لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هَزّات في تاريخ الرقص الشرقي.. "تقسيم" إيمي سلطان في "اليونيسكو"

10:45 م الأربعاء 06 يوليو 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

- مارينا ميلاد:

عَرف القدماء المصريون فنون الرقص، وأقاموا مدارس لتعليم فنونه، توثّقها الرسوم والنقوش على جدران معابدهم.. وبعد آلاف السنين؛ قررت إيمي سلطان أن تسير على هذا الدرب، وتُعلم وتوثّق هذا الفن وعالمه، فتاريخ الرقص الشرقي في مصر لم ينضب منذ العهود القديمة وحتى الآن.

ولأجل ذلك؛ افتتحت "إيمي"، الأسبوع الماضي، معهدها (تقسيم) لتدريب الرقص الشرقي، وهو الأول من نوعه في مصر، الحاصل على شهادة المجلس الدولي للرقص (CID) التابع لمنظمة اليونيسكو.

لم تكتف "إيمي" بذلك باعتباره إنجازًا لم يحققه سواها، إنما بدأت خطواتها لتسجيل الرقص الشرقي المصري ضمن قائمة التراث غير المادي بالمنظمة نفسها، ليجاور فنوناً مصرية مُسجلة: "التحطيب، السيرة الهلالية، الأراجوز، النسيج اليدوي، والخط العربي".

وتُعرّف اليونسكو التراث غير المادي أو "التراث الحي" بأنه "الممارسات والتقاليد والمهارات وما يرتبط بها التي تعتبرها الجماعات جزءاً من تراثهم الثقافي".

وقد وجدت "إيمي" في الرقص الشرقي وتاريخه المتفرع من تاريخ مصر؛ فنًا يستحق أن يوثق.

فأسست مشروعها "طرب" قبل عام تقريبًا، والذي قسمته إلى ثلاثة أجزاء: شركة لإنتاج العروض الاستعراضية، مثل عرض "العصر الذهبي للسينما" الذي قُدم بمهرجان الجونة السينمائي العام الماضي، ومشروع "توثيق"، الذي يعمل على إعداد ملف تسجيل الرقص الشرقي باليونيسكو، وأخيرًا معهد "تقسيم" لتدريب وتأهيل راقصات بطريقة أكاديمية.

كل ذلك هدفه "إحياء التراث المصري في الرقص والفنون الاستعراضية"، حسبما توضح "إيمي". فرغم صعوبة تحديد بداية الرقص في مصر، اعتبرته دراسة صادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية عام 2019 "جزءاً من الطقوس الدينية في مصر القديمة، بل وضرورة حياتية، وتسلية دنيوية".

بدأت "إيمي" فكرتها عام 2018 عندما أدركت أن الرقص الشرقي صار حبيسًا لصورة واحدة نمطية تتجلى بالملاهي الليلية، ولم يعد له رونقه كما كان في الماضي.

لكن "إيمى" التي تنتقل بين 5 أو 6 أفراح وحفلات يومية، لم تجد وقتًا لتنفيذ ذلك حتى حَضر فيروس كورونا ليوقف أنشطتها ويفسح المجال لمشروعها.

تقول إن "البعض سَخر منها في البداية، ولم يتغير ذلك إلا بعد حصول معهدها على شهادة الاعتماد هذا العام".

وبالتوازي خطت بجدية نحو توثيقه باليونيسكو، فأرادت بها- كما تقول - "حِفظ الرقص كجزء من التراث المصري من محاولات السرقة والاستيلاء"؛ إذ كان مستفزًا لها أن تجد دولاً أخرى ليس لها تاريخ في الرقص الشرقي بقدر مصر، وقدمت ملفات تسعى بها لتسجيله كتراث؛ لذا سارعت بالمنافسة.

لم تكن تعرف من أين تبدأ؛ فتواصلت مع القائمين على تسجيل التحطيب لتسير على خطواتهم، التي تتحفظ على ذكرها الآن، لكنها توضح أن فريقًا مختصًا يعمل عليها، وقد يستغرق الأمر منهم نحو 6 سنوات مثل التحطيب.

تجلس "إيمي" أمام مكتبة كبيرة أقامتها بمعهدها؛ تضم كتبًا تخصها، تشير إليها، وتقول "إن ما حملته الكتب والدراسات عن تاريخ الرقص المصري يستحق كل هذا الوقت والجهد وأكثر".

مر زمن بعد عهد القدماء المصريين، وظل الرقص مُلازمًا له ومرادفًا للبهجة لأهل هذه البلد.. فخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اتجه إلى الترفيه الذي تؤديه "العوالم" و"الغوازي". وكما أشارت ريم أبو عيد في كتابها "على اسم مصر"؛ فـ"الغوازي" قدمن رقصاً يهدف إلى إمتاع الناس ويميل إلى الإثارة. أما العوالم فكنّ على قدر من الجمال ومُدربات أكثر؛ فظهر من النوع الثاني الراقصات "شوق وبامبا كشار وشفيقة القبطية".

وفي عدد لا يحصى من اللوحات الفنية والكتب الفرنسية، وثق فنانون ومؤرخون شكل راقصات هذا الزمن، ومنها تخيلت "إيمي" الحركة والنغمة، فشكلت من ذلك "منهج" معهدها الذي تنقله لمتدربيها الآن.

يؤهل المعهد تلاميذه بتعريفهم تاريخ الرقص أولا، ومن ثم حركات وإيقاعات الرقص وأنواعه؛ فالنساء في المدن الساحلية مثلا يرقصن بطريقة مختلفة عن الجنوب.

الطريقة الأكاديمية لـ"إيمي" تعتمد أيضًا على التقسيمات، وتعني الرقص الذي يتماشى مع "سولو" أو صوت النغمة للآلات الموسيقية، والتي تنتج حالة "الطرب". ومن هنا جاءت تسمية المشروع والمعهد.

جَهزت "إيمي" معهدها في 20 يومًا فقط رغم تفاصيله الكثيرة والمُصنعة له خصيصًا. فالكراسي والستائر تحمل صورًا لراقصات مصر الأشهر، واللافتات على الجدران تصحبها معلومات عنهن.

أما الأكثر جذبًا للانتباه قهو تسميتها لكل غرفة باسم، فغرفة التدريب تحمل اسم "صالة بديعة".

"بديعة" هي بديعة مصابني الملقبة بـ"عرابة الرقص الشرقي" وصاحبة أشهر كازينو بشارع عماد الدين في وسط القاهرة، والذي خرج منه نجوم أمثال إسماعيل يس، شكوكو، تحية كاريوكا، وسامية جمال.

يَصح اعتبار "بديعة" مرحلة فاصلة في تاريخ الرقص الحديث مع بدايات القرن الماضي. إذ شهد مسرحها تقديم عروض استعراضية متكاملة ومزج متناغم بين الشرق والغرب. فترى "إيمي" أن سامية جمال التي تتلمذت هناك صارت تسيطر على المسرح وكونت أداءها الخاص.

ولم يلفت نظرها أحد بعدها سوى سهير زكي، التي بزغ نجمها في السبعينات وكانت أول من رقص على أنغام أغنيات أم كلثوم.

تُعرف "إيمي" متدرباتها على ما يميز كل راقصة منهن وأين يَكمُن سِحر كل واحدة؟.

تنقسم هؤلاء المتدربات إلى جزءين؛ الأول هن المشتركات اللاتي تدفعن رسوماً ولا شروط لهن ويأتين لا بغرض أن يكن راقصات بل لأسباب أخرى كهواية، فقدان وزن، تسلية، علاج من أمراض أعصاب. فتشير "إيمي" إلى أن أساس تدريبهن تحريك جميع عضلات الجسم.

تلك الرسوم المدفوعة منهن ولا تريد "إيمي" ذِكرها؛ قد تساعدها للإنفاق على المشروع بجانب المنحة التي تلقتها من شركة ألمانية تدعم مشاريع ثقافية.

أما النوع الثاني من متدرباتها هن المتقدمات غير القادرات على الدفع واللائي تحلمن أن تصبحن راقصات. ولهؤلاء شروط كي تحصلن على "منحة إيمي"- كما تسميها - أهمها أن تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عاما على الأكثر، ويخضعن لاختبارات أداء.

كانت صفاء سعيد (29 سنة) أول واحدة حصلت على هذه المِنحة.

فحين كانت "صفاء" طفلة تعيش مع أسرتها في المنصورة، ويسألونها سؤالا معتادًا عن مهنتها مستقبلا؛ كانت تجبيهم إجابة غير معتادة: "نفسي أطلع رقاصة".

استقبلت الأسرة إجابتها بالضحك والسخرية حتى "صفاء" نفسها صدقت أن حبها للرقص ولسامية جمال ونعيمة عاكف لن يذهب بها لأي شيء.

التحقت بكلية الآداب ثم عملت موظفة في إحدى مراكز العلاج النفسي، لكنها لم تترك هوايتها وظلت تمارس رقصًا آخر وهو "الرقص الصوفي المعاصر"، حيث إنها لم تجد بسهولة مكانًا لتدريب الرقص الشرقي.

تتشابه "صفاء" في تلك المرحلة التائهة تجاه الرقص الشرقي مع بدايات "إيمي"؛ إذ إن الثانية التي درست هندسة الديكور في معهد "روديك" بإنجلترا حتى تحصل فقط على شهادة، صارت راقصة باليه كلاسيكية لسنوات طويلة، فالباليه له نظام وأماكن واضحة – حسبما تحكي – في حين لم يكن أمامها أي فرصة لتعلم الرقص الشرقي الذي أحبته من شرائط الفيديو التي كانت تجمعها والدتها.

زمن شرائط الفيديو الذي تربت عليه "إيمي" كان في الثمانينات والتسعينات التي جلبت جيلًا آخر من الراقصات، صنعت فيه فيفي عبده أسطورتها، حضر جمهورًا جديدًا تمامًا من الأجانب والقادمون من دول الخليج، وحل شارع الهرم مركزًا للكازينوهات والملاهي بدلا من شارع عماد الدين.

وسط إيقاع صاخب؛ وجدت "إيمي" فرصتها لتنضم إلى الجيل الأحدث من الراقصات قبل 6 سنوات على يد مُدربتها "رقية حسن". حصلت بعدها على أولى حفلاتها في فندق سميراميس لتبدأ بعدها مسيراتها في الرقص وصولا إلى التدريب الآن.

واجهت "إيمي" رفض أسرتها لذلك، كذلك "صفاء" التي كان الأمر عليها أشد كون والدها شيخًا أزهريًا. ترى "إيمي" أن السبب في ذلك كون "الرقص مظلوم في مصر؛ لأن النظرة له تنحصر في شكل معين"، لذلك تتأكد أولا من عدم وجود رفض عائلي عند الملتحقات بمعهدها.

تصر "صفاء" على ما تفعله، بل ترى أنه لا طريق للعودة منه، فكانت تتابع "إيمي" باستمرار منذ فترة طويلة وتعجب بفكرة "المهندسة الراقصة"، حتى وجدت إعلانا في فبراير الماضي لتدريب "إيمي" لراقصات جدد باستديو عماد الدين، ومن هنا بدأت الرحلة معها.

يدعمها زوجها، الذي يعمل مصورًا، حيث يشعر بما يفعله الرقص بحياتها، وهو ما تحاول وصفه قائلة: "الرقص الشرقي يشعرني بأن جسدي حر وبأنني مستمتعة به أكثر".

"صفاء" وغيرها من المتقدمات على المِنح، اللاتي يتوافدن على المعهد هذه الأيام، عليهن اجتياز 150 ساعة تدريباً وكذلك الاختبارات المقررة، للحصول على شهادة معتمدة. تلك الشهادة تؤهلهن للعمل مع المعهد أو في أماكن أخرى مخصصة وليس في الملاهي الليلية، وهو شرط "إيمي" على الأقل لمدة سنتين.

توضح "إيمي" أن ذلك ليس تقليلاً من الملاهي الليلية، لكن لأنها "تُحد من الإبداع وتجعل الرقص محصورًا في إطار". تتفق "صفاء" مع هدف المعهد وشرطه؛ فترى "أن الراقصة في تلك الأماكن مجرد أداة للتسلية".

لم تستقر"صفاء" على ما ستفعله أو تصور لرحلتها القادمة، إنما ستنتظر لتُجرب كل شيء في الرقص الشرقي لتقرر. فيما تعرف "إيمي" طريقها وهو استمرارها في إحياء الحفلات والأفراح التي تراها "جزءًا من التراث أيضًا" في ظل سيطرة الراقصات الأجنبيات على المشهد.

ذلك إلى جانب مشروعها الحالي التي تتمنى أن تمضي قدمًا فيه: "يجب أن أوثق وأدرب قدر ما استطعت.. فهذا تاريخ وفن علينا أن نورثه لأجيال قادمة".

اقرأ أيضا:

ما وراء استعادة وزارة الثقافة لأعمالها: رحلة ضياع اللوحات الفنية في مصر

فيديو قد يعجبك: