بين الاستغناء والتقسيط.. كيف يقضي المصريون أيام شهر رمضان؟
- تقرير: مارينا ميلاد
حَدّقت ابتسام أيوب قليلا في لافتات أسعار الياميش المتراصّة بأحد متاجر بيع السلع الغذائية، فوجدتها تتراوح بين 120 لـ300 جنيه، تزيد أو تقل حسب النوع والكمية.
هذه المرة، لم يعد بإمكانها أن تتحايل على الوضع بشراء كميات قليلة كما فعلت في رمضان الماضي، فقررت أن تستغني عنها تمامًا بعكس كل المواسم السابقة.
لم تكن تلك الحِسبة معتادة بالنسبة لـ"ابتسام" في شهر رمضان، الذي ينفق المصريون خلاله أكثر من 100 مليار جنيه على الطعام (حسب وزارة التموين). لكنها لم تعد قادرة أن تُبقي نفس الأصناف والمستلزمات على حالها. فيستقبل المصريون شهر رمضان هذا العام بمعدل تضخم تجاوز 35% وبأحاديث لا تنتهي عن الأسعار التي زادت وتفاوتت من مكان لآخر.
تمضي الأيام الأولى من شهر رمضان في بيت ابتسام أيوب مُغايرة. فالمشهد في البيت تنقصه الحلوى والمكسرات التي تلي الإفطار، كذلك العزائم والسهرات الرمضانية التي تفضل الذهاب إليها مع أبنائها الثلاثة.
فتقول "ابتسام" بعد أن أعدت مائدة الإفطار، التي اقتصرت على صنف واحد وطبق سلطة: "الأسعار اجبرتنا على تغيير كل شيء، سواء بالتقليل في الكميات أو الاستغناء.. فماذا سنفعل؟!".
و"ابتسام" واحدة بين 11 مليون مصري من أصحاب المعاشات. فلم يتجاوز ما تتقضاه – بعد الزيادة الأخيرة - حاجز الـ5000 جنيه.
ومثلما اهتمت مؤخرًا بمتابعة أخبار الأسعار والدولار، اهتم ملايين آخرون. فتصدرت الأسعار مؤشرات البحث على "جوجل" خلال اليوم الثاني والرابع لشهر رمضان بجوار المسلسلات. إذ بحث المصريون عن "سعر الدولار مقابل الجنيه" بنسب عالية.
فقبل أيام قليلة من بداية شهر رمضان، قرر البنك المركزي تحرير سعر الصرف العملة المحلية أو ما يعرف بـ"التعويم" لإغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمية والسوق الموازية.. ليخسر الجنيه قيمته مجددًا بنسبة اقتربت من 40%، ويصبح الدولار الواحد يساوي نحو 47 جنيهًا في البنوك – حتى هذه اللحظة.
"كل شيء نسأل عن سعره يقولون لنا الدولار.. فما علاقة الخضراوات بالدولار؟!"، هكذا تقول "ابتسام" التي اقتصرت جولتها الشرائية على السلع الأساسية فقط. فقد بلغ سعر الأرز المعبأ الذي تشتريه 35 جنيهًا للكيلو، وإن عثرت على كيس السكر، فتجد ثمنه وصل إلى 45 جنيهًا للكيلو، غير زجاجة زيت الذرة بأنواعه المختلفة التي بلغت 121 جنيها للتر الواحد.
ما لا تعرفه "ابتسام" جيدًا هو أن الدولار يستخدم لاستيراد الكثير من المواد الغذائية، كما يدخل في المواد المصنعة محليا أيضًا. إذ تستورد مصر مواد ومحاصيل بنحو 17 مليار دولار سنويا، بما يساوي 21٪ من إجمالي واردات مصر من الخارج (حسب إبراهيم عشماوي، مساعد أول وزير التموين). وصحيح أن سلعًا مثل البيض واللبن ومنتجات الدواجن تنتج محليا، لكنها تحتاج إلى أعلاف مستوردة، كذلك الزيت والدقيق.
وبحسبة بسيطة، وفقا لهذه الأسعار الجديدة، وجدت ابتسام أنها بالكاد يمكنها عمل صينية أو اثنتين كنافة وكيلو قطايف خلال هذا الشهر. بينما لن تقترب من المكسرات، التي وصل سعر ربع كيلو المتنوع منها إلى 300 جنيه.. فتقول: "الحلوى والمكسرات تبدو أشياء غير أساسية في العادي، لكنها مهمة خلال رمضان.. لذلك أحاول تدبير الأمر بأرخص الأنواع".
ما تفعله "ابتسام" يراه علي الإدريسي (الخبير الاقتصادي)، خلال تصريحات صحفية، "تغير طبيعي في الاتجاهات الاستهلاكية للمواطنين مع الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها السلع الموسمية من ضمنها الياميش، وهو ما دفع الكثير من المواطنين نحو ترتيب أولوياتهم بشراء السلع الأكثر احتياجًا". لذا يؤكد على ضرورة أن تسعى الحكومة لضبط السوق، من خلال توفير السلع الأساسية بأسعار تنافسية والسعي لتخفيض أسعار السلع الأساسية خلال الفترة المقبلة.
لكن لم يقتصر تأثير الأسعار على الوجبات فقط إنما على عاداتهم أيضًا، ففضلت "ابتسام " اقتصار العزائم على عزومة عائلية واحدة، فتتحدث عن تكاليف تصفها بـ:"الجنونية" للحلوى الجاهزة، غير أن العزومة تفرض وجود أكثر من صنف، وهو أمر بات صعبًا عليها.
توضح "ابتسام" ذلك بنبرة حزينة، فهي تعتبره تغييرًا في عادات لازمتهم طيلة حياتهم، "فتجمعات العائلة والأصدقاء ليس مجرد لتناول طعام"، كما تحكي.
وبينما تحاول "ابتسام" تدبير الأمر بمعاشها، فتعتمد سارة عبدالظاهر (33 سنة) على فكرة "تقسيط" مستلزمات رمضان، التي تطرحها بعض المتاجر الكبرى. فتقول سارة، الموظفة بإحدى الشركات الخاصة، إنها "وسيلة جيدة وتساعد في شراء مستلزمات هذا الشهر التي تزيد كثيرًا عن الأيام العادية".
وترى "سارة" أن ما تفعله هو "محاولة للتوازن"، فهى لا تبالغ في المشتريات، وفي الوقت نفسه لم تقلل أو تستغني عن أشياء اعتادت على شرائها كل عام. فتضيف: "فرحة رمضان تأت مرة واحدة في العام، فأحاول التكيف مع الظروف لاستمتع به ولو قليلا".
وتغري بعض المتاجر الزبائن أمثال "سارة" بشراء كل ما تحتاجه والتقسيط دون فوائد وعلى مدار أشهر طويلة. ذلك عبر شركات التمويل الاستهلاكي أو البطاقات الائتمانية الخاصة بالبنوك.
ويهدف نشاط التمويل الاستهلاكي، إلى توفير التمويل المخصص لشراء السلع والخدمات لأغراض استهلاكية، وسداد ثمنها على فترة زمنية لا تقل عن 6 أشهر. وارتفعت قيمة حجم التمويل الاستهلاكي في مصر بنسبة 60% خلال عام 2023 لتصل إلى 47.3 مليار جنيه مقابل 29.8 مليار جنيه خلال عام 2022 (بحسب تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للرقابة المالية).
لكن فكرة "تقسيط الطعام" لا تعرف طريقا إلى بيت ابتسام أيوب، فتقول إنها تسير على مبدأ واحد وهو "أنها تشتري بما في يديها في هذه اللحظة".
وفي محاولتها لخفض الأسعار، بدأت الحكومة اتخاذ إجراءات لتوفير الدولار، إجراءات تضمنت صفقات استثمارية كصفقة مدينة "رأس الحكمة" الساحلية على البحر المتوسط التي من المقرر أن تدخل 35 مليار دولار للسوق المصرية. كما اتفقت مصر على توسيع قيمة قرضها من صندوق النقد الدولي ليصل إلى 8 مليار دولار، ضمن حزمة مساعدات بنحو 20 مليار دولار من مؤسسات دولية منها الاتحاد الأوروبي ودولة اليابان.
من ناحية أخرى، توفر الحكومة مجموعة واسعة من السلع الأساسية في معارضها السنوية "أهلاً رمضان" بأسعار مخفضة لدعم الأسرة، إذ يصل سعر كيلو الأرز إلى 29 جنيهاً، ولتر الزيت 70 جنيهًا، وكيلو اللحمة السوداني 250 جنيهاً.
لم تفكر "ابتسام" حتى الآن في الذهاب لهذه المعارض، لكن باقتراب النصف الثاني من شهر رمضان، لم يعد معاشها صامدًا. فتقول مستنكرة، وهى تعد وجبة السحور، "هذه الوجبة من المفترض أن تكون بسيطة، لكنها تكلفني مائة جنيه على الأقل كل يوم".
اقرأ أيضًا:
فيديو قد يعجبك: