لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- فلسطيني يأوي إلى الكهف.. الاحتلال يلاحق أسرة سكنت الجبال (حوار)

06:36 م الإثنين 17 أغسطس 2020

فلسطيني يعيش مع أسرته في كهف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد مهدي وإشراق أحمد:

تصوير- عدي دعيبس:

حين تصبح على أرض محتلة، فأنت لست بأمان ولو كنت في تجويف صخر، كل شيء يُعتبر جريمة محتملة بقانون الاحتلال. لنحو شهر يعيش أحمد عمارنه وأسرته في رعب؛ لم يمنع احتماء الفلسطيني وأسرته بالجبل من ملاحقة القوات الإسرائيلية، في نهاية يوليو المنصرف تسلم الشاب الثلاثيني إنذار بالطرد ليس من منزل بناه، إنما من كهف مهجور سكنه بعدما مُنع من الإقامة والبناء في قريته، اتخذ عمارنه منطق الطير، آوى إلى الطبيعة، وجد فيها دار وسبيل للتمسك بأرض الآباء والأجداد، لكنه لم يسلم كما يروي عمارنه في حوار لمصراوي.

صورة 1

قبل عامين، اختنقت المعيشة في فراسين –شمال الضفة الغربية، ترك عمارنه الهندسة واشتغل بما يوفر له مصدر رزق، سكن وزوجته منزل أسرته البسيط، إلا أن الديار ضاقت عليهم بعدما تزوج شقيقه الأصغر، كرر عمارنه المحاولة للحصول على تراخيص بناء منزل خاص به "لكن الإدارة المدنية الإسرائيلية منعتني وهددوا أنه إذا بتبني بنهدملك". ما كان للشاب الثلاثيني أن يبرح مكانه مهما كلفه الأمر، أخذ يبحث حتى وجد في الخلاء مأوى.

تذكر عمارنه المغارة التي طالما توجه إليها كلما طاف بالمكان لرعي الأغنام وجمع الزيتون في مواسمه، حينما تشتد الحرارة أو يهطل المطر كان جوف الجبل ملجأ له. لم يكن هناك أفضل من الكهف "بما أنه شغلي بالأرض وبما أن الأرض مهددة بالمصادرة كونها جبل عالي بين مستوطنتين قررت اسكن أنا وعائلتي المغارة".

صورة 2

كان ذلك قبل نحو عام وثمانية أشهر حين لازم عمارنه سفح الجبل الواقع شمال الضفة الغربية، سكنه الشاب حماية له وللأرض التي لا ينفك الاحتلال يسلبها شيئًا فشيئًا، بات البقاء في فراسين أشبه بمهمة وطنية، لا تقل عما فعله الفلسطينيون قبيل وبعد نكبة 1948.

تقع فراسين- شمال الضفة الغربية- في القلب من الاستيطان، يحيط بها المستوطنات الاسرائيلية المبنية بين محافظتي طولكرم وجنين الفلسطينيتين، تطل القرية المحتلة منذ عام 1967 على الطريق الرئيس الواصل بين المدينتين، مما جعل سكانها على خط المواجهة مع الاحتلال، خاصة مع الشروع الإسرائيلي في تنفيذ مخطط ضم أراضي الضفة الغربية.

تتواجد المغارة التي يسكنها عمارنه في بلدة "قفين" أو مدينة الصخور، أقام الاحتلال عليها مستوطنة تسمى "حرميش"، بُنيت في الثمانينيات لتفصل بين طولكرم وجنين، وباتت تستحوذ على مشهد السهل الفلسطيني تجاه الغرب، الجهة الوحيدة الخالية من المرتفعات، مثل تلك الجهات، وقت النكبة عام 1948، كان يتركها الاحتلال كمخرج للفلسطينيين الفارين من أهوال القتل والطرد، لكن بعد 72 عامًا، مازال عمارنه الفلسطيني يتمسك بالبقاء.

لم يكن القرار سهلاً؛ رفض كل من حول عمارنة أن يسكن الجبل، أعربوا عن خوفهم "ما لقيت تشجيع من حدا بس أنا كنت مُصر"، فقط زوجته دعمت موقفه ورافقته المشوار حتى سكنا وابنتهما ماريا المغارة.

صورة 3

بحكم اعتياده الحياة البرية، وعلمه بالهندسة، عرف عمارنة ما يلزم المكان؛ نظفه مما فيه من أوساخ وأعشاب ضارة، أغلق المداخل بأبواب حديدية، وضع نوافذ، ثم نقل الأثاث، ما تطلب الأمر جهدًا كبيرًا، كانت المغارة شبه مهيأة، فلم يكن الشاب الثلاثيني أول الآوين إلى الكهف "سكنوها ناس قبلي قبل عشرات السنين".

سكن عمارنة إلى الكهف، وفر فيه سبل الحياه، المياه تأتي من بئر والكهرباء بمولد ذاتي، ووصلة دعمه بها المجلس المحلي "لكن كهرباء لأربع ساعات بليل بتشغل إضاءة فقط"، قَبلِ الشاب تحدي الصعاب، ولم ينس كيد المحتل "لدي أوراق ملكية للمكان تعترف بها الإدارة المدنية الإسرائيلية". وجد عمارنة في الكهف راحته هو وأسرته الصغيرة، بث فيه من روحه ففاضت على الزائرين "الكل صار يجي ويحب يضل عنا"، أقامت معه عمته، زادت الأسرة فردًا وقوة جديدة لدعم بقائهم.

116837635_307525820442082_7450059476672616717_o

لا تمر الأيام دون معوقات، غير أن عمارنة كان منشغلًا فقط بتوفير متطلبات أسرته، يخرج في الصباح من الكهف الكبير، يمر أولًا على الأغنام التي يقوم بتربيتها "بحط أكل ليهم وبعديها بطلع على شغلي" ينطلق إلى أبناء عمومته حيث يعمل معهم في التجارة لساعات طويلة، يحصل خلالها على استراحة سريعة "برجع الضهر بتغدى ثم بعاود على الشغل مرة تاني".

مع غروب الشمس يتجه إلى أرضه، يطمئن على الغنم مرة آخرى قبل أن يدلف إلى المغارة "بقعد مع عائلتي، أقاربنا يجوا عنا بنضل سهرانين لأخر الليل" مؤخرًا بات الرجل الثلاثيني يستمتع بأجواء المكان، لم يعد يشعر بالوحدة والعُزلة التي اختبرها في بداية التجربة "جو الكهف صار ممتع للغاية، الكل يحب يجي يسهر عنا" بدا أن الحياة تبتسم قليلًا لـعمارنة قبل أن يصطدم بمفاجأة ثقيلة الظل.

صورة 5

منذ أيام تلقى عمارنة إخطارا من رجال الاحتلال الإسرائيلي بضرورة إخلاء الكهف في أقرب وقت "انصدمنا، الإدارة المدنية للاحتلال أبلغتنا بالأمر، ومعنا 4 أيام لترك المكان من أجل هدمه" كالصاعقة وقع الخبر على أسرته، غضب عارم يكتنف قلبه "حسيت بالعنصرية الحقيقية، اليهودي جنبي مسموح يبني قصر وفيلا، وأنا بأرضي مش مسموح أقعد بكهف؟!" يذكرها بأسى شديد، لا يصدق منعه من العيش على أرضه، وأن ذلك يؤرق مضاجع الاحتلال.

ظل المهندس الفلسطيني حائرًا لساعات، ينظر حوله إلى أنحاء الكهف "صرت أقول بيني وبين نفسي لنعتبر أنني عصفور أو ذئب أو أرنب، يأوي إلى تجويف صخري لحماية عائلته، وين الجريمة بالموضوع؟" لم يبنِ على أرضه حتى لا يتعرض إلى مضايقات الاحتلال"حتى لا يعتبروه تحدي ويجو يهدموه، بعدت عن شرهم ومشاكلهم، قاموا لحقوني حتى على الكهف!".

جاليري- أسرة فلسطينية تعيش داخل كهف  (1)_1

لم ينم عمارنة ليلته، عيناه رفضت النعاس رغم شعوره بالإنهاك، يُفكر في السيناريوهات المخيفة التي يخبئها له الاحتلال الإسرائيلي، عيناه تراقب ابنته الصغيرة، يتمنى زوال الأزمة بدون خسائر، بينما تجلس الزوجة بجانبه في حالة لا تسر "زوجتي حامل، بس عرفت أنو فيه هدم صار عندها رعب شديد" كلما غفلت قليلًا استيقظت مفزوعة "صارت تحلم بالليل وتصحى مرعوبة لأنها خافت على مصير أطفالها".

انتشرت الأخبار سريعًا في المنطقة، التف الجميع حول عمارنة وأسرته من أبناء وطنه "الكل دعمني وناس بتتصل وبدها تعمل مثلي" يرغب فلسطينيون في الإتيان بالتجربة ذاتها والسكن في الكهوف لمواجهة القرار الغاشم للاحتلال الإسرائيلي، بينما توصلت معه عدة مؤسسات فلسطينية لمساندته "أبلغتهم إني بحاجة فقط لوقف الهدم".

صورة 7

على جمر الانتظار يترقب عمارنة ما ستؤول إليه الأحداث، يجلس داخل الكهف لا يغادره قط، وسائل الإعلام المحلية تهتم بقضيته، قنوات تلفزيونية تنتقل إلى مسكنه لا يلتفت لنفسه بينما يطلب من الحكومة الفلسطينية توفير احتياجات أهالي القرية "من ماء وكهرباء" يرى أن تعمير المنطقة أكبر رادع للاحتلال الإسرائيلي، فيما يأمل أن تمر التجربة بسلام دون أن يفقد كهفه "الآن قضيتنا مش معروف شو بدو يصير فيها، ربنا يجيب اللي فيه الخير".

فيديو قد يعجبك: