الحدود أمامنا والقصف خلفنا.. رحلة خروج "عمر" من أوكرانيا إلى المطرية (حوار)
كتب- محمد مهدي:
في طريقه للخروج من مدينة أوديسا الواقعة بجنوب أوكرانيا، كانت المنطقة التي عاش فيها الطالب المصري عمر محمد تحت القصف الروسي، تنامت الأخبار إلى مسامعه لتخلط مشاعره بين احساس النجاة وقلقه حول زملائه العالقين بالمكان وحسرته على الذكريات الحلوة التي تركها خلفه في الدولة المنكوبة، كما يروي في حواره مع مصراوي.
عاش الشاب العشريني لنحو 5 سنوات في المدينة الهادئة، وقع في غرامها منذ اللحظة الأولى خلال دراسته في جامعة أوديسا للطب، لم يكن يُخطط للسفر قبل نهاية عامه الأخير في الدراسة لكن توتر الأوضاع مع روسيا في الشهور الأخيرة دفعه للتفكير في المغادرة "كان عندنا أنا وزملائي نية إننا نمشي لكن الجامعة رفضت وقتها تدينا (إثبات قيد) اعتراف بسنوات الدراسة" ظلت المحاولات قائمة ليحصلوا عليها في ليلة الحرب "صحينا تاني يوم لقينا الضرب بدأ، والسفر بقى شيء مستحيل".
عمت الفوضى أنحاء أوكرانيا وخاصة المدن الكبرى مثل العاصمة كييف لكنها طالت في النهاية أوديسا "حالة ذعر وتكدس على محلات السوبر ماركت عشان الناس تجمع مواد غذائية" انفلتت الأمور أكثر حينما قرر البرلمان الأوكراني منح المواطنين صلاحية حمل السلاح "دا كان بالنسبة لنا أسوأ من الغزو الروسي، لأنها مسألة خطيرة وممكن أي حاجة تحصل في الشوارع" كان الحل الأمثل هو التواصل الدائم بين أبناء الجالية في أوديسا "عملنا جروبات وبقينا نفكر في طريقة الخروج من أوكرانيا".
بعد مناقشات عديدة وقع اختيارهم على الخروج عن طريق الحدود مع رومانيا "كانت الدولة الأقرب لينا هي مولدوفا لكن مبيسمحوش إننا نعدي، فكانت وجهتنا هي رومانيا" اتفق عمر مع عدد من زملائه على مغادرة المدينة في يوم الجمعة الفائت، جرى الاتفاق مع عدد من الحافلات لنقلهم من أوديسا إلى أبعد نقطة عن الصراع الروسي الأوكراني "كل أتوبيس كان فيه 25 شخص، وكل واحد فينا دفع 50 دولار نفقات الانتقال" وانطلقوا إلى الطريق الرئيسي قبل أن تأتيهم المفاجأة "بعد 3 ساعات بالظبط تم قصف أوديسا والقوات الروسية دخلت المدينة".
حاول عمر التماسك وعدم تداول الخبر داخل الحافلة "كان معانا بنات، ومكناش عايزينهم يقلقوا، الوضع مكنش مستحمل" لكنه تحدث على الفور عبر وسائل الإنترنت مع زملائه للاطمئنان عليه "الواحد مكنش مصدق اللي بيحصل في المدينة اللي عاش فيها أيام جميلة، الموضوع كان أشبه بكابوس"احتاجوا إلى أكثر من 7 ساعات للوصول إلى الحدود المولدوفية "والطريق بياخد ساعة ونص بس، لكن الزحمة كانت كبيرة عشان ناس كتير كانت بتمشي" استكملوا المسيرة حتى ظهرت لهم الحدود الرومانية في صباح يوم الأحد.
أعداد ضخمة من الطوابير سواء للأشخاص أو السيارات تقف على شاطئ البحر الفاصل بين أوكرانيا ورومانيا "نزلنا الأول اتمشينا حوالي 3 كيلو على رجلينا عشان نكسب وقت، ثم ركبنا (عبارة) بتعدي النهر لرومانيا، أول ما وصلنا سلمنا جوازات السفر " إجراءات طويلة خاضها الآلآف من الأوكران والأتراك والعرب وأبناء مصر "وفرلنا للبنات زمايلنا سكن يرتاحوا فيه، واحنا فضلنا على الحدود مستنين الورق يخلص" استغرق الأمر نحو 8 ساعات قبل الانطلاق إلى السفارة المصرية في رومانيا.
"السفارة وفرت مواصلات لحد المقر الخاصة بيها، استقبلونا بشكل جيد، وفروا مساكن لينا، بعض الناس اختارت تقعد في فنادق على نفقتهم الخاصة" كانت الحكومة المصرية تعمل على توفير طائرة إجلاء للمصريين العائدين من أوكرانيا "وبعض الناس حجزت على حسابها، كنا حابين ندي أكبر مساحة لباقي الناس اللي مش هتقدر تحجز" وخلال انتظاره موعد طائرته حرص الشاب المصري على الاتصال بصاحبة المنزل الذي يقطنه في أوديسا "قولتلها ياريت تأخدي الأكل اللي سبته في الشقة، هي أولى بيه في الظروف الصعبة دي" وجهت إليه الشكر على تلك اللفتة الطيبة".
عندما استقر عمر داخل الطائرة التي تنطلق إلى القاهرة استند برأسه ناحية النافذة غير مصدق للأحداث الغريبة التي دارت في الأيام الماضية "قبل ساعات بسيطة من الحرب كنا بنمشي في شوارع أوكرانيا ونخرج ونروح الجامعة والحياة كانت طبيعية" الآن لم يعد يعرف مصيره تجاه تلك البلد "معرفش هأقدر أرجع تاني أكمل تعليمي ولا لا" هدأت مشاعره عند وصوله إلى مصر والتفات العائلة حوله في منطقة المطرية "الحمدلله على الرجوع، ودلوقتي بحاول أكلم زمايلنا في كييف نطمن عليهم، وأحاول أنقلهم خبراتي في الخروج للحدود الرومانية".
فيديو قد يعجبك: