إعلان

غربتان ووباء.. كواليس أيام عزل الوافدين في عمارات "بن لادن"

04:03 م الثلاثاء 01 مارس 2022

حكايات طلاب الأزهر الوافدين داخل حجرات العزل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-محمود عبدالرحمن:

غلاف-مايكل عادل:

اجتمعت عليهم غربتان. الأولى حين تركوا بلادهم بحثا عن العلم في القاهرة. والثانية حين زارهم وباء كورونا، فأجبروا على البقاء في العزل. تمضي الساعات هناك ثقيلة، بفعل الملل ربما، وبفعل تبعات الإصابة بالجائحة التي ضربت العالم كله. وبين تلك الساعات والأيام كثير من التفاصيل، التي لا تنسى.

وسط عمارات "بن لادن" بمدينة البعوث الإسلامية، التي خصصت إدارتها عمارتين لغزل المصابين أو المشتبه بإصابتهم بـ"كوفيد 19" من طلابها الوافدين للدارسة بالأزهر، مع تفشي الوباء في مصر منتصف عام 2020.

العمارة الأولى، والتي تعرف برقم 3 خصصت لعزل الطالبات، بالمدينة التي تقع بمنطقة الدراسة، بوسط القاهرة، قضت فيها "كوموفا مريم"، الطالبة ذو الأصول الروسية 15 يوما بمفردها، بعدما عزلتها إدارة المبنى الذي كانت تقيم فيه عن زميلاتها، بنقلها إلى العمارة التي تم إخلاؤها من الطالبات لتصبح مكاناً للعزل، عقب التأكد من إصابتها بفيروس كورونا، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية المتبعة منعاً لانتشار الفيروس وحفاظا على سلامة الوافدات.

الصورة الأولى

"ما أصعب أن تظل وحيدا داخل مبنى خال من البشر لأيام"، تقولها مريم، متذكرة الثلاث ليالي الأولى في العزل، حين لم تذق طعم النوم، خوفاً من بقائها وحيدة في مبنى ضخم مكون من عدة طوابق، ومجبرة على البقاء في غرفة لا تتعدى الـ10 أمتار، ما سبب لها حالة نفسية سيئة بجانب معاناة الإصابة بمضاعفات الفيروس.

"كل الطلاب اللي في المدينة من دول مختلفة وليس لهم مأوى"، يقول اللواء إبراهيم الجارحي، رئيس قطاع مدن البعوث الإسلامية، متحدثا عن الطلاب الذين تقطعت بهم سبل العودة إلى بلدانهم، بسبب ما شهدته تلك الفترة من وقف حركة الطيران في أغلب دول العالم؛ من أجل محاصرة تفشي جائحة "كورونا"، على عكس الطلاب المصريين الذين اتجهوا إلى منازلهم للبقاء وسط أسرهم، لذا كان لابد من فكرة تخصيص مبنيين لعزل الحالات التي يشتبه في إصابتها أحدهم في المدينة الكبرى التي يقيم فيها الطلاب والصغرى التي تقيم فيها الطالبات، ويفصل بينهما شارع الفردوس الرئيسي، بمنطقة الدراسة.

الصورة الثانية

"في يوم وليلة لقيت نفسي مصابة"، تقولها مريم الطالبة بالفرقة الأولى بكلية الهندسة، وواحدة ضمن 4500 طالب وطالبة، وفدوا إلى مصر من 118 دولة أفريقية وآسيوية وغيرهما من قارات العالم، للدراسة في الأزهر ويقطنون في المدينة الجامعية التي بدأت في استقبال الطلاب الوافدين عام 1956. تتذكر عندما استيقظت أواخر ديسمبر الماضي، على إعياء مفاجئ؛ ارتفاع في درجات الحرارة وشعور بألم متقطع في منطقة الصدر. لتقرر زميلتها التي تشاركها الإقامة بالغرفة الذهاب معها إلى عيادة المدينة "الطبيب قام بتحويلي إلى المستشفى"، والتي اشتبهت عقب التحليل والفحص في إصابتها بفيروس كورونا، وضرورة خضوعها لفترة عزل منعا لانتشار العدوى بين الطالبات.

الصورة الثالثة

"كنت رافضة العزل لكن كنت مجبرة"، تستكمل مريم، تصف شعورها عقب عودتها بسيارة الإسعاف من المستشفى إلى المبنى الجديد الذي يبعد عن باقي مباني المدينة لبدء فترة العزل بمفردها، تقول "كنت مرعوبة من الخوف بجانب التعب"، وذلك لعدم اعتيادها على البقاء وحيدة في أي الأماكن، لكن ما كان يهون عليها تلك الفترة هو تواصلها المستمر مع زميلاتها طوال الليل عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتغلب على شعور الخوف المستمر "بتكلم معاهم فيديو كنت بحس أنى في أمان بعض الوقت".

يشرح الدكتور محمد عارف، أخصائي الأمراض الصدرية والطبيب المقيم بعيادة المدينة، طبيعة التعامل مع الطلاب في حالة الاشتباه بإصابتهم بفيروس كورونا، بتحويلهم إلى المستشفيات التابعة للأزهر الشريف وهما "الزهراء -الحسين-السيد جلال"، لإجراء التحاليل والفحوصات، وعقب التأكد من الإصابة يتم نقل المصاب بسيارة إسعاف إلى المبنى المخصص للعزل حتى الشفاء "بتابع مع الحالات اللي في العزل وإعطائهم بروتوكول العلاج المعتمد من وزارة الصحة".

الصورة الرابعة

"لم أعرف أنني مصاب سوى وقت إجراء المسحة"، يقولها عبد القدوس ثابت، الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية. قبل شهرين، انتهى عبد القدوس الوافد من دولة الصين للدراسة في الأزهر، من ترتيب حقائب سفره للعودة إلى أسرته، ليتفاجأ لحظة قيامة بالمسحة الطبية في معامل وزارة الصحة ضمن إجراءات السفر، بإصابته بفيروس كورونا، رغم عدم ظهور أي أعراض عليه، وبات مضطرا للخضوع لفترة عزل حتى الشفاء.

"أول ما رجعت المدينة دخلوني مبنى العزل"، يستكمل عبد القدوس، الذي قضى 15 يوما داخل عمارة "بن لادن" التي تم تخصيصها للعزل، نفس الفترة التي قضتها الطالبة الروسية "كوموفا مريم"، وكانت هذه الفترة سببا في حرمانه من لقاء أسرته بعد غياب دام لثلاث سنوات يقول "الفترة دي حرمتني من قضاء الإجازة مع أسرتي"، حاول وقتها إجراء مسحة طبية ثانية للتأكد من إصابته من عدمه، لكنه أصبح مجبرا على الاستجابة للعزل، نظرا لسوء الحالة المادية، "لم أخبر أسرتي بإصابتي بكورونا خوفا عليهم من تلقي الخبر.

الصورة الخامسة

حالتان يتم عزلهم في المبنى المخصص للعزل؛ الأولى عند ظهور الأعراض التي تشبه أعراض الإصابة بفيروس كورونا على أي طالب، والاشتباه في إصابته بعد تحويله إلى المستشفى، والثانية عودة الطلاب من بلدانهم الذين تأكدت إصابتهم عقب إجراء المسحة الطبية، بحسب ما يقوله اللواء إبراهيم الجارحي رئيس قطاع مدن البعوث الإسلامية، موضحا أن هناك العديد من الطلاب يرفضون الإفصاح عن شهورهم بأعراض الإصابة خوفا من العزل.

من شمال غانا، قدم محمد الشريف ومصعب عبد الجليل، لمصر قبل ثلاثة أشهر، للدراسة في الأزهر، بعد منحة مجانية حصلوا عليها. يقول محمد: "لما جينا مصر حصل تعب مفاجئ بسبب تغير الجو"، لكن إدارة المدينة قامت بتحويلهم إلى المستشفى. وطلب منهما قضاء فترة عزل للاشتباه في إصابتهم، أمر رفضه الاثنان، لكن مع إصرار الإدارة خضعوا للعزل.

الصورة السادسة

يقول إيهاب عبد المنعم، مدير إدارة شئون المناطق الخاصة بالتسكين والإقامة، إنه في حالة الاشتباه في أي طالب أو طالبة بالإصابة بفيروس كورونا يتم عزله إجباريا دون اعتبار لرغبته الشخصية، تنفيذا للتعليمات والإجراءات الاحترازية المتبعة في المدينة: "لو مصاب ممكن ينقل العدوى للطلاب كلهم"، يتذكر ذات مرة عندما تأكد إصابة 20 طالبا من دولة تايلاند من المقيمين بالمدينة عقب عودتهما من رحلة من الأقصر يقول "في ذلك الوقت تم عزل جميع الطلاب في الرحلة والمشرفين بالكامل".

ما عاشته مريم وعبد القدوس ومحمد ومصعب من فترة عزل، يعيشه حاليا صلاح الدين وأحمد، داخل غرفتيهما بمبنى العزل بعدما تأكد إصابتهم بالفيروس ويخضعون على أثرها لفترة عزل لمدة 15 يوما حتى يتم شفائهم.

الصورة السابعة

"الوقت لا يمر هنا في العزل"، يقولها صلاح الدين الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية والقادم من دولة تايلاند، يقبع الشاب في غرفته منذ 5 أيام في انتظار انتهاء الـ10 الأخرى حتى يعود إلى حياته الطبيعة من جديد: "أنا صحتي أحسن من الأول".

الاثنين الماضي شعر صلاح الدين صاحب الـ26 عاماً، بأعراض تشبه أعراض نزلة البرد المعتادة ليقرر إجراء الكشف في عيادة المدينة والتي حولته إلى مستشفى الزهراء "قالوا كورونا ولازم فترة عزل"، لذا أخطر إدارة المدينة وتوجه إلى المبنى المخصص لقضاء الفترة "لازم الحفاظ على سلامة زملائي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان