تدافع وانصهار الأحذية.. كيف فشلت محاولة إنقاذ ضحايا كنيسة إمبابة؟
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
- مارينا ميلاد:
في يوم أحد حَار، وداخل كنيسة ضيقة؛ تَجمع العشرات من ساكني منطقة إمبابة بمحافظة الجيزة لحضور القداس.. انقطعت الكهرباء عنهم، لكنهم أكملوا صلاتهم على ضوء كشافات، تلاه تشغيل مولد كهرباء.. لم يمر وقتًا طويلا حتى عاد التيار، فوقع خلل وانفجر المولد وغطت الأدخنة أرجاء كنيسة أبي سيفين.
كان باسم مدكور (28 سنة) وزوجته وبناته الثلاثة (6 سنوات، 4 سنوات، سنتين) يجهزون للذهاب صوب الكنيسة. فاعتادت الأسرة الساكنة بالجوار على حضور قداس الأحد و"التناول" قبل أن تهبط الصغيرات إلى الحضانة الموجودة في الطابق الثاني بالمبنى نفسه.
لما تأخر "باسم" وأسرته هذا الأحد قليلا عن موعدهم، جاء لهم الخبر وهم في الطريق: "الكنيسة تحترق!".
عادت زوجته وبناته إلى البيت في حالة ذهول وخوف، وركض هو نحو الكنيسة ليرى ما يمكنه فعله أو إنقاذه.
يستلقي "باسم" اليوم في مستشفى إمبابة العام، جوار 5 مصابين آخرين، وآثار الحروق تبدو واضحة في أنحاء مختلفة من جسمه.. يتوالى عليه زائرين ومسؤولين، يطمأنون عليه ويقدمون له دعمهم، لكنه لا ينتبه إلى أحد. لازال لا يرى أمامه سوى المشهد الذي وجده فور وصوله الكنيسة.
النيران تعلو أكثر بالطابق الثاني وتتمدد إلى الأعلى، الزجاج يتحطم فوق رؤوس الواقفين بالأسفل، أناس يصرخون من النوافذ طالبين النجدة، رجل بدين يلقي نفسه من الطابق الرابع؛ فيسقط أمامه جثة هامدة، وطفل يقوم بالفعل نفسه، فتنكسر قدمه.. تلك الصورة التي لا تفارق "باسم"، ويعتقد بأنها لن تفارقه طيلة حياته.
في تلك اللحظة التي يصعب فيها التفكير والقرار، أخذ "باسم" ومن معه "البطانيات". التفوا بها لعلها تحميهم.. صعدوا حتى الطابق الثالث، الموجود به لوحة الكهرباء المنفجرة.. انقذوا من استطاع الوصول إليهم من الأطفال.. لكن النيران كانت أقوى، فصلتهم عن الباقين المندفعين فوق بعضهم، ومنعتهم من الصعود أكثر – وفقًا لرواية "باسم".
دقائق قليلة كانت كافية لتتشبث النيران بالأغطية التي التفوا بها وتصل إلى أجسامهم حتى أن الأحذية ذابت من سخونة الأرض أسفلهم. هبطوا إلى الأسفل، وقد أتت سيارة الإطفاء الأولى إلى هذا الشارع الضيق الذي يصعب مهمتها بعد نحو نصف ساعة– حسب تقدير "باسم" وصديقه.
كما تم الدفع بـ37 سيارة إسعاف، وصلت الأولى منهم من أقرب تمركز بمنطقة مطار إمبابة في تمام الساعة الـ 8:59 دقيقة، أي بعد دقيقتين فقط من إبلاغهم – وفقا لبيان وزارة الصحة.
لا منفذ طوارئ بالكنيسة الصغيرة، هكذا يقول "باسم"، الذي وعي عليها منذ صغره عندما كانت مجرد جمعية تقدم أنشطة ورعاية لأبناء المنطقة الشعبية المكتظة بالسكان.. تحولت فيما بعد إلى كنيسة لا يميزها سوى صليب قصير أعلاها.
وقد نظم قانون رقم 80 لسنة 2016 بناء وترميم الكنائس، تلاه تقنين وتوفيق أوضاع عدد كبير منها؛ وصل حتى إبريل الماضي إلى 2401 كنيسة ومبنى دينيا.
ويشترط القانون "ملاءمة مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها مع عدد المواطنين في المنطقة السكانية التابعة لها، كذلك ثبوت الاشتراطات البنائية".
جاء ذلك بعد سنوات طويلة، لم يكن سهلا فيها بناء كنائس جديدة. وقد شهدت تلك الفترة تحويل مباني عادية إلى كنائس، خاصة بالمناطق العشوائية أو الفقيرة.. ربما لا يتوفر في أغلبها مساحة مناسبة أو إجراءات سلامة.
يقول "باسم" إن الفضل في أن يصبح المكان كنيسة بهذا الشكل يعود إلى القمص عبد المسيح بخيت، كاهن الكنيسة، الذي أقام الحضانة أيضًا.
هذا الكاهن توفى في الحادث أيضًا ضمن 41 شخصا بينهم نحو 18 طفلا، ذلك بخلاف 12 مصابًا.
وذكر بيان لوزارة الصحة، أن السبب الرئيسي للوفاة هو الدخان الكثيف الناتج عن الحريق والتدافع بسبب محاولات الهروب.
لم تمنع إصابة "باسم" البالغة، متابعته للأخبار، ليعرف منها اسم تلو الآخر ممن كانوا موجودين بالكنيسة وقضت عليهم الأدخنة.. يقول إن جميعهم من أقاربه أو معارفه أو أصدقائه.. يذكر "باسم" تلك الأم التي فقدت أبناءها الثلاثة، والأسرة التي توفت كلها، وصديقه الذي فقد ابنته التي انتظر قدومها 12 عاما.
يتمنى لو يستطيع ترك المستشفى والذهاب إلى هؤلاء لمواساتهم مع شقيقيه اللذين يقفان إلى جوارهم الآن – حسبما يذكر.
يحاول صديقاه "محمد عصام، ومحمد عبد الوهاب" أن يهونوا عليه الأمر.. يجلسون إلى جانبه باستمرار ويجتهدون لإضحاكه وإلهائه عما يحدث. فيحكي صديقه، محمد عصام، عن علاقتهما: "كِبرنا سويًا، بيتنا مواجه لبيته، ونجلس مع بعضنا طوال اليوم".
ثم يقاطع "باسم" حديثهم الدائر، قائلا: "كان المسلمون والمسيحيون يساعدون في الإنقاذ معًا، لا فرق بيننا، وهكذا اعتدنا في المنطقة".
"باسم"، الذي يعمل في صيدلية، سيتقاضى مبلغ 5000 جنيه تقرر صرفه للمصابين، و25 ألف حال وفاة أحد أفراد الأسرة، و50 ألف حال وفاة رب الأسرة – وفقا لوزارة التضامن الاجتماعي بعد زيارة الوزيرة، نيفين القباج، للمصابين بالمستشفيات التي توزعوا عليها.
وأمس، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إنه يتابع عن كثب تطورات الحادث، مشيرًا إلى توجيهه كافة أجهزة ومؤسسات الدولة باتخاذ الاجراءات اللازمة.
وقد قدَّم البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تعازيه إلى أسر الضحايا، قائلا: "نصلي من أجل المصابين والمجروحين واثقين أن يد الله ترحمنا جميعًا"، لكنه غاب عن صلاة الجنازة التي أقيمت، مساء أمس الأحد، في كنيستي بمنطقة الوراق، توزع عليهم الصناديق.
بالتزامن، توغلت معدات في شارع الكنيسة، وقد بدأت أعمال ترميمها وإصلاحها من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.. في وقت تتولى فيه النيابة العامة التحقيق في الحادث.
اقرأ أيضًا:
كاهن كنيسة إمبابة.. نجا من حادث مروع ليموت في حريق كنيسته
فيديو قد يعجبك: