في صحبة "اليوتيوبرز".. كيف تعيش الأسر المصرية مع مشاهير"السوشيال ميديا"؟
تقرير – مارينا ميلاد:
إنفوجرافيك - مايكل عادل
استلقت "مادونا" على الأريكة بعد يوم عمل شاق. ربما أرادت أن تفرغ رأسها من كل شيء، فأمسكت هاتفها لتتابع آخر فيديو نشرته "ياسمين"، اليوتيوبر المفضلة لها.
كعادتها، ظهرت "ياسمين" ذات الـ25 عامًا بصحبة ابنها الصغير على قناتها بموقع "يوتيوب". لعبت معه قليلا، ثم حكت عن تفاصيل يومها، لتذهب بعدها لعرض "جلابيب" محجبات؛ ترتدي إحداها وتروّج لمكان بيعها.
حققت "ياسمين" بهذا الفيديو، الذي استمر 18 دقيقة، نحو 90 ألف مشاهدة. ستجلب لها تلك الأرقام دخلا شهريًا من موقع الفيديوهات الأشهر، بجانب تقديمها إعلانًا ستحصل منه أيضًا على مقابل. أما "مادونا"، فتدرك أنها لم تخرج بشيء من هذا الفيديو، تقول: "فقط أتسلى.. أحب هذه الفتاة وأرغب في متابعة يومياتها".
ياسمين محمد واحدة من الأشخاص الذين يملكون قنوات على "يوتيوب" وحسابات على تطبيق "تيك توك" لنشر فيديوهات تخاطب آلاف من المتابعين أمثال "مادونا"؛ إذ يشترك 256 ألف شخص في قناتها و50 ألفاً يتابعونها عبر "تيك توك".
تلك الأرقام وضعتها تحت مسمى "اليوتيوبرز" أو المؤثرون (الإنفلونسرز) أو صناع المحتوى، وكلها مصطلحات راجت خلال السنوات الأخيرة لتصف الشخصيات الأكثر شهرة ومتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لسنوات، تتابع مادونا داود - وهي في عمر "ياسمين" – ووالدتها سوزان رزق، التي بلغت الـ60، أكثر من "يوتيوبر" أو "بلوجر"، يتنوع محتواهم ما بين إعداد الطعام، الأعمال اليومية كتنظيف البيت أو شراء ملابس بأسعار رخيصة أو عمل مراجعة لأحد المطاعم.
تقول "مادونا" وهي تشاهد إحداها: "أتابع منهم من له طريقة مختلفة ومهذبة ولديه مصداقية، ولا أشعر في فيديوهاته أن الغرض منها مشاهدات فقط". ويتلخص الأمر عند والدتها في "التسلية أو تعلم شيء جديد منها"، وفقًا لحديثها.
تتحدث "ياسمين" عن سعادتها الكبيرة باهتمام متابعيها، وترى أن ما يميزها عندهم "هو تلقائيتها وعفويتها، وأنها لا تضع اعتبارًا للكاميرا".
"ياسمين" الحاصلة على دبلوم تجارة، وكانت تستغل إجازتها من المدرسة لتعمل في صالون تجميل، باتت نجمة من نجمات وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للآلاف. وكل ما احتاجته لفعل ذلك: هاتفها، الحامل، وكشاف للإضاءة، لتنتج بها 681 فيديو على موقع يوتيوب – حتى الآن.
تبدو "ياسمين"، التي تسكن إحدى المناطق الشعبية، في صورة قريبة من متابعيها، فهي تشبههم، تتحدث مثلهم، وربما كان ذلك سبب دخولها ذلك العالم قبل ثلاث سنوات. وقتها، ظهرت في فيديوهات والدتها وشقيقتها، وهما "يوتيوبرز" أيضًا ولديهما أكثر من مليون متابع، فأحبها الجمهور وطلب منها الاستمرار، لذا قررت إنشاء قناة منفصلة لها، كما تحكي.
بدأ محتواها مع تعلم الأكلات، ثم تحول إلى نقاشات عائلية ويوميات. وأياً ما كان ما تقدمه، فهي لا تحضّره وتنمّقه، إنما "تأتيها الأفكار على غفلة"، حسب وصفها. كذلك، لا تلزم "ياسمين" نفسها بعدد مرات معين لتظهر فيها، لكن يجب أن تتحكم في رتم قناتها، وألا تغيب عنها كثيرًا حتى لا يتأثر مشاهدتها، وتفاعل المتابعين معها، وبالتالي الدخل الذي يأتيها.
فتقول: "متابعو قنوات اليوتيوبرز إن لم يجدوا فيديو جديداً مرة بعد مرة، سيتركون القناة ويتجهون لغيرها في لحظة".
بالفعل، تتنقل "مادونا" ووالدتها بين عشرات القنوات والصفحات، ما بين "ياسمين" وشقيقتها ووالدتهما وأسماء أخرى مثل الصديقتين "أحلام ولبنى"، اللتين تقدما أيضًا يومياتهما أو مراجعات لمشروبات أو أماكن. وتقيضان في تلك المساحة ساعات طويلة.
مع الوقت، صارت "ياسمين" هدفًا لتسويق منتجات تتنوع بين أدوات منزلية وملابس، تقول إنها "تختارها جيدًا لتحافظ على مصداقيتها مع الجمهور"، ثم تذكر أنه في إحدى المرات سوّقت لمكان تركيب مظلات في المنزل، ثم خرجت مرة أخرى ونصحت بعدم التعامل معه لرداءة المنتج.
وفي أحيان أخرى، تأتيها خصومات على المطاعم لتقوم بعمل مراجعات لها، وهو أكثر الأشياء التي تتأثر بها "مادونا"، وتذهب بالفعل إلى المطاعم التي ترشحها "ياسمين".
"الناس تصدق هؤلاء الذين يشبهونهم، فلا يجذبهم الإعلام التقليدي ولا يصدقونه، لكن مدى التأثير يتوقف على شخصية المتلقي واقتناعه"، هكذا يرى سعيد صادق (أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة).
ويصنف "صادق" المؤثرين لثلاثة أنواع، الأول يقدم محتوى مفيداً ومعلومات، والثاني يصنع فيديوهات كوميدية للتسلية، والثالث يقوم بأشياء صادمة، النوع الذي يصف بـ"المهووس بالشهرة".
فثمة وقائع عدة جرت خلال الأشهر الماضية، حيث عاقبت المحكمة الاقتصادية صاحبة قناة "يوميات أنوش" على موقع يوتيوب، بالحبس لمدة 3 سنوات، وتغريمها مبلغ مائة ألف جنيه، بتهمة نشر فيديوهات خادشة للحياء لجلب المشاهدات والعائد المادي. كما ألقت قوات الأمن القبض على هبة سيد إبراهيم وشهرتها "أم زياد وهبة"، عقب نشرها مقطع فيديو، تظهر خلاله برفقة أبنائها وتدعي قيامهما بممارسة الأفعال المنافية للآداب.
ومهما حدث، سيكون ذلك المحتوى المتدفق عبر منصات التواصل الاجتماعي من الصعب السيطرة عليه، وفقا لما يراه سعيد صادق، فيقول: "المسألة متروكة لتقييم المشاهدين.. ببساطة من لا يعجبه شيء يتركه، لكن القانون يتدخل حين يصل الأمر إلى حد الجرائم".
وسط ذلك، تحاول "ياسمين" أن تكون حذرة فيما تعرضه من حياتها الشخصية، وألا تجرى وراء تحقيق المشاهدات بهذه الطريقة، فتقول بنبرة واثقة: "أعرف ما هو عادي أن يظهر، وما هو غير عادي".
الحضور القوي لـ"مادونا" ووالدتها لكل ما يجري على تلك القنوات، جعلهما تتساءلان ذات يوم: "لماذا لا نكون مثلهن ونحقق أرباحًا؟!". فتقولان: "استغلينا وقت الفراغ خلال فترة الإغلاق أثناء انتشار فيروس كورونا وأنشأنا قناة لإعداد الطعام".
وعلى عكس "ياسمين"، لم يتحقق هدفهما والأمر كله باء بالفشل.
ربما تحتاج المسألة إلى قدر كبير من الحظ أو دراسة جيدة، حيث تظهر موضوعات عدة حول "خطوات صناعة إنفلونسر". فظاهرة المؤثرين جذبت كثيرين يطمحون أن يكونوا نجومًا وتدر عليهم بضع فيديوهات مصورة بالهاتف مئات أو آلاف الدولارات شهريًا. إذ تتراوح أرباح المؤثرين من منصات التواصل الاجتماعي بين 100 دولار وحتى مليون دولار شهريا بحسب عدد المتابعين ومساحة الانتشار وغير ذلك.
لا تنكر "ياسمين" أنها تربح جيدًا وهو مصدر رزقها. وعلى ناحية أخرى، تدفع الضرائب التي أقرتها عليهم مصلحة الضرائب منذ سبتمبر عام 2021، حين دعت صناع المحتوى المرئي والمكتوب (البلوجرز واليوتيوبرز) إلى فتح ملف ضريبي، إذا بلغت إيراداتهم 500 ألف جنيه خلال 12 شهرًا من تاريخ مزاولة نشاطه.
تجلس "ياسمين" كل يوم تفحص هاتفها وتتنقل بين "يوتيوب" و"تيك توك" لنشر فيديوهات جديدة.. فيدق هاتف "مادونا" بإشعار جديد ينبهها بأن "ياسمين" تقوم ببث مباشر.. لا تشاهد "مادونا" فحسب، إنما تتفاعل معها، وتترك لها تعليقات بما يعجبها وما لا يعجبها وتريدها ألا تكرره.
لكن الأمر ليس إيجابيًا دومًا مع "ياسمين"، أحيانا قد يصل إلى حد التنمر أو السخرية من جانب البعض. لكنها تتجاهل كل ذلك، فتقول: "إذا جاء لي أربعة آلاف تعليق إيجابي، فلا التفت لبضعة تعليقات سلبية". وقد بدا من كل حديثها أنها ترغب في أن تستمر مهما جرى، فهو عملها الوحيد، الذي لا يمكنها تركه ولا ترى – حتى الآن – مستقبلا غيره.
اقرأ أيضًا:
فيديو قد يعجبك: