على صوت القراء المصريين.. رحلة "نادية" النرويجية مع حفظ القرآن
كتب- محمد مهدي وإشراق أحمد:
حينما بلغت نادية سعيد الثامنة من عمرها، جلست معها والدتها، أخبرتها عن مستقبل جميل ينتظرها، لكنها لن تبلغع إلا عبر كتاب واحد عليها إتقان حفظه وفهمه. أمسكت نادية القرآن، لم يكن الأمر يسيرًا على النرويجية الصغيرة حتى مع معرفتها شيئًا من العربية بحكم أصولها الصومالية، غير أن كتاب الله من حينها صار هدفًا لم تبرحه إلى اليوم.
نشأت نادية في أسرة محبة لكتاب الله، حفظ شقيقها وخالها القرآن، لكن من الفتيات لم يسبقها أحد، أرادت الأم أن تتزين ابنتها بآيات الرحمن، فعكفت على ذلك بكل أوتيت من قوة "كانت تحفظني القرآن في البيت لأننا مقيمين في مدينة ليس بها مسجد قريب أو مكان أتوجه إليه". تجلس نادية وبجوارها أمها، تدير لها شرائط المقرئين الكبار أمثال الشيخ محمود خليل الحصري ومحمد صديق المنشاوي، يقرأ الشيخ آية وتردد الصغيرة من ورائه، وكذلك استمرت حتى أتمت الحفظ في عمر الحادية عشر عامًا.
وضعت الأم منهاجًا لابنتها كي تتم الحفظ عن ظهر قلب. تتعلم العربية عبر التليفزيون والانترنت، تتابع مشاهدة برامج الأطفال والرسوم المتحركة ثم الأخبار من بعد ذلك، فيما تترجم من الإنجليزية كلمات لم تعرفها إلى العربية لتتقن استخدامها، وما إن شبت نادية حتى بدأت مرحلة جديدة من التعلم "انطلقت لتعلم النحو والإعراب عبر الانترنت من خلال برامج تعليم الناطقين بغير العربية".
لم تترك نادية القرآن، تواصل تلاوته في كل وقت وحين، فيما تتقن الإنصات بمرور الوقت "كنت استمع للمشايخ الكبار من حيث الإتقان والتجويد والصوت والنغم"، وظلت والدتها تشجعها بالتواجد وسط صحبة تدفعها لبلوغ الهدف.
تتذكر صاحبة الخامسة والعشرين ربيعًا حينما كانت تقرأ القرآن على خالها، لم يكن يفصل بينها وبين ختم حفظه سوى نحو 10 أجزاء، فيما يرافقها صغار آخرين "كانوا في بداية حفظهم ولا يجيدون العربية والحفظ"، رأت نادية كيف يتسابق الصغار لإتقان حفظ كتاب الله، مما دفعها لبذل المزيد من الجهد حتى تتنتهي قبلهم. تبتسم الشابة بينما تتذكر كيف كان مثل ذلك الموقف الصغير العزيز وجوده في دولة أوروبية مؤثرًا فيها.
تكبر محبة القرآن في قلب نادية يومًا بعد الآخر، الآن أصبحت أكثر إدراكًا وفهمًا لما تشعر به حينما تتلو الآيات "أشعر أن كلام الله هو غالب على كلام الناس"، كأنما تدخل الشابة النرويجية في عالم آخر، معه تُبصر مستقبلها ومسيرتها، تستشعر أنه ليس عليها فقط معرفته، بل تدبره وتعلم تفسيره "القرآن يؤثر على قلبي ونفسي ويعطيني الطمأنينة والسعادة وفي نفس الوقت اتحاسب مع نفسي".
لم تكتف نادية بالحفظ ومداومة التلاوة وحدها، شعرت الشابة أنها لم تبلغ نهاية الطريق، أرادت أن تنهل أكثر من بحر القرآن، وما من وجهة رأت أنها تحقق غايتها سوى الأزهر الشريف، فقررت أن تفد إلى مصر، تزامن هذا مع انتشار فيروس كورونا، فانتظرت حتى عادت الدراسة، لتأتي وتسكن القاهرة منذ عام.
التحقت نادية بجامعة الأزهر، تتدرس اللغة العربية، فيما تواصل التعلم الذاتي وقراءة كتاب الله بما تتعلم من قراءات، لا تتوقف عن التلاوة حتى أنها شاركت مطلع العام الحالي في مسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم، وفازت بالمركز الثاني في الحفظ كاملاً.
تقضي نادية رمضانها الثاني في مصر، تغمرها السعادة بمعايشة أجواء لم تعهدها في بلدها "في النرويح يصل الصيام لـ20 ساعة لكن لا يوجد تأثير مماثل في طقوس الإفطار والتراويح"، لا تلتفت الشابة عن القرآن، تسعد في كل مرة تصلي بها القيام "في مصر مقرئين يجعلونك تشعر بأجواء رمضان".
تعلم الشابة النرويجية أن إقامتها في مصر ليست قصيرة، لكنها تتزود بالسعادة بصحبة والدتها في رحلتها لتعلم علوم القرآن التي بدأت على يديها، تضع حلمها نصب عينيها بأن تتم دراستها وتتأهل للتدريس، لتعود إلى بلدها وتعلم العربية لغير الناطقين بهاوتُعين آخرين على فهم كتاب الله "أريد أن أنشر علوم القرآن مما تعلمته في الغرب خاصة في أوروبا".
فيديو قد يعجبك: