لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

معاهدة الرسول مع نصارى نجران.. نموذج لمدنية الدولة في الإسلام

05:33 م الثلاثاء 20 أغسطس 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- آمال سامي:

بعد فتح مكة بدأت الوفود في التردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بعد انتهاء غزوة تبوك وشيوع قوة الإسلام في الجزيرة العربية، فنزلت فيها آية: "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا"يقول القرطبي في تفسيره: وذلك لما فتحت مكة قالت العرب : أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان . فكانوا يسلمون أفواجا : أمة أمة.

وفي مثل هذا اليوم في العشرين من ذي الحجة، في العام التاسع الهجري، جاء وفد نصارى نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لتجري أولى مناظرة عقائدية بين الإسلام والمسيحية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين رجال الدين المسيحي الموفدون من قبل نصارى نجران. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسل إليهم ابتداءًا رسالة يدعوهم فيها إلى الإسلام أو دفع الجزية:

" باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، أما بعد : فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب ، والسلام".

وعندما عرض عليهم أسقفهم ما كان في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم اتفقوا على أن يرسلوا وفدًا منهم للقاءه، وبالفعل أرسلوا وفدًا من 60 رجل إلى المدينة يتزعمهم شرحبيل بن وداعة الهمداني ، وعبد الله بن شرحبيل ، وجبار بن فيض الحارثي، فدخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة واجتمعوا معه في مسجده، وقد دارت بينهم وبين الرسول مناقشات عدة كان أبرزها سؤالهم عما يقول ، صلى الله عليه وسلم، في عيسى بن مريم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى - عليه السلام - فأصبح الغد ، وقد أنزل الله عز وجل : "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، الحق من ربك فلا تكن من الممترين، فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين". يقول ابن القيم في زاد المعاد: فأبوا أن يقروا بذلك ، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد بعدما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملا على الحسن والحسين - رضي الله عنهما - في خميل له ، وفاطمة - رضي الله عنها - تمشي عند ظهره للمباهلة.

والمباهلة هي أَن يجتمع القوم إِذا اختلفوا في شيء فيقولوا لَعْنَةُ الله على الظالم منا.

لكن رفض زعيمهم شرحبيل بن وداعة المباهلة لأنه خشى على قومه من بطش العرب أو حلول اللعنة، فلو لم يكن رسولًا، فهو له الغلبة والقوة الآن، أما لو كان رسولًا بحق فسوف تصيبهم اللعنة ويبيدوا عن آخرهم، فقال لأصحابه: "إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا ، فكنا أول العرب طعن في عينه ، ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ، ولا من صدور قومه حتى يصيبونا بجائحة ، وإنا أدنى العرب منهم جوارا ، وإن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه ، فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك" ، فقال له صاحباه : فما الرأي فقد وضعتك الأمور على ذراع ، فهات رأيك ؟ فقال : رأيي أن أحكمه ، فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا . فقالا له : أنت وذاك .

فاختار نصارى نجران أن يخضعوا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم ويدفعوا إليه الجزية فضلًا عن أن يقدموا على المباهلة.

معاهدة الرسول مع نصارى نجران ومدنية الإسلام

وقد عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم نصارى نجران على السلم مقابل دفع الجزية، وفي نصوص المعاهدة ما يدل على سماحة الإسلام ومدنية دولته منذ نشأتها، وكذلك كفالته لحرية الاعتقاد لمواطني دولته فعاهدهم بألا يغيروا ما كانوا عليه من دين، وكتب لهم نص المعاهدة وهو:

"بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما كتب محمد النبي رسول الله لنجران إذ كان عليهم حكمه في كل ثمرة ، وفي كل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق ، فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة ، في كل رجب ألف حلة ، وفي كل صفر ألف حلة ، وكل حلة أوقية ، ما زادت على الخراج أو نقصت على الأواقي فبحساب ، وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بحساب ، وعلى نجران مثواة رسلي ، ومتعتهم بها عشرين فدونه ، ولا يحبس رسول فوق شهر ، وعليهم عارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، إذا كان كيد باليمن ومغدرة ، وما هلك مما أعاروا رسولي من دروع ، أو خيل ، أو ركاب ، فهو ضمان على رسولي حتى يؤديه إليهم ، ولنجران وحسبها جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم ، وغائبهم وشاهدهم ، وعشيرتهم وتبعهم ، وأن لا يغيروا مما كانوا عليه ، ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم ، ولا يغير أسقف من أسقفيته ، ولا راهب من رهبانيته ، ولا وافه عن وفهيته ، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ، وليس عليهم ريبة ولا دم جاهلية ، ولا يحشرون ، ولا يعشرون ، ولا يطأ أرضهم جيش ، ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين ، ومن أكل ربا من ذي قبل ، فذمتي منه بريئة ، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر ، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله حتى يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير منقلبين بظلم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان