من حرب أكتوبر لتعويم السفينة.. حكاية أب وابن جمعهما "انتصاران" في السويس
كتب- عبدالله عويس:
بطل من نسل بطل، ولكل معركته الخاصة. يشترك الابن مع الأب في عملهما بقناة السويس، ويشتركان كذلك في البطولة، فالأب أحد مصابي حرب أكتوبر عام 1973، والابن أحد المشاركين في تعويم السفينة الجانحة بقناة السويس عام 2021، وبطل إحدى أشهر الصور لعملية التعويم، وفيما يحسبه الناظرون لأول مرة غير مبال بما يحدث حوله، كانت تلك اللحظات استراحة محارب، تحقق له ولرفاقه بعدها النصر بتعويم السفينة، كما تحقق لأبيه ورفاقه حسم المعركة في الحرب المجيدة.
في عام 1967، التحق الأب عزت عبدالحميد بالعمل في هيئة قناة السويس، وبعد ذلك بعامين التحق بالخدمة العسكرية، حتى قامت حرب أكتوبر المجيدة، وكان حينها مجندا بسلاح الإشارة، وبينما كان يقف على برج مراقبة ضربت دانة مدفع المحيط الذي بمنطقة الشلوفة في السويس؛ ليسقط البرج والحوائط المحيطة به، ويصاب الرجل بنزيف في المخ، وتتأثر أذنه اليسرى بذلك، ويفقد السمع بها بشكل نهائي؛ لتكون علامة فخر له بين المحيطين به، وكان يردد باستمرار أنه فقد أذنه في حرب ستتذكرها الأجيال القادمة.
لم يترك عزت العمل في الهيئة إلا بعد خروجه إلى سن المعاش عام 2009، قبل أن يغادر الحياة في عام 2015؛ ليكون رصيد سنواته في الهيئة 42 عاما.
قصص تلك الحرب، كان الرجل يغذي أولاده بها، يحدثهم عنها، ويصطحبهم معه أثناء عمله أحيانا في قناة السويس، يحكي لهم عن أمجاد الجيل الذي سبقهم، وكيف حافظوا على الوطن، واستطاعوا حمايته في ظروف صعبة، وكان أحمد، نجله يستمع إلى تلك الحكايات ويطلب منه أن يعيد قصها عليه مرة تلو مرة، ولذلك حين عاد أحمد بعد ما يشبه المعركة مع السفينة الجانحة بقناة السويس، وجد أمه على الباب، وقبل أن يلقي السلام عليها أخبرته "اللي خلف ما ماتش".
بدأ أحمد عزت، نجل البطل، العمل في قناة السويس منذ 17 عاما، وهو فني على القاطرة "بركة 1"، يصلح المعدات ويقوم على صيانتها، وقبل جنوح السفينة بيومين كان يؤدي عمله، ولم يحصل على إجازة منذ ذلك التوقيت وحتى تعويم السفينة: "من يوم الأحد لحد يوم الاتنين شغال، وفي يوم الأحد اللي قبل التعويم كان بقالي 17 ساعة منمتش خالص، فريحت كده وصاحبي محمود عطية خدلي الصورة دي". يحكي أحمد، الذي كان عليه إصلاح بعض الأعطال في قاطرتين، وداخل المياه بما يصعب العملية تلك، بعكس ما إذا كان الإصلاح على الرصيف: "الواير اتقطع في القطارة الرئيسية وكان لازم أتدخل وأصلحه".
متكئا على القاطرة "بركة 1"، التقطت صورة للشاب، فانتشرت كالنار في الهشيم، بين ساخر بها ومستهزئ، لكن ذلك لم يشغل بال أحمد كثيرا، كان يحاول العمل قدر استطاعته ووفق القناعات التي تعلمها من والده، والتي كانت تتردد في رأسه طيلة فترة عمله: "كان دايما يقولي اهتم بشغلك ومتستصغرش المسمار، وشغل مخك عشان تسهل على نفسك".
عقدة الخواجة التي كانت محل حديث البعض، كانت بعض كلمات والد أحمد له، فكان يخبره على الدوام أن عليك تطوير نفسك، سواء بالتعليم أو بالممارسة: "وخدت ماجستير في إدارة الأعمال وبعمل دكتوراة دلوقتي، والحمد لله اللي عوم السفينة هم المصريون، فكان ده شيء هيسعد أبويا لو كان عايش".
48 عاما مرت، على انتصار الأب في معركة أكتوبر، ونجاح ابنه في معركته التي خاضها مع السفينة الجانحة بقناة السويس، وهو ما تذكرته والدة أحمد لدى دخوله المنزل، حين أخبرته أن "اللي خلف ما ماتش"؛ ليعتبرها الشاب أفضل تهنئة على الإطلاق في حياته، وأجمل وسام حصل عليه: "ووالله العظيم بعدها حسيت إن كل التعب هين، ومراحش هدر".
فيديو قد يعجبك: