لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كاميرونيون في مصر: "لا يعرفون عنا شيئاً إلا الكرة"

04:13 م الخميس 03 فبراير 2022

كاميرونيون في مصر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

-مارينا ميلاد
- جرافيك/ مايكل عادل

ساعات تتسارع ثم تجري وقائع مباراة صعبة وفاصلة؛ يتواجه فيها منتخبا مصر والكاميرون في لقائهما الحادي عشر ببطولة كأس الأمم الإفريقية. ينتظرها "ماجير" بلا توقع.. وكعادة الشاب الكاميروني المُتيّم بكرة القدم؛ سيشاهد المباراة في المقهى. لكن هذه المرة لن يختار مقهى شعبيًا؛ إنما آخر عالي المستوى قليلاً ويعرف صاحبه، ذلك تجنبًا لفرص الشجار.

فالمنتصر على أرض ملعب "أوليمبي" بالعاصمة الكاميرونية "ياوندي" سيتجه نحو المباراة النهائية؛ مدونًا فصلا جديدًا يضاف إلى تاريخ مواجهات فريقين أحدهما حاز اللقب سبع مرات والآخر وصيفه وصاحب الأرض.. لكن "حسن" لم يعِر كل ذلك اهتمامًا كبيرًا؛ فالرجل المنشغل هنا بعمله يعتبر مكسب أي من الفريقين سواء؛ فعلى حد قوله "هذه بلدي التي ولدت فيها؛ وهذه بلدي التي عشت فيها عشر سنوات".

صورة 1 (1)

يوم التاسع من يناير الماضي؛ كان ماجير ماجير (24 عامًا)، وحسن بلو (38 عامًا) يقضي كل منهما يومه الروتيني؛ فالأول يذهب إلى كليته "الآداب جامعة الإسكندرية" التي يدرس فيها الفرنسية، والثاني يقضي وقتًا مع زوجته وابنه قبل أن يذهب إلى عمله باتحاد الإذاعة والتلفزيون كمترجم للغة "الفولانية" (إحدى لغات الكاميرون المحلية).

لكن كلاهما تابع ما يحدث في بلدهما الذي يحبس أنفاسه فرحًا وقلقًا. إنه حدث نادر وكبير لم يشهده منذ 50 عامًا.. فالكاميرون تستضيف بطولة كأس الأمم الإفريقية بعدما كادت الفرصة تُسحب منها. كما أن المباراة الأولى يلعبها منتخبها ضد بوركينا فاسو. وعلى الناحية الجنوبية الغربية، يهددها مسلحون في منطقة "ليمبي"، التي تشهد صراعًا منذ سنوات بين الحكومة وجماعات تسعى للانفصال، بينما يواصل متحور أوميكرون انتشاره ولم يواجهه سوى 2% فقط ممن تلقوا اللقاح.

وسط كل ذلك.. دخلت سيارة مكشوفة تحمل الرئيس الكاميروني، بول بيا، وزوجته إلى أرض الملعب المسمى باسمه. وقف الرجل الممتد حكمه منذ 40 عامًا ليبقى "الرئيس الأقدم في العالم"؛ يلوح للجماهير، معلنًا بداية حفل افتتاح البطولة في نسختها الثالثة والثلاثين.

جرافيك 1

من مدينة "دوالا" الساحلية الصاخبة ذات الأهمية الاقتصادية للكاميرون، خرج النجم الكاميروني صامويل إيتو بموهبته إلى العالم، وخرج أيضًا "ماجير" متجهًا نحو الإسكندرية، حيث حلم الدراسة بجامعتها كما فعل صديق له.

ومنذ هبطت طائرته في مطار برج العرب قبل 4 سنوات؛ لم يشعر لحظة أنه غريب– كما يقول: "الإسكندرية تذكرني بدوالا دائمًا؛ فتشبهها كثيرًا حتى في أمطارها الغزيرة".

صارت الإسكندرية مألوفة لـ"ماجير" وله فيها دائرة قليلة من الأصدقاء؛ يلعبون معا الكرة كل أسبوع بمنطقة أبو قير، ويشاهد رفقتهم مباريات هذه البطولة من البداية؛ والتي يراها "فرصة كبيرة للكاميرون ليكتشفها الناس لأول مرة".

صورة 2

وبالنسبة لحسن؛ فهي حقًا فرصة اكتشاف؛ إذ وجد خلال سنواته العشر بمصر أن المصريين لا يعرفون شيئا عن الكاميرون عدا الكرة: "أول شئ يقال لي هنا عندما يعرفون بلدي(إيتو) والكبار منهم يذكرون اللاعب (روجيه ميلا)".

لكن "حسن" لديه الكثير ليخبرهم به.

فالرجل القادم من الشمال تحديدًا من إقليم"أداماوا"؛ ينتمي إلى قبيلة "الفولانية" وهي قبيلة ذو شأن وسط أكثر من مائتي غيرها، لها لغتها الخاصة ضمن 240 لغة محلية يُنطق بها في الكاميرون بجانب اللغتين الرسميتين "الفرنسية والإنجليزية" – حسب موقع سفارتها بمصر.

ترك "حسن" كل ذلك، وجاء إلى القاهرة بمنحة للدراسة بالأزهر، الذي يعني لمسلمي الكاميرون الكثير.. فيتواجد 35 مبعوثا أزهريا في 22 مدينة وقرية كاميرونية– حسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية التي وضعت ذلك بمقدمة تعريفها للعلاقات بين الدولتين إلى جانب الشركات المصرية العاملة هناك في قطاعات البنية التحتية والطاقة والتجارة.

يقول حسن: "أصادف الكثير هنا لا يعلمون أن هناك مسلمين بالكاميرون.. والحقيقة أنهم نسبة كبيرة كما أن 90% منهم يتحدثون العربية ولمبعوثي الأزهر مكانتهم الكبيرة بيننا".

جرافيك 2

منذ قدومه إلى القاهرة؛ وينشغل "حسن" بعمله في الترجمة، وقد زاد عليه رئاسته لاتحاد طلاب الكاميرون في جامعة القاهرة.. يُقدر عدد هؤلاء بنحو 40؛ وهم أساس الجالية الكاميرونية في مصر غير المعلن إحصاء رسمي لها.

مرات عديدة؛ يهرب فيها "حسن" من صخب العاصمة والعمل، وينطلق بصحبتهم في رحلات إلى مدن مصرية أخرى؛ تثير شغفه وفضوله لاستكشافها جميعًا: سيناء، الإسكندرية، مدن القناة، والصعيد وصولا إلى الأقصر؛ التي اشترك فيها بندوة "شعب واحد.. نهر واحد".

يحتار في الإجابة عن سؤال: أيهم يفضل؟، ويرى أن كل مدينة لها ما يميزها عن غيرها؛ لكن الأهم في رأيه أنه صار يعرفهم عن ظهر قلب؛ حتى إنه تمنى أن يكون في الكاميرون هذه الأيام ليلتقي بالمنتخب المصري ويحدث أفراده عن محافظاتهم ليروا كم أنه يعرف بلدهم جيدًا.

لم يجد "ماجير" غرابة في أن يعرف الكاميرونيون عن مصر الكثير؛ ولا يحدث العكس. فيذكر على سبيل المثال؛ أنه يتابع نادي الزمالك منذ صغره ولايزال يشجعه.. لذا تفاجأ أن يظن أصدقاءه أنه سيشجع فريق كوت ديفوار في مباراتها ضد مصر بدور الـ16 خلال البطولة: "نحن نشجع مصر بالتأكيد والكثير منا يحفظ النشيد الوطني المصري".

أما "حسن" فيبتعد عن كل تلك الأحاديث لأنه ببساطة "لا يهوى الكرة" – كما يقول. وبحكم سنواته هنا؛ فيحكي أنه في الماضي كان وغيره يتعرضون للتنمر أو السخرية؛ وفي وقت مباريات مصر مع أي دولة إفريقية قد يتشاجر معهم بعض الناس دون أن يميزوا جنسيته. لكن الآن يشعر أن الوضع اختلف وصار أفضل كثيرًا.

صورة 3

25 يناير الماضي؛ كان يحمل أول خبر تعيس لـ"ماجير" و"حسن" من تلك البطولة السائرة على الأشواك.. فقُتل ثمانية أشخاص وأصيب العشرات في تدافع خارج ملعب "بول بيا" وقت مباراة الكاميرون وجزر القمر ضمن منافسات دور الـ16. ما أفسد سعادتهما بالفوز بهدفين مقابل هدف.

وعلى الرغم من عدم اكتراث "حسن" بالبطولة إلا أنه يتابع تلك الأخبار وما تأتي به منصات التواصل الاجتماعي. يرى الرجل أن الأخيرة تحمل الكثير من الخطأ على نحو يُظهر الكاميرون في صورة مغايرة. يقول: "أرى سخرية وصورًا غير صحيحة لانتقاد الإمكانيات والتنظيم.. هذا كله غير صحيح! نحن نجحنا والأمور تسير على ما يرام".

يكمل "حسن" مدافعًا عن بلده بشدة: "ليس لدينا اضطرابات تجعلنا غير مؤهلين لاستضافة هذه البطولة.. كل دول العالم يحدث فيها مشكلات وليس هناك أمن بنسبة 100%".

لكن "ماجير" يوجه انشغاله لما يحدث على أرض الملعب؛ فهو الذي يبقى ويُسجل.. يراهن على نجمي المنتحب الكاميروني "فينسنت أبو بكر وإيكامبي"؛ ليمهدا طريق الكأس أمامهم إلا أنه يخشى اللاعبين المصريين أمثال تريزيجيه وصلاح: "الأداء المصري تغير تمامًا في آخر مبارتين عن بداية البطولة.. أعتقد أن الأمر صار صعبًا علينا".

سيترك "حسن" مصر بعد عدة أشهر ويعود إلى بلده. الكاميرون التي عَرفتها سفارتها بمصر أنها "كل إفريقيا في بلد واحد!"؛ حيث امتدادها من الشواطئ الخصبة إلى المنطقة الرملية والقاحلة، وحياتها البرية الغنية، ومساحاتها الواسعة من الغابات.. يريد "حسن" أن ينقل لصغارها ما تعلمه: "أرى في عملي مدرسًا مُهمة كبيرة لتعليم الأطفال مبادئ الأزهر والإسلام الوسطي والتعايش".

على العكس كان "ماجير". فالشاب الذي يحكي ضاحكًا عن استمتاعه بالخبز المصري و"الطعمية" المميزة بالإسكندرية؛ سيبقى بعد تخرجه ويكمل دراسته حتى الماجستير.

وفي ذلك الموسم الجاف الممتد من شهر نوفمبر حتى مارس بالكاميرون؛ وهو ما وجده (الكاف) مناخًا مناسبًا لإقامة البطولة؛ سيسطع نجم فريق واحد ويحمل الكأس ليكتب مجدًا جديدًا في القارة السمراء.. لا يهم "ماجير" أن يكونوا هم الفريق المتوج؛ فقد كسب "صاحب الأرض والكرة" ما هو أهم: "لا أفكر في النصر بقدر أن هناك آلاف الأشخاص من بلاد كثيرة أتوا إلينا.. أتمنى أن يسعدوا ويذهبوا بأمان ليأتوا مرة ثانية".

فيديو قد يعجبك: