لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بين الحياة والموت.. أهالي مصابي حريق العبور: "نفسنا أولادنا يتعالجوا" (صور وفيديو)

01:43 م السبت 20 مارس 2021

أهالي مصابي حريق العبور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمود عبد الرحمن:

داخل غرفة بمنزله الواقع بمدينة "مشتول السوق" بمحافظة الشرقية، استلقى "علي أيمن" على سرير، ملامحه ساكنة، وجسده مُنهك، يلف "الشاش الطبي" أصابع يديه، وغطى وجهه كقناع أخفى ملامحه، يرتفع صوت أنفاسه المُنهكة بين حين وآخر، بالكاد يستطيع الحديث "الجثث المتفحمة كانت في كل حتة شوفت الموت بعيني"، يقول صاحب الـ16 عاماً، عن حريق مصنع العبور الذي كان أحد مصابيه.

أُصيب "علي" بحروق متفرقة في جسده، نتيجة الحريق الذي التهم مصنع الملابس الذي يعمل به الصبي، في منطقة حي إسكان الشباب بالعبور، صباح الخميس 11 مارس الجاري، وراح ضحيته 20 شخصاً، فيما أصيب 22 آخرون.

الصورة الأولى

في السادسة صباح الخميس، استيقظ علي استعداداً للذهاب للعمل في مصنع للملابس الجاهزة، ارتدى ملابسه وانتظر خارج منزله حتى تمر عليه سيارة تقله وثلاثة من أبناء عمومته وبعض شباب المنطقة محل إقامته إلى المصنع، كعادتهم كل يوم عمل، على أن تعود بهم السيارة مرة أخرى إلى منازلهم بحلول المساء، غير أن ذلك لم يحدث.

فعقب ساعتين من بداية العمل، حدث ما لم يكن متوقعاً، تصاعدت أدخنة كثيفة من الطابق السفلي للمصنع المكون من 4 طوابق على مساحة 2000 متر "الدخان بقى زي الغيم في السماء"، بعدها بدقائق قليلة، هز صوت انفجار أرجاء المنطقة "الانفجار كان من الدور الأرضي من مخزن المواد الكيماوية"، يحكي "علي"، وهو ما كشفته المعاينة المبدئية لموقع الحريق، حيث أكدت أن غازات صادرة عن مواد كيماوية، في مخزن المصنع، تسببت في حدوث انفجار، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا والمصابين.

قبل شهرين بدأ "علي" عمله، بالمصنع، بعد اقتراح من أحد أصدقائه، أراد الصبي تحمل نفقاته الخاصة ومساعدة والده الذي يعمل سائق سيارة "سوزوكي" هي مصدر الدخل الوحيد للإنفاق على أسرته المكونة من خمسة أفراد "قالي يا بابا هشتغل عشان أساعدك في المصاريف واشتري كل حاجة لنفسي"، يقول أيمن والد الصبي.

يوم وقوع الحريق، كان والد "علي" في طريقه إلى إحدى المناطق لنقل بعض العمالة لأحد المصانع المجاورة للمصنع الذي يعمل به ابنه، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية من صديق لنجله، يخبره بنشوب حريق بالمصنع الذي يعمل به "علي" وسقوط عدد من الوفيات والمصابين "قالي في مخزن مواد كيماوية انفجر بالمصنع وناس كتير ماتت"، تلبّس الفزع الأب، ظل يهاتف ابنه لكن دون فائدة، هرول ناحية المصنع ليجد ابنه في حالة إعياء بجانب سور المصنع، فسارع لإنقاذه.

الصورة الثانية (2)

يتذكر الرجل الرحلة المأساوية التي خاضها حاملاً ابنه المصاب جراء الحريق، من مستشفى إلى أخرى أملاً في إسعافه "روحت مستشفى حلمية الزيتون بعد ما عملوا الإسعافات الأولية طلبوا مني إيداع 25 ألف جنيه"، وذلك مقابل احتجاز الطفل لمدة 24 ساعة داخل المستشفى "الحالة المادية على قدها"، واضطر للبحث عن مستشفى آخر "روحت كذا مستشفى بس مفيش أماكن"، لينتهي به الحال داخل منزله والاتفاق مع أحد الأطباء لمتابعة حالة الصبي "كل يوم بدفع 800 جنيه غيارات وشاش وقطن وغيره"، متسائلا عن التعويض الذي تم إعلانه للضحايا والمصابين "من يوم الحريق محدش سأل علينا".

مخزن المواد الكيماوية الذي تسبب في اشتعال الحريق بحسب المعاينة، اشتكى منه العديد من العاملين بالمصنع، نتيجة الروائح التي تتصاعد منه من وقت إلى آخر وتسبب لهم صعوبة بالتنفس مع ألم بالصدر، بحسب ما يقول محمد أحمد، أحد مصابي حريق العبور "لما كنا نشتكي من الرائحة كانوا في المصنع يقولوا اللي مش عاجبه يمشي".

الصورة الثالثة_1

منذ عمل "محمد" بالمصنع وهو يشتكي إلى أسرته نهاية كل يوم عمل من استنشاقه رائحة غريبة تتصاعد إليهم من الطابق الأرضي أسفل المصنع، وفي كل مرة يسأل حارس المصنع يخبره بأنها رائحة المواد المستخدمة في صبغة الملابس "الرائحة كانت صعبة مقدرش أشتغل من غير الكمامة"، وعلى الرغم من اتخاذه قرار مغادرة العمل عدة مرات نتيجة الأضرار التي تسببها تلك الرائحة لم يغادر لعدم وجود عمل آخر "كنت ناوي أسيب الشغل في المصنع آخر الشهر"، فوقع الحريق ليعجل بالأمر.

"زوجي مصاب وما بين الحياة والموت"، قالتها أميرة إبراهيم، التي قضت ليلة عصيبة خلف أبواب غرفة الرعاية المركزة بمستشفى السلام التخصصي بعد وقوع الحادث، للاطمئنان على زوجها "محمود محمد" الذي يعمل مشرف إنتاج بالمصنع، وطاله الحريق، ساءت حالته الصحية نظراً لارتفاع نسبة حروقه إلى أكثر من 65% وتعرضه لتشنجات بصفة مستمرة، وفق ما قال الطبيب المعالج للزوجة "بدعي من ربنا يعيش عشان أولاده الصغيرين" تقول أميرة.

الصورة الرابعة

مساء الأربعاء يوم ما قبل الحريق، تلقت أميرة اتصالا هاتفيا من زوجها يخبرها بعدم عودته إلى المنزل واستمراره بالعمل حتى اليوم التالي كـ"شفت إضافي"، يزيد من راتبه نهاية الشهر لسد الأقساط المتراكمة عليهم "بيقعد في الشغل باليومين أهي حاجة تزود الدخل"، لتفاجأ أميرة صباح الحادث من أحد الجيران يخبرها بنشوب حريق بالمصنع الذي يعمل به زوجها "قالوا المصنع اللي فيه جوزك حصل فيه انفجار"، نزل الخبر عليها كالصاعقة، ولم تدر ماذا تفعل. استقلت سيارة من محل إقامتها متجهة إلى المصنع ليخبرها رجال الأمن بنقل المصابين والجثث إلى عدة مستشفيات.

يلتقط منها السيد محمد، أخ "محمود" والمرافق له بالمستشفى، مبديا غضبه عن سوء الرعاية الصحية التي يعاني منها أخوه منذ دخوله المستشفى "أنا اللي بغير ليه في الرعاية وأنا اللي بعمل ليه كل حاجة"، موضحًا أنه منذ احتجازه بالرعاية وحالته تزدادا سوءا يوما بعد يوم" في المستشفى مفيش حد يهتم"، متمنيا أن يتم تحويل المصابين إلى أي المستشفيات المتخصصة في الحروق لمتابعة حالتهم الصحية قبل التدهور "مش عاوزينهم غير يتعالجوا".

الصورة الخامسة

بداخل منزل "معاذ" أحد ضحايا الحريق الذي علقت على واجهته عدد من اللافتات تحمل اسم الشاب وأبناء عمومته ضحايا الحادث، التف مجموعة من النساء المتشحات بالسواد من أهالي المنطقة والمناطق المجاورة حول "هاجر أسامة" زوجة معاذ الذين جاءوا لمواساتها، في رحيل زوجها، تسرد لهم الزوجة الأحاديث الأخيرة التي كانت بينها وبينه، ومن حين لآخر يعلو صوتها مرددة "ساب ليا طفلة مين يربيها بعده".

الصورة السادسة_2

لا يقتصر حزن الزوجة على فراق زوجها فقط "مين هيصرف عليا وعلى بنته بعده"، متسائلة عن حالها وحال طفلتها بعد موت زوجها المصدر الوحيد لها ولابنتها. متمنية أن يتم توفير أي عمل لها أو مصدر دخل شهري يغنيها عن السؤال "أو يتم صرف التعويضات التي تم الحديث عنها".

"لسه متزوج من سنتين ومعه طفلة 6 شهور"، يقول هاني عبد الحميد، والد معاذ الذي ظل واقفا داخل شقة ابنه يشير بيده إلى صورة زفافه المعلقة على أحد الحوائط يصمت الرجل قليلا ثم يتمتم له بالدعاء "ربنا يرحمه ويصبرنا على فراقه".

فيديو قد يعجبك: