إعلان

"الزهراء".. مدينة الأحلام الأندلسية التي ضمتها "اليونسكو" لتراثها العالمي

05:04 م الخميس 05 يوليو 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - هاني ضوه:

في كل يوم تثبت الحضارة العربية والإسلامية أنها في عصور نهضتها كانت متجذرة ومؤثرة في العالم أجمع حتى خارج القطر العربي وتحديدًا في أوروبا، وهذا ما تثبته الاكتشافات الأثرية وما تؤكده المنظمات الدولية المعنية بالتراث.

ويوم الأحد الماضي أدرجت لجنة التراث العالمي، التابعة لمنظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو)، آثار مدينة الزهراء، شمال غرب قرطبة بإسبانيا، ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، الأحد الماضي، لتنضم بذلك مدينة عربية قديمة في دولة أوروبية إلى قائمة التراث العالمي، وفي التقرير التالي يرصد مصراوي بعضاً مما ذُكر عن مدينة الزهراء قديماً في كتب المؤرخين.

كانت مدينة "الزهراء" قديمًا كأنها مدينة الأحلام فقد بناها عبد الرحمن الناصر، الأمير الثامن من سلالة عبد الرحمن الداخل، صقر قريش الذي أعلن الخلافة العربية في الأندلس.

ذكرها المؤرخون في كتبهم ووصفوها وصفًا دقيقًا قبل أن تندثر لقرون، فتكلم عنها المؤرخ المقري التلمساني في كتابه "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" بقوله: "لما بنى الناصر قصر الزهراء المتناهي في الجلالة والفخامة أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة. فكان فيه السطح الممرد المشرف على الروضة المباهي بمجلس الذهب ما بين مرمر مسنون وذهب موضون وعمد كأنما أفرغت في القوالب ونقوش كالرياض وبرك عظيمة محكمة الصنعة وحياض وتماثيل عجيبة الأشخاص لا تهتدي الأوهام إلى سبيل استقصاء التعبير عنها".

وقال عنها كذلك: "ذكر ابن حيان وغير واحد ان مُلك الناصر بالأندلس كان في غاية الضخامة ورفعة الشأن، وهادنه الروم وازدلفت اليه تطلب مهادنته ومتاحفته بعظيم الذخائر، ولم تبق امة سمعت به من ملوك الروم والافرنجة والمجوس وسائر الامم الا وفدت خاضعة راغبة وانصرفت عنه راضية".

وبنيت مدينة الزهراء لتماثل قصور دمشق في الشرق، وازدهرت لأقل من قرن قبل أن يهجرها أهلها خلال إحدى الانتفاضات آخر فترة حكم الأمويين فيها.

أما عن بداية مدينة الزهراء فكانت على يد الخليفة الناصر الذي شرع في بنائها عام 325هـ عند أقدام جبل العروس وظل يعمرها على مدار 40 عامًا فكانت كأنها مدينة من عالم الخيال أبدع فيها أهل الهندسة والفن فقيل إن فيها 15 ألف باب وسقوف قصورها الرخام المذهب؟! وأبوابها من العاج والأبنوس؟! وفي حدائقها الغنّاء مجسمات لحيوانات وتماثيل غريبة مصنوعة من العنبر واللؤلؤ"؟!

أما قصر الخليفة فيها فقيل مما قيل إنه كان في وسطه صهريج عظيم مملوء بالزئبق، وكان إذا وقعت عليه الشمس سطعت جوانبه بأضواء ساحرة مبهرة!

وأنشئت بالزهراء مجالات فسيحة للوحوش فسيحة الفناء، متباعدة السياح، ومسارح للطير مظللة بالشباك، واتخذ فيها دار لصناعة آلات من آلات السلاح للحرب والحلي للزينة وغير ذلك من المهن، وأمر بعمل الظلة على صحن الجامع وقاية للناس من حر الشمس.

وبنى الخليفة عبد الرَّحمن النَّاصر إضافة إلى القصر مسجداً في مدينة الزَّهراء بطول ثلاثين ذراعاً من القبلة إلى الجوف، وبِبهوٍ عرضه ثلاثة عشر ذراعاً من الشَّرق إلى الغرب، وقد عمل في بنائه أكثر من ألف عامل، وبُني في ثمانية وأربعين يوماً، وزُوِّد بأعمدة وقبب فخمة ومنبر، ورُصِف صحنه بالرُّخام الأحمر، وكانت في وسطه نافورة.

وقدرت النفقة على بناء مدينة الزهراء بثلاثمائة ألف دينار كل عام طوال عهد الناصر، هذا عدا ما أنفق عليها في عهد ولده الحكم، وانتقل إليها الناصر بحاشيته وخواصه وخدمه في سنة 336هـ.

وتم توسيع المباني بالمدينة في عهد الحكم الثاني ابن عبد الرحمن الثالث (961-976)، وبعد وفاته بفترة قصيرة لم تعد المدينة المقر الرئيسي لإقامة الخليفة.

وفي عام 1010 نهبت المدينة في حرب أهلية، وفككت ليعاد استخدامها في أماكن أخرى، بدء التنقيب عن أطلالها في عقد 1910م، فقط حوالي 10% من إجمالي 112 هكتار تم التنقيب عنهم وترميمهم، لكن المنطقة تضم المنطقة المركزية، "وبها مقران لاقامة الخليفة، والمجمعات الملحقة بهم، ومقرين سكنيين أرستوقراطيين، وضواحي الخدمات.. ومناطق حرس القصر؛ بعض المباني الادارية الضخمة... مجمع المحكومة الاستثنائية بالإضافة إلى قاعة الاستقبال... مساحات شاسعة من الحدائق، والمنطقة الخارجية، والمسجد الجامع".

وظلَّت مدينة الزَّهراء مقرّاً للخلافة ومركزاً للنُّفوذ السِّياسيِّ مدَّة أربعين سنة فقط (325هـ -366هـ)؛ وهي مدَّة حُكم عبد الرَّحمن النَّاصر وابنه الحكم المستنصر، وعندما تولَّى الحاجب المنصور بن أبي عامر الحُكم في الأندلس بنى مدينته المعروفة بالزَّاهرة شرقيّ قرطبة، ونقل مركز الخلافة إليها، ممَّا أفقد مدينة الزَّهراء أهمِّيَّتها، وفي أواخر القرن الرَّابع الهجريِّ تعرَّضت مدينة الزَّهراء إلى السَّلب والحرق والدَّمار وحُوِّلت إلى رُكام وطُمِرت، إلى أن أُعيد بداية اكتشاف بقاياها حديثاً عام 1911م، وتقع أطلالها في عصرنا الحاليّ في غربيّ قرطبة، وتُسمَّى بقرطبة القديمة، حيث أعلن فيلاثكيث بوسكو سنة 1914م عن اكتشاف فناء صغير شرقي القصر الخليفي.

واندثرت الزهراء في بطن الجبل تحت الرمال، وعندما احتل القشتاليون قرطبة عام 631 هجرية كانت ذكرى واسم الزهراء قد ضاعت.

وقد تم الكشف عن المنطقة الأولى منذ سنة 1925م، وهي تمتد فيما بين البهو الأكبر أو (مجلس الغربية) ومجموعة المساكن الخليفية أعني قصر الخلافة ومقام الخلفاء، وهي التي وفق إلى كشفها الأستاذ فيلاثكيث بوسكو منذ سنة 1912م وكشفت الحفريات عن الجدار الشمالي والفناءين التؤمين المتصلين بالمنحدر، والفناء الصغير المتصل بقصر الخلفاء. ثم البهو الكبير ذي الشرفة، وعن مساكن الحرس والطريق المؤدي إلى البهو الغربي والمتصل بشرقيه.

وكان السبب في إعادة اكتشاف مدينة الزهراء عندما تمت ترجمة كتاب "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" إلى اللغة الانجليزية قبل حوالي قرن ونصف فقط، فعرف الباحثون اسمها وموقعها وأوصافها، وتم البدء في البحث عنها واستكشافها حتى أزيل التراب عن أطرافها واتم اكتمال الاكتشاف بعد أن موّلت السوق الأوروبية المشتركة إعادة ترميمها.

* مصادر:

- "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب – المقري التلمساني.

- "التاريخ الأندلسي" - عبد الرحمن الحجي.

- "قصر الزهراء في الأندلس" – نجلة العزي.

- أيام الثقافة الإسبانية في دمشق، دمشق، 1993.

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان