كيف غيّر "آرون بيك" مسار الطب النفسي حول العالم؟ (بروفايل)
كتبت- هبة خميس:
مطلع نوفمبر الجاري، فارق عالم علم النفس "آرون بيك" الأمريكي الحياة، والذي يعتبره الطب النفسي والد العلاج المعرفي السلوكي وهو العلاج المستخدم لعلاج عدة أمراض نفسية أهمها مرض الاكتئاب.
في أثناء عمله مع المرضى لاحظ "بيك" على مرضى الاكتئاب حاجة ملحة إلى المعاناة في كل شيء، كما لاحظ أن المرضى يسقطون غضبهم من الناس والأشياء على أنفسهم ، ليقرر "بيك" عمل التجارب على مرضاه ليظهر أحلامهم وتصوراتهم الذاتية عن أنفسهم ليكتشف صورتهم المشوهة عن ذواتهم، ويكتشف أن المرضى سعوا إلى التشجيع والدعم بدلاً من البحث عن المعاناة مثلما كانوا، لتكون تلك التجارب بذرة نظريته عن مرض الاكتئاب وخطوة في رحلة العلاج المعرفي.
ولد "بيك" عام 1921 في الولايات المتحدة الأمريكية لأسرة مهاجرة من اليهود الأوكرانيين وسط أربعة أطفال، في عام 1942 تخرج "بيك" بامتياز في جامعة براون وحصل على الجوائز في الخطابة والتحرير لكنه بعدها بسنوات التحق بكلية الطب بجامعة ييل عام 1946 ليتخصص في علم الأعصاب الذي أحبه وقرر دراسته بشكل موسع.
في بدايات دراسته واجه "بيك" الإحباط بعد تلقي دورات في التحليل النفسي والذي لم يكن علماً مقنعاً له، لكن بعد إكماله الدراسة أصبح مفتوناً بالمنهج وظل يبحث فيه لسنوات طويلة، وإثر قربه ومحبته للتحليل النفسي اتجه "بيك" للطب النفسي، وتم تعيينه طبيباً في مستشفى خاص للأمراض العقلية في ولاية ماساتشوستس ، كانت المستشفى مركزاً لعلماء النفس والأطباء النفسيين.
خلال فترة الخمسينات اكتفى "بيك" بنظريات التحليل النفسي، لكنه احتفظ بشكوكه وتجاربه لنفسه، لكنه بسبب منهاجه المختلفة تكونت عداءات بينه وبين زملائه للدرجة التي جعلت معهد التحليل النفسي يرفض طلب عضويته عام 1960 مشككين في مزاعم علاجه القصير نسبياً.
إثر تلك الخلافات طلب "بيك" ‘جازة لمدة خمس سنوات يقضيها في علاج مرضاه بعيادته الخاصة ليركز على تجاربه وأبحاثه عن مرض الاكتئاب، التي من خلالها قسم أفكارهم السلبية عن أنفسهم لثلاثة أقسام؛ أفكاراً عن الذات والعالم والمستقبل، ليبدأ "بيك" مساعدتهم على تقييم تلك الأفكار بشكل واقعي مما أدى بهم للشعور بالتحسن.
طور "بيك" أفكار نظريته الأساسية من خلال مرضاه، وكان يكرر ما يقوله مرضاه عن تلك المعتقدات المشوهة عن ذاتهم "نحن نشعر أن هذه المعتقدات صحيحة".
منذ ذلك الوقت طبق "بيك" نظريات علاجه على مرضاه وأجرى أبحاثاُ هو وزملائه على المرضى من جميع أنحاء العالم لتتأكد صحة تلك النظرية وتظهر فعاليتها في علاج مجموعة من الاضطرابات بما في ذلك الاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، واضطرابات القلق والأكل والشخصية.
ووسط معارضة الكثير من الأطباء لنظرياته أسس "بيك" مركزاً قائماً على العلاج المعرفي السلوكي تديره ابنته "جوديث س.بيك"، وعلى مدار حياته أجرى حوالي 600 بحثاً وألف عشرات الكتب ليصبح العلاج المعرفي السلوكي واحداً من أفضل وأشهر العلاجات المستخدمة في الطب النفسي لعلاج الكثير من الأمراض وأصبح "بيك" يلقب بأب العلاج المعرفي السلوكي.
رحل "بيك" عن عمراً يناهز المائة عام تاركاً الملايين من المرضى حول العالم مدينين له بالفضل لتخلصهم من مرض الاكتئاب والكثير من الاضطرابات النفسية وتحسين قدرتهم على التعامل معها.
فيديو قد يعجبك: