لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مريد البرغوثي وفلسطين.. وداع أخير للحبيبة الأبدية

01:05 م الإثنين 15 فبراير 2021

مريد البرغوثي

كتبت- هبة خميس:

أحب عنادك الجبلي يا وطني

أضم جبينك المهموم في صدري ولا أشقى

ولا أبكي لأن مراكب الإنقاذ زادت قوائم أهلك الغرقى

ولا أبكي انقضاء الأمس يا وطني

وإنّا دائما نمضي

وأنك دائما تبقى.

علاقتنا بوطننا علاقة طويلة ممتدة منذ الميلاد حتى الموت، غائرة في قلوبنا بكل ندباتها وأوجاعها تشكل تكويننا وصفاتنا وطبائعنا ولغتنا وديننا طوال حياتنا.

علاقة مراوغة تلك التي جمعت الشاعر الراحل مريد البرغوثي بوطنه فلسطين، فهو فلسطيني الميلاد والمنشأ لكنه منع من دخول وطنه لسنوات طويلة قضاها مشتتاً ليظهر ذلك في أشعاره الكثيرة حول وطنه الذي ارتبط به دون وصال.

ولد الشاعر مريد البرغوثي في قرية "دير غسانة" التابعة لمدينة "رام الله" بالضفة الغربية عام 1944 قبل النكبة الفلسطينية بأربعة أعوام لينشأ في ظلها ويشهد انكسار وطنه وتشتت الأهل والأقارب من حوله.

في عام 1963 التحق "البرغوثي" بجامعة القاهرة بكلية الآداب لحبه في الأدب والشعر طوال حياته وعلى سلالم الجامعة التقى بحبه الأول والأخير الكاتبة المصرية الراحلة "رضوى عاشور" ليجمع بينهما حب الأدب والإخلاص له طوال حياتهما.

صورة2

“أنتِ جميلة كوطن محرر

وأنا متعب كوطن محتل

أنتِ حزينة كمخذول يقاوم

وأنا مستنهض كحرب وشيكة

وكلما التقينا

تحدثنا بلا توقف، كمحامييْن

عن العالم

الحب والوطن هما ثنائية تتردد باستمرار في أشعار مريد البرغوثي، معنى واحد مترابط فوطنه الذي رحل عنه للدراسة حينما حاول الرجوع إليه أغلقت الأبواب أمامه.

في عام 1967 تخرج من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وفي نفس العام احتلت إسرائيل الضفة الغربية، ومنعت الفلسطينيين خارجها من العودة إليها؛ حُرم "مريد" من العودة إلى وطنه لمدة وصلت إلى ثلاثين عاماً.

تلك التجربة كتب عنها في كتابه الشهير رأيت رام الله: "نجحت في الحصول على شهادة تخرجي و فشلت في العثور على حائط أعلق عليه تلك الشهادة".

صورة 3

ثلاثون عاماً قضاها "البرغوثي" بعيداً عن الوطن بين مصر والأردن والكثير من العواصم واستقراراً مزعوماً في مصر، اهتز عقب معارضته لقرار الرئيس الراحل السادات بزيارة إسرائيل، ليُنفى "البرغوثي" من مصر بعيداً عن أسرته الصغيرة المكونة من رضوى وابنهما تميم.

عاش "البرغوثي" حياة كاملة يزرع الوطن في كل قصائده إلى أن كتب كتابه الشهير "رأيت رام الله" عقب رحلة متأخرة مع ابنه "تميم" لمدينة "رام الله"، بعد غياب طويل ليعيد علاقته بالمكان الذي يسكن قلبه.

صدر الكتاب عام 1997 وحصل على جائزة نجيب محفوظ للأدب. يستهل "البرغوثي" كتابه بالجسر الخشبي الذي يمثل غصة في قلب كل الفلسطينيين وينقل لنا كل تلك المشاعر المتعلقة به، فيروي في الكتاب "ما أتذكره مشهدي هنا تترجرج فيه مشاهد عمر، انقضى أكثره في محاولة الوصول إلى هنا، ها أنا أقطع نهر الأردن. ورائي العالم وأمامي عالمي".

تُرجم الكتاب لكثير من لغات العالم ليصبح أشهر ما كتب عن الاغتراب الفلسطيني معبراً عن شعب بأكمله لا يستطيع العودة لموطنه.

بعد صدور الكتاب بسنوات لم يكمل "البرغوثي" جزئه الثاني إلا في عام 2011 حيث أصدر كتابه "ولدت هناك ولدت هنا" ليستكمل سيرته الذاتية وذاكرته حول الوطن ورحلته خارجه وكيف عاش كل تلك السنوات بعيداً لا يعرف طريق العودة.

لم يكتفِ "البرغوثي" بالشعر وحده ليدون تجربته فكتب سيرته في الكتابين، قصّ علينا تفاصيل من حياته التي مازلنا حتى الآن نقتبس منها حينما نشعر بالاغتراب.

صورة 4

ودعنا "مريد البرغوثي" أمس ليرحل عن عالمنا ويلحق بشريكة حياته الراحلة، تاركاً لنا إرثاً غزيراً من الشعر والذكريات عن فلسطين حبيبته الأولى.

لكن هي الأرض، ما من سواها لنا

ولنا أن نعيش هنا، هكذا، مثلنا

مثلَ من لاحقوه طويلًا

وما عاد من مخرجٍ عندهُ غير أن يستدير

واقفًا .. في مواجهة الهول ليتدبّر أمر النجاة

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان