المكتبة والأسرة.. كلمتا السر «للذين ربحوا المليون» في مسابقة المشروع الوطني للقراءة
كتب وصوَّر- عبدالله عويس:
حين كان في الخامسة من عمره، مثلت كتب والده أضخم مكتبة في العالم. مشدوها بالعناوين، مأخوذا بهذا الكم، يتسلل محمد طه في الليل إلى المكتبة ليتخطف منها ما يريد. شيئا فشيئا كان الصغير يكبر، وثقافته تتسع، والكتب تتنقل بين يديه بسرعة كبيرة، ومكتبة والده صارت نقطة في بحر كبير، حتى حصل اليوم على لقب «القارئ الماسي» في مسابقة المشروع الوطني للقراءة. وحائزا على مبلغ مليون جنيه لفوزه بالمركز الأول في فئته. ليظل مدينا لمكتبة والده بأن جذبته لهذا العالم.
على أن حالة محمد، الذي يدرس الآن في كلية الطب، ويستعد للتخرج، ليست فردية. كثيرون من الفائزين في النسخة الأولى من تلك المسابقة، التي انطلقت بالتعاون مع مؤسسة البحث الإماراتية، يدينون للفضل لأحد أمرين، المكتبة التي كانت في أحد أركان المنزل، أو الأسرة التي كانت تمدهم بما يريدون من كتب: «كان والدي موظفا بالمدينة الجامعية في جامعة القاهرة، وكانت لديه مكتبة، أقرأ منها ما شئت وأنا في طفولتي» يحكي محمد لـ«مصراوي».
لسنوات طويلة كانت تلك المكتبة بما حوت من علوم، هي المؤنس لمحمد، ومع الوقت وكبر السن، صارت له قراءة خاصة. يبحث عن كتب الفلسفة وعلم النفس، وعلم الاجتماع، إضافة إلى قراءات عدة في الأدب العربي وغيره. وحين بدأت النسخة الأولى من تلك المسابقة انضم لها. وعلى غير ما يتوقعه كثيرون من أن الحظ لن يكون من نصيبهم، كان الشاب يؤمن أنه سيحصد المركز الأول.
«كنت أتوقع هذا الأمر، وأخبرت صديقا لي أنني سأفوز بالمركز الأول، وسيفوز هو الآخر بأحد المراكز» كانت تلك نبوءة الشاب لنفسه، مضى الوقت صعبا وهو على منصة التتويج. لم يكن يعرف في أي مركز قد حل من الفئات المختلفة، تزعزعت ثقته قليلا، لكنه وفي النهاية وجد التصفيق الحار، بعد نطق اسمها متبوعا بالمركز الأول: «مكتبة أبي كانت السبب الأول، ثم دعم الأسرة لي، وأعتقد في السنوات المقبلة ستزداد محبتي للقراءة، والرغبة في مطالعة كل ما يقع تحت يدي».
كان الأمر مشابها لأشرقت جمال. في بيتها بمحافظة المنيا مكتبة لوالدها ووالدتها، وكلاهما طبيبان. كانت الصغيرة تقضي وقتا طويلا في مطالعة الكتب، وهي الآن طالبة في الصف الثالث الثانوي، والتحقت بشعبة علمي رياضة، راغبة في أن تصبح مهندسة.
تحب أشرقت كتب التاريخ والسياسة وأصول الدين، تجد متعة كبيرة في مطالعتها، وحين تقدمت لتلك المسابقة، لم تتصور على ما حكت لـ«مصراوي» أنها ستفوز: "كنت أحسب أنني سأكون في المركز الثالث أو الرابع في فئة الطالب المثقف، خصوصا والمنافسة شديدة". لكنها فازت باللقب وكانت قيمة الجائزة مليون جنيه مصري.
بين أحضان أمها ارتمت أشرقت عقب الفوز، ثم قبلت مدرستها، في أجواء مبهجة، كادت عين الأم لها أن تدمع: «هذه فخر لمصر وأسرتها، كانت الكتب تجذبها وهي صغيرة، وهي الآن تتلقى مكافئة على ذلك» تحكي والدة أشرقت، الطبيبة أميرة حسن، وهي تحمل كأس ابنتها الصغير، بينما تتلقى ابنتها التهنئة من الآخرين.
تقول والدتها، إن طفلتها تعلقت أول ما تعلقت بمكتبة المنزل، ثم أصبحت تشري كتبا تروق لها ولمزاجها، وهي فوق ذلك متفوقة في دراستها. وتحاول الأم دعم ابنتها ما استطاعت، فحين رغبت في دخول شعبة علمي رياضة بالثانوية العامة لم تمنعها، في حين أنها وزوجها طبيبان، وكانا يعتقدان أن ابنتهما سترغب في أن تصبح طبيبة: «لكن ذلك لا يهم، ما يعجبني فيها أنها تختار لنفسها ما تشاء، وتعيش عالمها بين الكتب والقراءة والثقافة، وهذا سلاح المستقبل».
كان الوضع مختلفا في منزل الدكتور أحمد مبروك علوان، لم يحظ والده بتعليم كاف، ولم تكن ثمة مكتبة في البيت. لكن عوضا عن ذلك، كانت الأسرة تدعمه بما يريد حين يود شراء كتب، وكان يبحث عن أرخص الأماكن التي تبيع الكتب ليقتنيها، ولولا ذلك الدعم من الأسرة ما وجد الرجل نفسه، محبا للشعر والأدب العربي بكل أشكاله.
«حصلت على درجة الدكتوراه في اللغة العربية، وأدرسها الآن بإحدى المدارس، وأحاول ترغيب أسرتي في الأمر» قالها الرجل لموقع «مصراوي»، وهو يترحم على والده، الذي كان يخبره على الدوام أن التعليم والثقافة والقراءة هي أهم زاد له. ويحاول الرجل بث ذلك الحب في قلوب أبنائه: «لكن هذا الجيل له وضع وخصوصية مختلفة، التكنولوجيا تطورت بشكل كبير على غير ما كان متاحا لنا، وعليهم أن يستغلوا ذلك الأمر».
لم يجد الدكتور أحمد صعوبة في تخصيص وقت للقراءة، كان يفعل هذا الأمر بشكل دوري، لكن الذي جد عليه، تلخيص هذه الكتب، وبحكم دراسته الأكاديمية، لم يجد صعوبة في الأمر: «وحين فزت وعلمت أنني ضمن العشر الأوائل في فئة المعلم المثقف، كنت فرحا، غير أن سعادتي صارت أكبر حين فزت بالمركز الأول، فهو وإن كان يمنحني مبلغ مليون جنيه، إلا أن لجنة المحكمين حين اختارتني للمركز الأول منحتني شهادة عظيمة».
تشجيع الأسرة، كان ضمن حديث الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، والتعليم الفني، حكى أن جده ووالده كانا يمنحاه الكتب، ويحدثونه عنها بشغف كبير، وفي كلمته التي ألقاها في الاحتفال بتكريم الفائزين بالمسابقة اليوم، الأحد، في دار الأوبرا المصرية، قال شوقي: «مبلغ المليون جنيه الذي حصل عليه الفائز بالمركز الأول، ليس الأهم. الجميل في الأمر أن الذين شاركوا قرأوا على الأقل 30 كتابا أو أكثر».
وتقدم للمسابقة نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص. في النسخة الأولى من المسابقة، التي تطمح أن يصل عدد المتقدمين لها نسبة 100% بعد 10 سنوات، من المستهدفين من طلاب المدارس والمعاهد الأزهرية وطلبة الجامعات والمعلمين في جمهورية مصر العربية.
ومرت المسابقة بأكثر من تصفية ومرحلة، بدأت من المدارس والكليات، مرورا بالمناطق والإدارات المختلفة، وصولا إلى ترشيح الأوائل على المحافظات، ثم جرت تصفيات أخرى على مستوى الجمهورية، وصولا إلى تصفية أخرى أجرتها لجنة التحكيم، على مدار شهور، ليفوز 40 شخصا في الـ3 فئات، وحصل كل منهم على جوائز مادية، إلى أن كان نصيب الـ3 الأوائل على فئات القارئ الماسي، والطالب المثقف، والمعلم المثقف، بمبلغ مليون جنيه مصري لكل واحد منهم.
ويسعى المشروع إلى تحقيق استدامة معرفية لجميع فئات المجتمع، وتعزيز ريادة مصر الثقافية، بمشاركة من وزارة التربية والتعليم والأزهر الشريف، وبالتنسيق مع وزارات التعليم العالي والثقافة والتضامن الاجتماعي والشباب والرياضة. ورصدت مؤسسة البحث العلمي (دبي-مصر) 500 مليون جنيه لفترة المشروع كاملا.
تقول نجلاء الشامسي رئيس مؤسسة البحث العلمي، والأمين العام للمشروع الوطني للقراءة، لـ«مصراوي»، إن القراءة ليست رفاهية، وهي ضرورية للمستقبل. وتطمح أن تكون النسخ التالية للمسابقة أكثر نجاحا: «المشروع يقوم عليه كوادر مصرية، وهناك بيت الخبرة في دبي، ونتعاون مع المؤسسات المصرية، لتسير الأمور على أفضل وجه».
وخلال كلمتها كانت الشامسي، قد قالت إن مؤسسة البحث العلمي حرصت على إنشاء فرع إقليمي لها في مصر. ومن شأن القراءة إثراء البيئة الثقافية داخل المدارس والمعاهد والجامعات، بما يدعم قيم الوطنية، ويشجع المجتمع كاملا على القراءة.
وكان المشروع قد انطلق في مارس 2020، بهدف تنمية الوعي بشأن القراءة، وتمكين الأجيال من مفاتيح الابتكار، وإثراء البيئة الثقافية، وإثراء المكتبات، ورفع جودة محتوى الأعمال المنشورة، على ما يوضح الموقع الرسمي للمسابقة.
فيديو قد يعجبك: