سنوات الشتات.. حكاية عائلة سورية بين الفرار من الشام للنزوح في السودان
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
كتب- عبدالله عويس:
يعرف السوريون الفرار. يتقنون تلك «اللعبة». كتب عليهم الشتات لسنوات طويلة منحتهم الخبرة. 12 عاما منذ بداية «الأزمة السورية»، وما تزال فصولها وأحداثها تتشكل. على أن رحلة الفرار التي بدأت منذ سنوات لعواصم شتى لم تتوقف. وبوجود نحو 90 ألف لاجئ سوري في السودان، فإن بعضهم بحث عن فرار جديد، مع الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، لكن «رضوان هشام» ملّ تلك الحيلة.
كان رضوان في عامه الـ15، يعيش في ريف دمشق، مع أفراد أسرته، حين اندلعت احتجاجات في سوريا، في عام 2011، انتهت بحرب أهلية، أرقت البلاد وأهلها. لم تمض شهور على مارس 2011، حتى تلقى رضوان رصاصة في ظهره، فتم إسعافه سريعا، لكن حالته الصحية تدهورت بعد ذلك الحادث، ما اضطر والده للبحث عن طريقة للخروج من سوريا لعلاج ابنه.
كانت البداية من السودان، التي كانت تسهل على السوريين عملية الدخول دون اشتراطات. وصلت أسرة رضوان المؤلفة من 8 أشخاص إلى مدينة بورتسودان، على ساحل البحر الأحمر، شرقي السودان. بحثا عن استقرار يضمن له علاج ابنه وحماية أرواح أبنائه الآخرين. ومن السودان سافر الشاب إلى لبنان للعلاج، لكن اشتباكات بين حزب الله مع عدة فصائل مسلحة، وخلافات عسكرية مع أطراف متعددة، دفعت الشاب للسفر من جديد والعودة إلى السودان.
«حين وصلنا إلى السودان، مكثنا 5 سنوات في بورتسودان، ثم انتقلنا إلى الخرطوم 3 سنوات، ثم ولايات أخرى بعد ذلك» يحكي رضوان لـ«مصراوي». الذي أتم علاجه في مصر عام 2016 قبل العودة من جديد لأسرته في السودان بعد أكثر من عام على زيارته لها، وما يزال يتلقى علاجا لمشكلات في الأعصاب نتيجة الإصابة التي تلقاها في بلاده.
وجد والد رضوان عملا له في السودان عام 2013، لخبرة له في صناعة الألمنيوم والزجاج، ثم جدد له عقد العمل حتى 2014، وكانت أوضاعه ميسورة، ولطبيعة عمله فقد كان يستقر في الخرطوم شهرا وفي بورتسودان شهرا آخر، بعدما استقل بعمل له، وصادف أن كان في بورتسودان خلال شهر رمضان الماضي، حين اندلعت الاشتباكات المسلحة بين الجيش والدعم السريع.
لدى رضوان أخت متزوجة منذ عام ورحلت إلى الأردن مع زوجها، وكانت تتابع أخبارهم يوما بعد يوم. وتزوجت أخته الأخرى وعاشت في الخرطوم مع زوجها، وكانت أخته مع أمه وأخيه الصغير، وله أخ يدرس الهندسة في بورتسودان، وما بين الخرطوم التي تضم العدد الأكبر من الفارين السوريين، وبورتسودان رحلة أخرى لجمع شتات العائلة.
«حين بدأت الاشتباكات كان والدي هنا في بورتسودان، التقيت به وبأخي الذي يدرس الهندسة» يحكي الشاب، الذي تابع مع أمه عبر الهاتف تفاصيل التهاب الأحداث في الخرطوم، فكان القرار بسفرها إلى بورتسودان لهدوء الأوضاع قليلا هناك: «السفر من الخرطوم إلى بورتسودان لا يستغرق بضعة ساعات، لكنها وصلت خلال يومين».
استقلت الأم ومعها صغيرها وأخته أتوبيسا، يتحرك بهم إلى بورتسودان، لكنها لم تكن رحلة سهلة. كانت قيمة ركوب الأتوبيس لتلك المسافة في بداية رمضان لا تزيد عن 16 ألف جنيه سوداني (الدولار يساوي 600 جنيه سوداني)، لكنها دفعت للفرد الواحد 35 ألف جنيه سوداني، قبل أن تصل بعد ذلك إلى نحو 200 ألف جنيه سوداني، ثم مرت بعدة مدن وسط اشتباكات صعبة، حتى وصلت أخيرا إلى بورتسودان، في آخر أيام عيد الفطر الماضي، وهناك التقت زوجها وابنها الأكبر.
بعد ذلك كان على أخت رضوان، التي تزوجت في الخرطوم أن تأت رفقة زوجها، لكن هذه تأخرت في الوصول لـ3 أيام، لصعوبة التحرك وسط الاشتباكات المسلحة، مع تكرر خرق أكثر من هدنة كانت في تلك الأيام «وهذا أمر مقلق، أنت تتابع عبر الهاتف كل شيء، ولا يمكنك فعل أي شيء» يحكي رضوان.
في خامس أيام عيد الفطر الماضي، الثلاثاء الـ25 من أبريل الماضي، كانت أسرة رضوان قد تجمعت في بورتسودان. ووصل عدد النازحين داخليا في السودان، أكثر من 700 ألف شخص بحسب منظمة الهجرة الدولية، التابعة للأمم المتحدة. واستأجرت شقيقة رضوان وزوجها شقة فندقية كانت بـ5 آلاف جنيه سوداني في اليوم، قبل بداية الاشتباكات لكنها وصلت إلى 30 ألف جنيه، مع تزايد أعداد الواصلين إلى بورتسودان، إحدى محطات السفر والفرار من السودان، فيما ارتفعت أسعار تأجير الشقق المفروشة إلى 60 ألف جنيه سوداني.
وباتت بورتسودان مكانا مزدحما، لرغبة الكثيرين في السفر منها عبر موانئ أو باصات أو حتى طائرات، ما جعل مشاهد النائمين على الأرصفة أمرا عاديا، بحسب مشاهدات الشاب السوري، الذي يشير إلى توزيع بعض السودانيين في تلك الظروف الصعبة مأكولات ومشروبات على الجميع في الشوارع.
ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا السوريين في السودان، لكن تصريحات في نهاية أبريل الماضي، للقائم بالأعمال في السفارة السورية بالخرطوم بشر الشعار، تفيد بأن 15 سوريا قتلوا في السودان. فيما تجاوزت أعداد القتلى بشكل عام في السودان أكثر من 600 شخص وإصابة الآلاف، بحسب منظمة الصحة العالمية.
بين تلك المشاهد يجد رضوان ذو الـ27 عاما نفسه محظوظا، إذ أنه يستأجر شقة بـ80 ألف جنيه سوداني (133 دولارا أمريكا)، وتعيش معه فيها زوجته وابنتيه الصغيرتان، لكن تلك الشقة السكنية تحولت إلى ملاذ للأقارب وغيرهم من المعارف، وباتت تضم رغم صغر مساحتها 14 امرأة من بينهم حوامل وعجائز، فيما غادر أهل زوجته السورية من السودان إلى سوريا أو لولايات أخرى داخل السودان.
«زوجات أصدقائي وبعض الأقارب جاؤوا إلى هنا في شقتي، حتى يبحثون عن ملاذ جديد لهم، فتركت الشقة لحين آخر» يحكي الشاب الذي استأذن أحد جيرانه في السكن بشقته مؤقتا لحين تغير الأوضاع، وكان صاحبها خارج بورتسودان: «نحن 11 رجلا نعيش في شقة صغيرة للغاية، مواردنا الغذائية تنفد، ولا يوجد عمل حاليا».
كان الشاب السوري يعمل في صناعة الزجاج، كمهنة تعلمها من والده، لكن العمل معطل الآن، ولولا احتفاظه بمواد غذائية في شهر رمضان، لما وجد طعاما: «نأكل وجبة واحدة في اليوم، عبارة عن فطائر ومخبوزات من الدقيق فقط».
ما تزال الأوضاع لدى الشاب كما هي، لم يتغير شيء حتى الآن، يتابع ما يدور حوله، وينتظر أن تصل الاشتباكات إلى نقطة نهائية، يعود معها للعمل، ويعود الذين سكنوا في شقته إلى أماكنهم وأعمالهم، لكنه حتى الآن لم يقرر ترك السودان، إذ باتت أعماله فيها: «لكن إذا وصلت الاشتباكات بشكل مكثف إلى بورتسودان، ففي تلك الحالة سنرحل والعائلة.. إلى أين؟ لم أعرف بعد، لكن المؤكد أنني لن أعود لسوريا».
وباتت المعيشة في السودان، أصعب من ذي قبل، إذ تتهالك البنية التحتية، وسط انقطاع متكرر للتيار الكهربائي والمياه، فيما خرجت وحدات صحية عن العمل، وارتفعت أسعار المواد الغذائية في بلد يعاني اقتصاديا «المواد الغذائية صار سعرها مرتفعا ولا يمكن تأمينها بسهولة» يحكي رضوان.
يحاول الشاب مساعدة من يحاول السفر من السودان إلى أي دولة أخرى، يقدم لهم ما يعرف من معلومات، سواء في الواقع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتقادات عدة طالت سوريا، لتأخرها في التعاطي مع أزمة السودان، فأصدرت بيانا في الـ22 من أبريل الماضي، عبر خارجيتها أنها تتابع بقلق الأحداث الجارية في السودان، وأوضاع الجالية السورية هناك، ووجهت السفارة السورية في الخرطوم «بتسجيل أسماء الجالية السورية الراغبين بالإجلاء وفق الإمكانات المتاحة، وفي إطار الحفاظ على حياة السوريين بعيدا عن الأخطار المحتملة» كما ورد في البيان.
وفي الـ26 من أبريل، أصدرت الخارجية السورية بيانا قالت فيه إنها أجرت اتصالات مع دول للمساعدة في عملية الإجلاء، ووجهت سفارتها بالخرطوم بتسجيل أسماء المواطنين الراغبين في الإجلاء. وبحسب البيان فإنه جرى إجلاء مئات السوريين من مدينة بورتسودان، وإجلاء العشرات بمساعدة المملكة الأردنية والجزائر. كما لفت البيان، إلى أن شركة الشام للطيران مستعدة لإنجاز رحلة لبورتسودان لإجلاء بعض المواطنين.
وبحسب وكالة الأنباء السورية، فإن مطار دمشق استقبل 191 شخصا من السودان، في الثالث من مايو الجاري، على متن طائرة أجنحة الشام. وسيرت الشركة رحلتين جويتين مجانا، كانتا في الثاني والثالث من مايو الجاري، إلى بورتسودان، ومنها إلى دمشق.
وفيما وقع الجيش السوداني والدعم السريع، إعلانا بحماية المدنيين في السودان، وفق مخرجات إعلان جدة، فإن رضوان هاشم وعائلته، ينتظرون أن تتحقق تلك المخرجات، بما اتفق عليه الأطراف، لتعود الحياة من جديد كما كانت، أو أقرب من ذلك.
فيديو قد يعجبك: