لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مائدة خالية من الأحبة".. حكاية "مريم" التي فقدت أسرتها في حريق "شقة المرج"

05:19 م الجمعة 30 أبريل 2021

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمود عبد الرحمن:

كانت لحظات ثقيلة وعصيبة مرت بها "مريم محمد"، حينما جلست الفتاة بمفردها على مائدة الإفطار في أول أيام شهر رمضان، على عكس ما اعتادت عليه خلال السنوات السابقة، حيث كانت تشاركها أسرتها الإفطار في أيام الشهر المبارك. لكن هذا العام اختلف كل شيء، بعدما فقدت صاحبة الـ 18 عامًا أسرتها المكونة من 5 أفراد "أب وأم وثلاثة أطفال"، واحدًا تلو الآخر أمام أعينها، بعد حريق التهم الشقة بسبب ماس كهربائي.

"من أسوأ اللحظات اللي مرت عليا في حياتي بعد ما كان ليا أسرة بقيت وحيدة"، تقول مريم، الطالبة بالثانوية العامة، بحزن، قبل أن تسترجع تفاصيل الحادث الذي لا تغادرها تفاصيله وما جرى في ذلك اليوم المأساوي.

الصورة الأولىفجر الثلاثاء، 26 يناير الماضي، استيقظت "مريم" على صوت استغاثة من أخيها الأصغر عمر "قومي الشقة هتولع بينا"، حاول الأب الوصول بأبنائه وزوجته إلى الغرفة الأبعد عن مصدر النيران بالشقة "جمعنا كلنا في الأوضة اللي على الشارع وكان بيحاول يدور لينا على أي مخرج"، تحكي مريم.

حاول الأب الوصول إلى باب الشقة -الواقعة في منطقة المرج-لفتحه، غطى جسده ببطانية وبعد خطوات قليلة، اشتعلت النيران في البطانية، فتركها الأب وعاد لأسرته في أحد أركان الغرفة، بينما كانت الأم تحتضن أطفالها. تقول مريم إن محاولات والدها لخروجهم من الشقة فشلت نتيجة تمدد الباب الحديدي الخارجي لباب الشقة الخشبي بسبب شدة النيران "الباب الحديدي ساح من النار"، لتبدأ استغاثات الأم وصغارها، عبر نافذة الغرفة، للمارين في الشارع "طلعنا من الشباك نصرخ بس محدش عرف يدخل من الباب".

"كلهم ماتوا قدام عيني"، تقول مريم التي رحل جميع أفراد أسرتها بسبب إصابتهم بضيق في التنفس، فيما ألقت مريم بنفسها من أعلى جهاز مكيف الهواء، المعلق أسفل شباك النافذة من الخارج، والذي وضعها والدها عليه لإنقاذ حياتها، ضمن محاولاته إخراج أفراد الأسرة هربًا من الموت "غمضت عيني ورميت نفسي وما حستشي بنفسي بعد كدا إلا وأنا في المستشفى"، لتبقى الناجية الوحيدة من الحادث الأليم، الشاهدة على لحظات رحيل ذويها "أخويا صرخ حد يطلعنا من هنا وبابا نطق الشهادة"، أعقبها حالة من السكون، عند تلك اللحظة انتهى كل شيء ومات أفراد الأسرة.

في الوقت الذي كانت فيه ألسنة النيران تتصاعد من الشقة، كانت "أم أحمد خطاب"، جدة "مريم" غارقة في نومها، قبل أن تتلقى مكالمة من حفيدتها "يا ستي احنا بنموت كلنا في حريق في الشقة"، صدمة وقلق كبير تملك قلب السيدة الستينية، لم تتمالك أعصابها هرولت مسرعة إلى مكان الحادث لتتفاجأ لحظة وصولها بزحام شديد وتصاعد النيران من كل مخارج الشقة "الناس كلها عمالة تتصل بالمطافي وهما ولا هنا"، ولم تكد تمر ساعة حتى أتاها الخبر على لسان ابنها "أختي وأولادها كلهم ماتوا مختنقين".

تحكي السيدة باكية: "صورتهم وهم على الأرض ميتين مش بتفارقني"، بعدما دخلت الشقة مع رجال الإسعاف بعد إطفاء الحريق، قبل أن يتم نقلهم إلى مستشفى اليوم الواحد بالمرج ومنها إلى مشرحة زينهم بالسيدة زينب "كنت حاسة أني في كابوس وهصحى منه".

الصورة الثانيةالسابعة صباح اليوم التالي، الأربعاء، استقلت مريم سيارة إلى مشرحة زينهم بالسيدة زينب برفقة أشقاء والدتها، لاستلام جثامين أسرتها لتشييعها إلى مثواها الأخير، لتطلب من أحد أقاربها السماح لها بإلقاء نظرة أخيرة على أفراد أسرتها قبل تغسيلهم وتكفينهم "أختي وأخويا كانوا جنب بعض اكنهم نايمين"، تصف تلك اللحظة وشعورها حينما نظرت إلى أختها الصغيرة "ريانة" التي كانوا قبل يومين يحتفلون بعيد ميلادها الأول "بدل ما أشوف أخواتي يوم فرحهم شوفتهم بالكفن".

داخل أركان الشقة التي تحولت إلى رماد عقب الحريق، جمعت "مريم" ما تبقى من متعلقات أسرتها، تقبض بيدها على بقايا صور كانت معلقة على جدار لم تطله النيران، تسترجع المواقف الأخيرة التي جمعتها مع أسرتها قبل الحادث، لعبهم وأحلامهم التي طالما خططوا لها "أخويا كان عاوز يبقى مهندس بترول وأختي دكتورة وأختي الثانية ضابطة شرطة"، تقول الفتاة.

الصورة الثالثة_1على طاولة واحدة في منزل أم أحمد "جدة مريم" اجتمعت عائلة مريم الذين جاءوا من عدة أماكن للإفطار مع الفتاة أول شهر رمضان، للتخفيف عنها مرارة الوحدة "كلنا مكسورين صدمة كبيرة" تقول نجلاء حافظ خالة مريم.

"عمري ما أنسى لمتنا في رمضان، كل حاجة راحت"، تقولها مريم، والدموع تغالبها، تسترجع ذكريتها مع أسرتها رمضان الماضي، حينما كانت تخرج مع أبيها رفقة أخوتها الصغار "عمر وريماس وريانة" الذين لا يتعدى عمر أكبرهم الـ 14 عامًا، حتى مطلع الفجر "كان بابا بيخرجنا في كل حتة".

الصورة الرابعة_2الإحساس بالذنب يطارد مريم من وقت لآخر ظنا منها بأنها تركت أسرتها عندما قفزت من الشرفة. الأيام الصعبة الثقيلة التي تعيشها الفتاة وحيدة منكسرة دون أسرتها، ومشاهد لحظات موتهم التي تؤرقها، يدفع الصغيرة إلى القول: "يارتني ما سبتهم، كان لازم أفضل معاهم، موتي أرحم من اللي أنا فيه حاليًا".

فيديو قد يعجبك: