مرحبًا في الـ"مُنتزه".. معرض فني عن الأخطاء الطبية
كتبت- شروق غنيم:
"استيقظنا في يوم لنجد أن أحد الأصدقاء المُقيمين في ذات الغرفة كان قد ذهب. بدون تردد وبسرعة ركضنا نحو الثلاجة لنأكل جميع ما تُرك من مثلجات! أخذت حصتي بحماس وبدأت في أكلها مستلقيًا على سريري، ناظرًا نحو النافذة، لأجد الذبابة التي كنت اراقبها ليلة أمس الممطرة وهي واقفة منشكحة كعادتها.. قد ذهبت هي الأخرى".
على حائط أبيض، وداخل غُرفة مُفعمة بألوان النيون الساطعة والباردة، كتب ٍعمر جبر سردية معرضه الجديد "مُنتزه"، مُتلاعبًا بالأماكن ومُتحررًا من الكتابة بشكل مباشر عن أفكار لوحاته المتراصة، ليرصد بشكل كوميدي غير ضاحك فكرة الأخطاء الطبية التي تحدث للأشخاص بشكل عشوائي، وكيف يتفاعلون مع الأمر.
يبدأ المعرض بعبارة "مرحبًا" مُضيئة بألوان مختلفة تلتف حول لوحة لكائن غريب الأطوار، لتُمهد لرحلة غير متوقعة داخل عقل الفنان الشاب. في غرفتين مختلفتين يستعرض عمر جبر لوحاته، كل غرفة تحمل مضمون.
المساحة الأولى خُصصت للتجربة داخل المستشفى نفسها، يتوسطها تمثال باللون الأزرق يتكئ على عصا، بينما اللوحات تُعبر عما يحدث خلال فترة العمليات الطبية لكن بشكل عشوائي، من خلال تجارب اقترب منها الفنان الشاب.
"حاولت أعمل دمج بين الطبخ وأشلاء الإنساء وأعضائه.. بدل المشرط وأدوات العمليات حطيت سكاكين ومقصات.. وبدلت الأعضاء بعناصر من الطبخ؛ محشي وطماطم وبيض". في تلك المساحة حرص عُمر على أن تكون كل الأجواء مُعبرة عن الفكرة "اشتغلت على أن الأوضة تكون أسقع والإضاءات قوية شبه المستشفيات عشان اللي بيتفرج يدخل في الموود"، لذا كانت تلك المساحة أكثر صدمة وتشتيتًا وقسوة كما يحكي جبر "عشان يحصل صدمة وينتبهوا للموضوع".
في الغرفة الأخرى ثمة مضمون مختلف، إذ يُعبر عن الجزء الثاني من التجربة بعد الخروج من المستشفى والتأقلم مع التغييرات التي تطرأ على أجسامهم جراء خطأ طبي. في اللوحات يظهر الأبطال تكيفهم مع الوضع بشكل بارد وكوميدي "كأنهم مش حاسين بالتغيير ومتعايشين مع الوضع.. بصورهم وهما على الشاطئ بيتفرجوا، أو بيضحكوا في الجناين".
لكن رغم ذلك تحتوي اللوحة على عنصر يوضح بشكل صارخ التغير الذي طرأ "في البورتريهات دي حاولت أن يحصل تباين بين تعبيراتهم وشكل جسمهم، لأن ده السؤال اللي بحاول اطرحه في البورتريهات؛ هل هو متأقلم فعلًا مع الوضع الجديد؟ ولا في حالة تخدير مش قادر يستوعب التغييرات في جسمه".
على مدار أيام المعرض حرص عُمر على التواجد، يجاور الجمهور، يلتقط ردود أفعاله ويجري أحاديث معهم حول الفكرة نفسها ويستزيد في شرحهها "أغلب المعارض اللي عملتها كنت بسيب المتفرج مع الحالة نفسها، أو زي ما يشوف اللوحة براحته، بس المعرض ده بالنسبة لي قضية أكبر، كنت حابب أقف وأتكلم مع كل واحد".
ردود فعل مختلفة استقبلها، ما بين الدهشة من التقنيات المُتعددة التي استخدمها خلال معرضه الفردي الثاني، أو حكايات من أشخاص مروا بالتجربة نفسها ومستهم اللوحات "في حد قالي عيط قدام لوحة عشان حصله تجربة سابقة"، فضلًا عن فنانين أُعجبوا بالطريقة التي عمل بها عُمر لتناول فكرته فنيًا، وأن الطريقة جديدة على المشهد الفني في مصر.
مع قتامة الأفكار إلا أن عُمر استعرضها بشكل كوميدي "الأول الناس بتقف وبتضحك قدام اللوحات، لكن لما بيفهم السياق بيبقى في صدمة بالنسبة لهم، وأنه مش مفروض نضحك أصلًا". اعتمد الفنان الشاب على تلك الفكرة من أجل إحداث صدى نفسي أكبر داخل المُتلقي.
يُعتبر "مُنتزه" المعرض الثاني الفردي لعمر جبر، انشغل بالفكرة منذ عام 2016، وعلى مدار تلك السنوات ظل يطور في الأسلوب والأفكار، يتفاعل أكبر مع تجارب مختلفة مرت بخطأ طبي، ومع عرضه خلال الشهر الجاري إلا أن الفكرة لا تزال تختمر أكثر بداخل عقله "المعرض فتح لي سكة التفكير ليه الإنسان بيتأقلم مع أي وضع وبيتعايش في الأخر حتى لو الوضع مسه شخصيًا أو جسمه.. ودي التساؤلات اللي هتخليني أكمل المشروع بشكل مختلف".
لم يدرس عُمر الفن بشكل أكاديمي، بدأت رحلته عام 2016 من خلال تجريب خامات وتقنيات فنية متعددة، لم يُحب صاحب الـ22 ربيعًا التعلم بالشكل التقليدي حتى لا يتعلق بأسلوب فني واحد، بل يعتمد على الممارسة والرسم أكثر ومتابعة مدارس مختلفة في الفن، وشارك في عدد من المعارض الجماعية محليًا ودوليًا في لندن ومراكش.
فيديو قد يعجبك: