لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

استقبلها شيخ الأزهر وكرمها علماؤه.. حكاية "سجى" أصغر كفيفة حافظة للقرآن في غزة

10:19 م الإثنين 22 مارس 2021

شيخ الأزهر والطفلة الفلسطينية سجى خلة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

عام انقضى على العدوان الإسرائيلي، غزة لا تستسلم وكذلك أهلها؛ في 20 أكتوبر 2009 يستقبل سعيد خلة وزوجته أمل مولودهما البكري، بعد ولادة قيصرية خرجت سجى إلى الدنيا. في المشفى ترى الأم طفلتها بأحضان شقيقة زوجها بينما تخبرها "عيونها زرق بس مو طبيعيين"، يحمل الأب صغيرته وقد علم ما بها من ولادتها كفيفة البصر، لم يأس سعيد، يُولى وجهه نحوها ويدعو ربه "اللهم علمها. اللهم بصرها. اللهم أعني على تعليمها". في الساعة الأولى لميلاد الابنة، يعزم الأب على رسم مستقبلها، يوقن أن "حياة سجى مالهاش وجود بدون علم. العلم هيصنعها". اليوم سجى في الحادية عشر من عمرها وقد ذاع صيتها داخل وخارج القطاع المحاصر حتى أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب استقبلها في مصر لنبوغها كأصغر كفيفة حافظة للقرآن في غزة.

1

وُهبت سجى الحياة في الحرب مرتين، الأولى حين علمت والدتها أن رحمها يحمل طفلة "كنت حامل فيها وقت حرب 2008 ومكنتش عارفة ولما خلصت بعد 21 يوم اكتشفت الموضوع"، أما الثانية ففي 2014 حين استُلهم الأب العزم على تحفيظ طفلته المصحف الشريف "كنا قاعدين بالبيت وفي قصف ورعب من حولنا قلنا نلهي سجى بالقرآن". كان ذلك في 11 يوليو من العام، بعد نحو ثلاث أيام من القصف الإسرائيلي على غزة الذي استمر قرابة 50 يومًا.

البيوت والشهداء يسقطون من حول منزل آل خلة في جباليا، لا عاصم من القصف المستعر، فيما يلوذ الأب بابنته وأسرته إلى تلاوة الآيات "كنا نستيقظ وننام على القرآن"، يبدأ سعيد بتحفيظ سجى سورة الرحمن "عروس القرآن" كما يصف، تتمها ذات الخمسة أعوام ومن بعدها أجزاء المصحف تباعًا من قصار السور إلى كبارها حتى تختم كتاب الله في غضون عامين.

يدون الأب مشواره مع صغيرته "بكتب السور والمتون متى بدأت وانتهت في حفظها"، يحفظ سعيد التواريخ عن ظهر قلب خاصة ذلك اليوم؛ الثلاثاء 16 يناير 2017، قبل صلاة الظهر، حين جلس والد سجى يستمع إلى تلاوتها الآيات الأخيرة في سورة البقرة وبالتالي ختمها للقرآن. حلت السعادة في دار خلة، عُلقت الزينات، وأقيم حفلاً ومأدبة طعام، دُعى إليها الأقارب والأصدقاء "دبحنا خروف وصنعنا جو من البهجة". ابهرت سجى الحضور لنباهتها اللافت المتجاوز طفلة في السابعة من عمرها.

2

مشوار طويل لوالدي سجى لم ينته؛ اتفق سعيد وأمل أن يحتضنا ابنتهما، رفضا أن تكون "عبء على الحياة ولا تعيش تحت شفقة الناس"، مع كل يوم يسقيا سجى بالتربية والعلم ويراها تكبر، احتضنا الشواهد التي تخبرهما أن صغيرتهما مميزة، تقول الأم لمصراوي إن سجى في عمر الثلاثة أشهر كانت تمسك زجاجة اللبن "الببرونه" بنفسها وتهدهد حالها في سريرها، حتى الحبو ما أطالته "تقريبًا مشت على طول" كما تحكي أمل مبتسمة.

اقتسم والدا سجى الأدوار، تتولى الأم شؤون المدرسة، فيما يتكفل الأب بتدريس الصغيرة العلوم الإضافية. بعد حفظ القرآن تأكد سعيد من نبوغ ابنته، ضاعف التحدي، قرأ معها ألفية ابن مالك وتفاجيء بقدرتها الاستعابية وحفظها للمتن وشغفها لمعرفة المزيد عن العلوم. كتاب تلو الآخر تنساب سطوره كالماء على لسان سجى حفظًا وفهمًا، ما بين أحاديث وأشعار وتفاسير.

كانت الحكايات والخيال وسيلة سعيد الحاصل على الدكتوراة في أصول الفقة المقارن لتبسيط الأمور لسجى، يتذكر الأب يوم أن أراد إخبارها عن الفعل المبني للمجهول "حكيت لها أن في فعل قال بدي يصير لي نائب فاعل. طلع له فعل حكى له بديش نائب يتكبر على الفعل خلاص اتحول للمجهول"، يحكي الأب بينما تواصل سجى الحماس "كمل كمل"، ومعها تنشرح روح سعيد.

تربى سعيد على منهج الأزهر، درس في الجامعة الإسلامية بغزة، تمنى لو التحقت ابنته بمدرسة أزهرية، لكنها انضمت لتعليم خاص بالمكفوفين، غير أن سعيد لأعوام تعامل معها "كأنها في مدرسة أزهرية". تعرف سجى ما يعرفه الطلاب في مثل عمرها بل أكبر "ألفية ابن مالك ينهيها طلاب الأزهر في عمر أكبر من هذا".

لا تخلو حياة صغيرة غزة من المرح كأي طفلة وليس كما يظن البعض. وضع الأبوان نظام لابنتهما، بعد العودة من المدرسة في الثانية ظهرًا ترافقها الأم اعتناءًا بالواجبات والراحة، وعقب المغرب يحين دور الأب لنحو ساعة أو اثنين، يجلسا للتدارس والحكايات ثم ختامًا يكون اللعب في منزل العائلة قبل النوم لاستقبال يوم جديد.

3

لا يحمل الأب ابنته أكثر من عمرها "الناس تعتقد أنها ما تتنفس من كتر العلم هذا غير صحيح. أنا بقتطع أجزاء بسيطة من وقتها". يحكي سعيد عن طقس يومي اعتاده مع سجى؛ في السابعة الصباح بينما يقلها إلى محطة انتظار حافلة المدرسة، يصللا قبل ربع ساعة من الموعد، يجلسا معًا في الموقف "أقعد وياها أحفظها. أتتمنا سورة البقرة، يوم حفظ. يوم إعراب، ويوم الألفية"، يبتسم الأب فيما يتذكر مرور الطلاب والعابرين عليهم "كانوا يتعجبوا إيش يعملوا هدول اتجننوا"، لكن مع أول ظهور إعلامي لسجى في غزة عام 2017 علم الكثير ما كان يدور "كانوا يقولوا هاي البنت اللي كانت تقعد مع أبيها في الموقف".

لفتت سجى الأنظار في غزة منذ 2015، اشتركت الصغيرة في مسابقة للقرآن الكريم وهي بالخامسة من عمرها، تفوقت حينها على أخرين بلغت أعمارهم العشرين عامًا كما يقول الأب. تداول العديد اسمها كنموذج ملهمًا جديدًا يخرج من ظلمات القطاع المحاصر، استقبل آل خلة العديد من القنوات الإعلامية الدولية، لكن لم يؤثر ذلك على مسيرة الوالدين مع ابنتهما، فقط وجدوا فيه دعمًا واستجابة الله لدعوة سعيد الأولى لصغيرته.

4

واصل سعيد رحلته مع ابنته، وفي نهاية شهر فبراير مع تجدد فتح معبر رفح، قرر الأب اصطحاب أسرته إلى مصر للعلاج الطبي من أجل سجى، وبينما يتابعون برنامج الزيارة من جولات الاستشفاء والتنزه، توجه الأب وصغيرته إلى الأزهر، رغبت ذات الحادية عشر عامًا في لقاء الإمام الطيب.

لم يعرف سعيد مستحيلاً، أجرى الخطوات المتبعة للمقابلة "كتبت طلب وتركت سيرة ذاتية عن سجى"، فعل مرة ثم أخرى، وفي المحاولة الرابعة تحققق المراد "دخلنا في نفس اليوم رغم أن بسبب ظروف كورونا ممكن يتحدد موعد بعد شهر"، لكن مع الرابعة عصر الحادي عشر من مارس الجاري التقت سجى بشيخ الأزهر.

في مكتب الإمام الطيب ضاعت الكلمات من سجى، صمتت خجلاً رغم فصاحتها وتركت لابيها مبلغ الحديث. اكتفت الصغيرة بفرحة عارمة أسرتها في نفسها، وإجابة عن أسئلة شيخ الأزهر الذي ضاعف سعادتها بإخبار والدها "إن سجى تحتاج إلى مشايخ أكثر وأنه مستعد لتذليل كل الصعاب في مسيرتها العلمية".

5

تحمل سجى مسيرة النساء في أسرتها مع القرآن، تفخر أمل أن ابنتها تعد الفتاة الخامسة في عائلتها التي أتمت الحفظ وفي عمر أصغر ممن سبقها. مثل لحظة ختم المصحف ومقابلة شيخ الأزهر ما يهون على الأم ما عانته وتواجهه أحيانًا. لم تكن الصغيرة كما هي عليه الآن "كانت تخاف من كل الناس كنت أشوفها في المدرسة لا تتحرك مثل كل الأطفال". حزنت الوالدة أوقاتًا لكن بمثابرة تجاوزت بابنتها، تتذكر ذات التاسعة والعشرين ربيعًا كم وجدت نفسها وحيدة مع زوجها للتعامل مع طفلتها "عندنا بغزة مؤسسة للمكفوفين لكما حسيت إن ما في حد يساعد ويشرح. أنت اللي تكتشفي الطريقة كيف ما بدك".

بالتجربة وفطرة الوالدين وجدا سعيد وأمل السبيل لقلب ابنتهما الكبرى، لم يتعاملا معها يومًا على أنها كفيفة، تكبر سجى وتتحسس خطاها لتسند أبويها "تتكفل الآن بتحفيظ شقيقتها الصغرى القرآن"، فيما تقر عينهما بالتفوق الدراسي والروح البشوش، ترى الأم أحيانًا صغار وكبارًا يتفقدون صغيرتها، يمعنون النظر في وجهها ثم يحكون كلمات قاسية "عيونها بتخوف"، تحزن سجى، تلح في السؤال عن عينيها، لكن أمل باتت تعرف الطريقة "عيونك يا ماما زرق حلوين ما حدا يملك متلهم". تنسى الطفلة الفلسطينية وتكمل المشوار مع أبيها للتعلم.

مؤخرًا أتمت سجى دراسة وحفظ متن كتاب جوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون في علم البلاغة. قبل أيام عادت سجى وأسرتها إلى غزة، تحمل في حقائبها زاد من محبة ودعم بلقاء شيخ الأزهر وتكريم عدد من الأساتذة الأزهريين، فضلاً عن فرحة بالسفر لأول مرة خارج القطاع المحاصر، تعود الطفلة الفلسطينية إلى مدرستها وبرنامجها، لا يبرحها حلم تكرره على مسامع أبيها "بدي أصير محاضرة في جامعة الأزهر أو داعية".

6

فيديو قد يعجبك: