لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"في انتظار البحر يرمي الجثث".. الطريق إلى "حياة أفضل" يؤدي إلى "الموت غرقًا"

04:53 م الأحد 24 يناير 2021

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمود عبدالرحمن:

غلاف- مايكل عادل:

على شاطئ "الملاحة" الصخري، شرق مدينة طبرق الليبية، بالقرب من الحدود الغربية المصرية، عُثر على جثمان ناجي حميدة، صباح يوم الجمعة، 8 يناير الحالي، بعد 25 يوماً من غرقه في مياه البحر المتوسط.

كان الشاب العشريني ضمن 55 شخصاً، تحرك بهم قارب صيد فجراً، من شاطئ منطقة صحراوية بالقرب من حدود مدينة السلوم، داخل المياه البحرية المصرية، قاصدين عبور الحدود والدخول إلى الأراضي الليبية بطريقة غير قانونية، ليغرق المركب بركابه في المياه.

على خلاف الاتفاق المسبق؛ أجبرنا على ركوب المركب، يروي أحمد جمال الذي تمكن من العوم حتى العودة إلى الشاطئ، ليكون أحد 42 مهاجرا نجوا من الموت من بين الـ55 الذين تحرك بهم المركب قبيل غرقها.

قبل سفر أحمد و5 من أبناء قريته "منية الحيط" بالفيوم إلى مطروح، اتفقوا مع سمسار من قرية "الغرق" المجاورة لقريتهم على تسهيل سفرهم إلى ليبيا عبر الدروب الصحراوية بطريقة غير شرعية، كما هو معتاد ومعروف بين أبناء القرية التابعة لمركز إطسا والتي تشتهر بالهجرة غير الشرعية إلى ليبيا، ضمن العديد من قري المحافظة التي احتلت المركز الثالث على مستوى الجمهورية في هجرة أبنائها غير الشرعية عبر الحدود الغربية خلال عامي 2019و2020، بعد محافظتي المنيا وأسيوط، وفقاً لتصريحات تلفزيونية للواء أركان حرب أيمن شحاتة، قائد قوات حرس الحدود.

الصورة 1

"اللي مش هيركب هضربه بالنار"، بلهجة بدوية مصحوبة بإشهار السلاح الآلي، تحدث الدليل المنتمي لعرب مطروح، موجها كلامه للمعترضين على ركوب المركب، يقول أحمد جمال: "أكتر الناس مش بتعرف تعوم ومش ده اللي كنا متفقين عليه قبل السفر"، لكننا رضخنا تحت تهديد السلاح، وحجم القارب الصغير دفعنا إلى التسابق والتصارع لحجز مكان آمن كما كنا نعتقد، المركب لا يحتمل أكثر من 15 شخصاً وإحنا 55 على سطح المركب "فكنا خايفين نغرق عشان زيادة العدد".

وبعد تحرك المركب اختل توازنه، وانقلب رأسًا على عقب في البحر، وارتفعت صرخات الاستغاثة دون استجابة، يتذكر أحمد لحظات الغرق والصراع من أجل النجاة من الموت "الغريق بيتشعلق بقشاية، فاللي مبيعرفش يعوم كان يمسك في اللي بيعرف يعوم، لدرجة إنه ممكن يغرقه معاه" ليصل عدد الضحايا إلى 13 راكبا، ما بين غريق ومفقود، بينما من نجا من الموت وعاد إلى الشاطئ، خضع أغلبهم لإسعافات أولية بمستشفى السلوم العسكري.

ونقلت جثث الضحايا التي تظهر على الشاطئ إلى مشرحة مستشفى مطروح العام، بعد أن قذفها الموج على فترات متباينة، ولم يعرف مصير آخرون كان من بينهم اثنان من قرية أحمد "منية الحيط"، هما ناجي محمد وشعبان محمد.

Untitled-1

المفقودان "ناحي" و"شعبان" رغم فارق السن بينهما الذي يتجاوز 37 عاما، كان هدفهما من السفر إلى ليبيا واحد، هو البحث عن حياة أفضل؛ فالأول شاب يسعى إلى كسب الأموال من أجل الزواج وعلاج والديه، بينما الثاني كان يرغب في توفير أساسيات الحياة الكريمة لأبنائه وزوجته، وكذلك أبناء شقيقه الذي تزوج زوجته بعد وفاته أثناء محاولة سابقة للهجرة الغير شرعية إلى ليبيا قبل سنوات.

"أكثر من أسبوعين بندور عليه وكان نفسنا حتى ندفن جثته هنا عشان نرتاح"، يحكي محمد حميدة، الذي لم يعرف بسفر ابنه ناجي، إلا عندما اتصل به تلفونيًا يخبره بوجوده في مطروح وفي طريقه إلى ليبيا، طالبا منه الدعاء، "لما قالي كده مكنش ينفع أقوله ارجع تاني"، استمر التواصل على فترات بين الأب وابنه حتى انقطع الاتصال بينهما في الحادية عشرة مساء من اليوم الثالث لسفره، ليأتيه مساء اليوم الرابع خبر غرق المركب الذي كان يحمل ابنه، وإرسال الأب أحد أبناء عمومته للبحث عنه وإنهاء أوراق استلام جثمان، لكن جثمانه لم يظهر بين الجثامين التي نقلت إلى المشرحة، يقول الأب "منتظرين البحر يرمي الجثة".

الصورة 3"ساب عياله وعيال أخوه واتنين حريم ومشى"، تقول سحر جابر، زوجة شعبان محمد، 55 عامًا، أحد الضحايا، قبل السفر بيوم طلب شعبان من زوجته تجهيز شنطة ملابسه، لسفره إلى إحدى المدن السكنية الجديدة للعمل عدة أيام، لتتفاجأ الزوجة بعد 5 أيام بأحد الجيران يخبرها بغرق زوجها وعدد من الأشخاص أثناء سفرهم إلى ليبيا.

حالة من الذعر انتابت الزوجة، فلم تدرِ ماذا تفعل، وشعرت كأن شريط حياتها يعود من جديد ليذكرها بما حدث مع زوجها السابق "شقيق شعبان"، الذي لقى مصرعه هو الآخر أثناء سفره إلى ليبيا بطريقة غير شرعية.

"اللي كان عاوز يتجوز أو يبني بيت لأطفاله"، يبرر أحمد جمال سبب سفر "ناجي وشعبان"، هو نفس السبب الذي سافر من أجله معهما، إحنا عمال نجارة، وبعد ظهور كورونا الشغل وقف، والسفر بالنسبة لنا كان الحل الوحيد "مش قادر أنسى اللي حصل ولا الناس اللي لسه تحت غارقانة".

القرية التي تعتبر من أكبر قري الفيوم، وفقا لعدد السكان، ولا تدخل ضمن قائمة القرى الأكثر فقرًا، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يسافر العشرات من أبنائها سنويا إلى ليبيا بطريقة غير شرعية، يقدرهم عادل عبد الواحد أحد الأهالي بـ"90% من شباب القرية مسافرين ليبيا"، موضحًا أن حالات الغرق أثناء الهجرة غير الشرعية من وقت إلى آخر اعتادت عليها القرية، بل يصل الأمر إلى القبض على المهاجرين من قبل مجهولين في منتصف الطريق وطلب فدية من أهاليهم للإفراج عنهم، وهذا ما حدث مع كثير من الأشخاص في القرية "فيه ناس كانت ترجع وناس مبترجعش حتى بعد دفع الفلوس".

معاناة الرحلة غير القانونية لا تتوقف على عبور البحر في ليلة شتوية على سطح مركب صيد متهالكة، في غفلة من أفراد الأمن، يحكي أحمد جمال الذي نجا من الموت غرقا.

فالتهديدات تظهر تباعا بمجرد وصولنا إلى منطقة سيدي براني، حيث يسلمنا السمسار إلى دليل من البدو ويصبح التهديد بالسلاح هو الوسيلة الوحيدة لرفض الاعتراض على أي شيء، بداية من التحرك في الصحراء، ووصولا "الحجز " في إشارة إلى مكان التخزين أو الإقامة حتى موعد التحرك لعبور الحدود إلى ليبيا.

الصورة 5بعد ما يقرب من شهر، اتصل أحد شباب القرية الذين يعملون في ليبيا، ليخبر أسرة ناجي محمد حميدة بعثور الأمن الليبي على جثمان ابنه على شاطئ البحر بمدينة طبرق، وأنهم تأكدوا من هويته بعثورهم على بطاقته الشخصية في ملابسه، وسوف يتم دفع الجثمان هناك في الأراضي الليبية لصعوبة نقله إلى مصر، ولا يجد الأب أمامه سوى الموافقة على دفن ابنه في ليبيا "مش هقدر أعمل حاجة تاني".

فيديو قد يعجبك: