طيران على الأرض.. "آية" تقود فتيات أسوان لممارسة رياضة غير تقليدية
كتبت-إشراق أحمد:
اليوم أصبح لآية أمين صحبة في الطرقات؛ تنتظر بلهفة الجمعة من كل أسبوع لتلتقي رفيقاتها ويحلقن معًا. لم يعد للخوف أو الحرج مكان بين فتيات رياضة "الرول سكيت" في أسوان، أتقنت آية كيف تأخذ بيد إحداهن لتسير بحذائها ذي العجلات في الشارع دون أن تلتفت لنظرات المارة وحديثهم، فقبل أشهر كانت الشابة وحدها تتحدى نفسها قبل الآخرين لممارسة ما تحب، ولأجل هذا انشأت مجموعة خاصة بالفتيات لتعلم الركض بالزلاجات "skaters in Aswan".
أمس، نشرت الصفحة الرسمية لمحافظة أسوان مقطعًا مصورًا لفتاة، ترتدي جلبابًا فضفاضًا وتركض بحذاء ذي عجلات "زلاجة". كانت آية قررت ارتداء الجرجار (الزي التقليدي لأهل النوبة) وقت لقاء مجموعة "الرول سكيت" الجمعة الماضية. أرادت الشابة التأكيد للفتيات الراغبات في ممارسة هذه الرياضة أن الملابس ليست عائقًا وليس الأمر مقتصرًا على ارتداء البنطال مثلما تسمع من العديد، كما رغبت أن يكون ما تلبسه جزءًا من أسوان، فكان الزي النوبي رغم أنها ليست من أصول النوبة كما تقول لمصراوي.
لم يكن "الرول سكيت" لعبة غير تقليدية انجذبت لها آية حديثًا، فهي لم تنسى شعور التحليق على الأرض لأول مرة؛ كانت في الثامنة من عمرها حينما دفعتها طفولتها أن ترتدي زجلات حصل عليها شقيقها الأكبر هدية من قريب لهم بالخارج لكنه لم يستعملها، ما التفتت الصغيرة لمقاس الحذاء ذي العجلات، كل شاغلها أن تسير به، وبعد سقوط متكرر، طارت آية "حبيت اللعبة جدًا كنت بلعب في الشقة وفي مكان تحت البيت".
مرت 12 عامًا، لكن ما إن رأت ابنة أسوان مقطعًا مصورًا لمجموعة تمارس رياضة تسمى "الرول سكيت" حتى استعادت الشابة المشاعر ذاتها "قلت عايزة ألعب مش ماكنتش عارفة أي حاجة"، تواصلت مع مجموعة "الرول سكيت" في القاهرة، بدأت تتعرف أكثر عن الرياضة التي كانت في الصغر بالنسبة لها مجرد "باتيناج"، ثم جاءت اللحظة المهمة بقرار شرائها حذاء جديد "السكيت القديم ماما رمته لأن من سنين بطلت ألعب بيه".
لم تجد ابنة أسوان مكانًا تتوجه إليه للشراء "مافيش في مصر مكان بيبع السكيت بنطلبه أون لاين من بره"، تقول آية إن هذه إحدى الصعوبات التي تواجه الكثير ممن يرغبون في ممارسة الرول سكيت رغم تعلمهم، إذ أن التكلفة مرتفعة وتزيد بارتفاع سعر الدولار، ادخرت طالبة كلية التجارة وحصلت على الحذاء وتأكدت أنها مازالت تحتفظ بمهارتها القديمة، لكن لم يكن الأمر بهذه السهولة.
عارضت أسرة آية نزولها إلى الشارع وممارستها الرياضة الحديثة "أحنا صعايدة وأني بنت أنزل اسكيت وسط الناس كان كارثة"، وصل الأمر إلى منعها من الخروج كما تقول الشابة، لكنها لم تستسلم "بقيت أشوف الفيديوهات اللي فيها بنات بتمارس الرول سكيت وافرجهم عليها"، يومًا بعد الآخر ولان رأي الأهل، وجاءت اللحظة الحاسمة.
في شهر سبتمبر 2021، اصطحبت آية بعض أصدقائها وحملت الحذاء ذي العجلات وذهبت لساحة قرب ميدان المحطة في أسوان وانطلقت، تسلل لصاحبة العشرين ربيعًا الشعور الماضي "إحساس الطيران ماحدش هيستوعبه غير اللي جرب"، إلا أنها سرعان ما سقطت معنويًا مع تعليقات بعض المارة "اتعرضت لتنمر كتير جدًا. أكتر كلمة كانت بتتقال مش مكسوفة من نفسك. مش مكسوفة على سنك ده وتعملي كده"، لا تدرك ابنة أسوان ما العيب فيما تفعل طالما أنها لا تعرقل الطريق ولا تمارس ما يؤذي أحد.
التزمت آية الصمت أمام التعليقات السلبية لفعل يمنحها السعادة، وفي المقابل قررت ألا تكون وحيدة خاصة بعدما وجدت فضولاً من فتيات أخريات، عزمت الشابة أن تبادر لنشر هذه الرياضة، راحت تبحث وتذاكر آليات التعليم حتى لا تقع إحداهن فيما مرت به "أنا اتعلمت مع نفسي في البيت بس لو حد كان علمني كنت هاخد وقت أسرع"، تقول الطالبة الجامعية أن الأمر لا يستغرق أكثر من 6 ساعات لتعلم أساسيات الرول سكيت.
في فبراير المنصرف، انشأت آية على الفيسبوك مجموعة لتواصل الراغبات في تعلم "الرول سكيت"، كلما نشرت فيديو لها ولفتيات أتقن اللعبة، تلقت طلبًا للتعلم "لغاية دلوقت دربت 70 بنت وطفلة".
تبدل حال آية "فرق شاسع بين ممارسة حاجة لوحدك وأن يبقى لك ناس تعمل حاجة بتحبها معاهم"، تحولت من مجرد هاوية لمدربة تحترف حركات ينبهر لها المتفرجون، فيما ذاب موقف الأهل إزاء ما تفعل، صاروا داعمين لها بعدما اطمأن القلب من غرابة وخطورة ما تفعل.
لم يعد "الرول سكيت" بالنسبة لآية مجرد فضول، بل محبة بلغت إلى استئجار مكان لتعليم الفتيات "حبيت يكون في خصوصية خاصة أن في الأول بيبقى في وقوع فالبنت ممكن تتكسف أو تبقى مشغولة بالناس اللي ماشيين حواليها". التقت الشابة أعمار مختلفة للراغبات في التعلم من الأطفال إلى الأمهات، تسعد كلما ارتسمت فرحة على وجه إحداهن بعدما تتقن السير "الموضوع بسيط محتاج بس جرأة ومتبقاش خايفة".
تلتقي آية ورفيقاتها كل جمعة، مَن تملك حذاء الرول سكيت أو اللوح "مش كل اللي بيتعلم بيكون عنده حذاء. أنا جبت كام واحد للتدريب". لذا يجتمع نحو 25 فتاة، يَسرن بساحات شارع المحطة في أسوان، يتزلجن في السوق الرئيسي بخفة ملفتة للمارة كأنما يركبن دراجة، لا يتوقف الانتقاد كما يستمر استيقافهن للسؤال عن لعبتهم الجديدة على طرقات أسوان.
أصبح لآية صحبة مختلفة، تفكر معهن وتمرح، فلم يكن فيديو التزلج بالجرجار النوبي الأول لهن؛ في رمضان المنصرف، اتفقن أن يقمن بإفطار الصائمين بالطريق، وكان الرول سكيت حاضرًا، راحت الفتيات يركضن بأحذيتهن وهن حاملات علب العصائر، وتزامن هذا ما ارتداء الشابة وصديقاتها لعباءات فضفاضة، فقررت صاحبة مجموعة فتيات الرول سكيب في أسوان توثيق تزلجهن، وتفاجئن بانتشار المقطع بشكل غير مسبوق.
تنتظر ابنة أسوان يوم 28 مايو الجاري حدثًا يجمع ممارسات الرول سكيت في الصعيد، فيما تتمنى أن تتنشر تلك الرياضة في مصر أكثر خاصة بين الفتيات وأن يصبح هناك متجرًا لبيع أدوات السكيت، وساحات أكثر للممارسة "في مصر كلها مافيش غير بارك واحد للسكيت".
فيديو قد يعجبك: