لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المدير السابق لمتحف اللوفر.. من حامِ للآثار إلى مُتهم بتهريب 5 قطع مصرية

11:39 م الأحد 05 يونيو 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتابة وصور- مارينا ميلاد:

مايو 2021.. انتهت مدة الفرنسي جان لوك مارتينيز في إدارة واحد من أشهر متاحف العالم "اللوفر". كان الرجل البالغ 57 عامًا يسعى إلى ولاية ثالثة، لكن لم ينجح الأمر.

خرج "مارتينيز" من بوابة "اللوفر" بصورة عالم الآثار الذي قضى سنوات عمره في خدمة هذا المكان، والمدير المًجدد الذي أضاف لـ"اللوفر" فئات جديدة من الجمهور من المبتدئين في الفن وصغار السن؛ فزاد عدد زوّاره.

عوّضه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بمنصب آخر؛ حيث صار أول سفير للتعاون الدولي في مجال التراث، وبهذه الصفة أصبح مسؤولاً عن متابعة سياسة الاستردادات ومكافحة التهريب الدولي للأعمال الفنية.

لكن "مارتينيز" فاجأ الجميع يوم 25 مايو الماضي، عندما قُبض عليه بالتهمة ذاتها التي يجب عليه مكافحتها، وهي التآمر لإخفاء أصل قطع أثرية سُرقت من مصر خلال أحداث ثورة 25 يناير.

قد تكون قصة صعود جان لوك مارتينيز من بيت متواضع بإحدى ضواحي باريس إلى مكتبه الفخم بالقصر الملكي (اللوفر) عادية، بل أقل كثيرًا من تلك القصص التي تُحكى في هذا المتحف، لكن التحول العجيب الذي حَدث لسيرته الآن يستحق أن يُروى؛ خاصة وإن صَحت الاتهامات فيما بعد.

بداية حكاية "مارتينيز" مع متحف اللوفر كانت في سن الحادية عشرة من عمره.. زاره للمرة الأولى في رحلة دراسية؛ وعندما عاد إلى منزله، لم يُخبر والديه بشيء عنها؛ فهما لم يصحباه إلى متحف ابدًا.

ربما أدرك الصبي عدم حماسة والديه لهذه الفكرة. فقد كان أبوه الذي يعمل موظفًا في البريد منشغلا بالإنفاق على تعليمه واحتياجات منزلهم الواقع في روسني سو بوا، إحدى ضواحي الطبقة العاملة شرق باريس.

يتذكر "مارتينيز" تلك الزيارة في حواره مع "نيويورك تايمز" قائلاً: "لقد عشت في ضاحية حديثة للغاية، كان كل شيء جديدًا.. وعندما وصلت إلى المتحف، كان كل شيء قديمًا.. تخيل لطفل أن يرى خمسة قرون من الفن!".

كانت عائلة "مارتينيز" المتوسطة من أصل إسباني لمهاجرين جاءوا قبل زمن طويل من جنوب الأندلس. تلك النشأة ستظهر في طريقة تفكيره لاحقًا.

مرت سنوات أنهى "مارتينيز" فيها تعليمه؛ وتخصص في مجال الآثار حتى صار عالمًا فيه إضافة إلى أنه مؤرخ للفن؛ ثم عَمل بالمتحف الأكثر شهرة في العالم "اللوفر" عام 1997 ووصل إلى منصب رئيس قسم الآثار اليونانية والأترورية والرومانية.

ظن محيطون به أنه لا يمكنه الوصول إلى ما هو أكبر، لكنه خالف توقعاتهم. وفي إبريل 2013؛ عُين مديرًا للمتحف؛ وهو ما لم يأتِ في خياله عندما زاره صغيرًا.

صورة 2

أصبح "مارتينيز" الذي كان يبلغ من العمر حينها 49 عامًا؛ أول عالم آثار يصل لأعلى منصب في المتحف منذ عام 1962.

تم اختياره حينها من قِبل الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، متغلبًا على اثنين من المرشحين وهما سيلفي راموند، مديرة متحف الفنون الجميلة في ليون، ولوران لوبون، رئيس مركز بومبيدو ميتز (متحف للفن الحديث والمعاصر).

وقتها؛ أشارت الصحف إلى أن اختيار "هولاند" لـ"مارتينيز" أراد به تعيين شخص أقل إثارة للانقسام، ويمكنه فهم العمل في المؤسسة التي يبلغ عمرها نحو 220 عامًا.

ورحبت وزيرة الثقافة آنذاك، أوريلي فيليبيتي، بتعيين "مارتينيز"، ووصفته في بيان لها بأنه "كان مدفوعًا طوال حياته المهنية بالرغبة في مشاركة شغفه بالفن وثمار معرفته مع الجمهور". فيما قال مارك فومارولي، عضو الأكاديمية الفرنسية ورئيس جمعية أصدقاء اللوفر، لصحيفة لوموند إن "مارتينيز عالم عظيم ومُعاصر".

صورة 3

سَبق "مارتينيز" في قيادة المتحف، الأرستقراطي هنري لويريت، الذي أقام علاقات اجتماعية مع رعاة الفن الأثرياء، وتضاعف عدد الزوار السنويين في عهده، وتوسع المتحف ليقيم جزءاً آخر في لينس شمال فرنسا، إضافة إلى عمله على المشروع الأكبر وهو متحف "اللوفر في أبو ظبي"، الذي من المتوقع أن يمثل موردًا هائلًا لهم.

كل ذلك صَعب مُهمة "مارتينز" في وقت قلت فيه الموارد المالية التي يحصل عليها المتحف من الدولة؛ لكنه تحرك سريعاً وسار في طريقه، وخطط لما سماه "ثورة صغيرة" داخل المتحف.

صورة 4فبعد عام من توليه المسؤولية؛ كانت تجري عملية تجديد لمدة عامين بقيمة 53.5 مليون يورو في منطقة الاستقبال الواسعة الواقعة أسفل الهرم الزجاجي بالمتحف، التي يشبهها "مارتينيز" بـ "مطار صاخب"؛ حيث تتدفق صفوف طويلة تعيش حالة من الارتباك ولا تعرف إلى أين ستتجه؟.

صورة 8

اختبر "مارتينيز" تجربة "اللوفر" كسائح. وفي حوار له مع "نيويورك تايمز" قال إنه انتظر في الطابور لأكثر من ساعتين ونصف، وهو ما أزعجه؛ لذا يعتزم تقليله من خلال توسيع المداخل إلى خمسة من ثلاثة وتوجيه حركة المرور إلى أماكن أخرى، كتحويل الزائرين من الطلاب الفرنسيين الذين يزيد عددهم على 850 ألفًا سنويًا إلى مساحة تعليمية بها معارض.

كما عمل "مارتينيز" على عملية تحديث لأدوات رواية القصص بالمتحف؛ فثمة 40.000 لافتة جدارية تقريبا وعلامات تشرح مقتنيات المتحف باللغة الفرنسية، لكنه يهدف بخطته إلى جعلها أسهل وأكثر إيجازًا ومتوفرة باللغتين الإنجليزية والإسبانية.

إذ يقول "مارتينيز": "متحفنا ليس كتابًا. إنه شيء مادي.. من الضروري تحريك الأشياء لمحاولة زيادة فهم فننا".

صورة 5

تلك التحديثات التي يجريها؛ لم تمنع انتقاده في الصحافة الفرنسية، حيث وصفه البعض بأنه "غير مرتاح للمجتمع الراقي" و"يتجاهل الرعاة الأثرياء" عكس سلفه.. ويبدو أن"مارتينيز" لم يتوقف كثيرًا عند هذه الانتقادات، وقال ذات مرة إن الرعاة ضروريون لاستراتيجية المتحف، لكن خلفية عائلته أثرت على سعيه؛ فأراد البحث عن جمهور جديد يجعل المتحف أكثر انفتاحًا، وأسهل للفهم.

في ذلك الوقت؛ حصل متحف اللوفر، الذي يعمل فيه 2100 موظف على نحو 102 مليون يورو كتمويل حكومي، وزاد عدد زواره لأكثر من عشرة ملايين عام 2019 (71 % منهم أجانب).

واتجه "مارتينيز" إلى وسائل جَذب أخرى - حتى وإن أغضبت البعض - فمثلا سمح لنتفليكس (Netflix) بتصوير مشاهد لمسلسل "لوبان" (Lupin) هناك، وسجلت المغنية الأمريكية بيونسيه مقطع فيديو داخله، ثم أعلن المتحف أن "بيونسيه" وزوجها جاي زي، ساهما في زيادة أعداد زواره إلى رقم قياسي.

وعندما وجد "مارتينيز" أن لوحات "الموناليزا" و"الحرية تقود الشعب" وتمثال "فينوس دي ميلو" لم يعد يصطف أمامها أحد مع بداية جائحة كورونا وفترة الإغلاق؛ فَكر في الذهاب إلى الجمهور في المنازل.

فأصدر المتحف منصةً عبر الإنترنت تضم أكثر من 480 ألف قطعة فنية من مجموعات أقسام المتحف الثمانية، كمنحوتات عصر النهضة والآثار المصرية ليتمكن الجميع من مشاهدتها دون مقابل.

وقال "مارتينيز"، في البيان حينها: "اليوم ، ينفض متحف اللوفر الغبار عن كنوزه.. للمرة الأولى، يمكن لأي شخص الوصول إلى مجموعة الأعمال الفنية من خلال الحاسوب أو هاتف ذكي.. فالتراث الثقافي المذهل لمتحف اللوفر أصبح على بعد نقرة واحدة فقط!".

رغم كل ما فعله "مارتينز"؛ ظل المتحف يعتمد في تمويله وتطويره إلى حد كبير على الأموال المتدفقة من أبو ظبي، حيث إن مشروع متحف اللوفر أبوظبي المملوك لدولة الإمارات تم استكماله وافتتاحه عام 2017 بالشراكة مع فرنسا.

وتضمن الاتفاق على تأجير الإمارات لاسم اللوفر من فرنسا لمدة 30 عاما بتكلفة نحو 500 مليون دولار.

ويُعرف موقع متحف اللوفر أبو ظبي؛ المشروع بأنه يُمثّل فرصة فريدة من نوعها تجمع بين الانفتاح الذي تعكسه رؤية الإمارات من جهة والخبرة الفرنسية في عالم الفن والمتاحف من جهة أخرى بهدف تسليط الضوء على جوهر الإنسانية.

ويعمل المتحف بالتعاون مع وكالة متاحف فرنسا التي تضم 17 مؤسسة ثقافية فرنسية عريقة، لتنظيم المعارض وعمليات إعارة القطع الفنية.

لكن مشروع هذا المتحف ذهب بـ"مارتينيز" إلى إتهام غير متوقع. فالرجل الذي قاد جهود لحماية القطع الأثرية المعرضة لخطر النهب والتدمير في مناطق النزاع كالعراق وسوريا، وكتب تقريرًا إلى اليونيسكو تضمن 50 اقتراحًا لحمايتها من أيدي اللصوص؛ هو نفسه المُتهم حاليًا بـ"التواطؤ في التزوير" و"إخفاء أصل قطع من العصور المصرية القديمة"؛ اشتراها متحف اللوفر في أبوظبي في عام 2016 مقابل ملايين اليورو.

وتتعلق القضية، التي يعود تاريخها إلى عام 2018، بخمس قطع تبلغ قيمتها مجتمعة 8.5 مليون دولار. وتوصلت التحقيقات إلى أفراد أخرى مشتبه بهم بينهم خبراء آثار فرنسيون، ورجل أعمال لبناني ألماني يدعى روبن ديب، يمتلك معرضاً للتحف.

ومن بين القطع الأثرية المذكورة شاهدة من الجرانيت الوردي تحمل ختم الفرعون المصري توت عنخ آمون، ويعود تاريخه إلى عام 1327 قبل الميلاد.

صورة 7

ولم يأتِ رد من متحف اللوفر أبوظبي على تلك الواقعة، لكن تذكر سياسة الاستحواذ الخاصة به أنه يعتمد بروتوكولاً عالمياً دقيقاً جداً في اختيار القطع التي يضمها إلى مجموعته الفنّية، وذلك بناءً على الاتفاق الحكومي الذي عُقد في العام 2017 بين أبوظبي وفرنسا. ويتماشى هذا البروتوكول مع اتفاقية اليونسكو للعام 1970.

وفي مصر، اجتمعت، مساء اليوم الأحد، اللجنة القومية لاسترداد الآثار برئاسة خالد العناني، وزير السياحة والآثار، لمناقشة موقف القطع الأثرية المصرية محل التحقيقات التي تجريها حاليا السلطات الفرنسية مع مدير متحف اللوفر السابق.

فيما قالت جاكلين لافونت وفرانسوا أرتوبيل، محاميا "مارتينيز": "في الوقت الحالي يحتفظ بتصريحاته للقضاء، وليس لديه أدنى شك في أنه سيتم تحقيق العدل".. فالتحقيقات الفرنسية التي ربما يطول وقتها قد تستمر على هذا النحو وتدين "مارتينيز" وتُشكل تحولًا مذهلًا لسيرته، أو قد تظهر بها أدلة جديدة وتبرئه ليبقى متمسكًا بالصورة التي خرج بها من "اللوفر".

أقرأ أيضًا:

البرونز والخطر والسر.. رحلة الكشف الأخير في سقارة

فيديو قد يعجبك: