآله وعليه السلام - رأسه فقال: وهل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرة ليضربه، فقال: يا مؤدب لا تضربني إن كنت تدري، وإلا فاسألني حتى أفسر ذلك، فقال: فسر لي، فقال عيسى - على نبينا وآله وعليه السلام -: أما الألف: آلاء الله، والباء:
بهجة الله، والجيم: جلال الله، والدال: دين الله. هوز: الهاء هي هول جهنم، والواو: ويل، لأهل النار، والزاي: زفير جهنم. حطي: حطت الخطايا عن المستغفرين. كلمن: كلام الله غير مخلوق ولا مبدل لكلماته. سعفص: صاع بصاع، والجزاء بالجزاء، قرشت: قرشهم فحشرهم.
فقال المؤدب: أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم، ولا حاجة في المؤدب.
وقد روى الطبري في تاريخه كذلك رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ذاكرًا أنها كانت هروبًا من الملك الذي أراد أن يعلم مكان عيسى، فهربت به السيدة مريم ويوسف النجار إلى أرض مصر، يقول الطبري عنها: "هي الربوة التي قال الله (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين"، وذكر أن مريم استقرت هناك اثنتي عشرة سنة تكتمه عن الناس ولا تجعل أحدا يطلع عليه ولا يعرفه.
أولى معجزات عيسى عليه السلام في مصر.. كشف السارق وأعاد الأموال
كانت أولى معجزات عيسى عليه السلام في مصر في حين كشف أسرار حادثة سرقة لأحد البيوت التي كان صاحبها ينفق فيها على الفقراء، حيث كانت "دار الدهقان" في مصر حين قدم إليها عيسى وأمه، لا يسكنها سوى المساكين، لكنها قد سرقت ومع ذلك لم يتهم الدهقان المساكين بسرقتها، يقول الطبري، فحزنت مريم حزنًا شديدًا، فقال لها عيسى: يا أماه أتحبين أن أدله على ماله، فقالت: نعم يا بني، فقال لها: قولي له يجمع لي المساكين في داره، ففعلت.
وبالفعل اجتمع المساكين في دار الدهقان وذهب إليهم عيسى عليه السلام، فجاء إلى رجلين منهم أحدهما مقعد والآخر أعمى، فحمل المقعد على عاتق الأعمى وقال له: قم به، فقال الأعمى: أنا أضعف من ذلك، فقال له: عيسى كيف قويت على ذلك البارحة، فلما سمعوه يقول ذلك صمموا أن يفعل الأعمى ما طلبه عيسى، فلما فعل هوى المقعد إلى كوة الخزانة فقال عيسى للدهقان: هكذا احتالا على مالك البارحة، لأن الأعمى استعان بقوته والمقعد بعينيه، فقال الأعمى والمقعد: صدق والله، فردا على الدهقان ماله كله، وعرض على السيدة مريم نصف ماله فرفضت أن تأخذ منه شيئًا، فقال لها أعطيه لابنك فقالت: هو أعظم مني شأنًا.
كانت تلك المعجزة وما أعقبها من معجزة أخرى حين وفد إلى الدهقان وفد من الشام فأفاض عليهم عيسى بالجرار الممتلئة بالشراب وقد كانت فارغة قبلًا، فعرف الناس بتفرده وما أعطاه الله له من معجزات، وهنا، جاءت المرحلة التالية، حيث أوحى الله عز وجل لمريم أن تخرج فرارًا به إلى الشام، فتركا مصر، وظلا بالشام حتى أصبح ابن ثلاثين سنة وهناك جاءته الرسالة.
فيديو قد يعجبك: