لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أهل المحبة (4)- معجزات ماما ماجي "ذات الرداء الأبيض" (بروفايل)

10:12 ص الثلاثاء 21 يوليو 2020

معجزات ذات الرداء الأبيض

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاءالفولي:

أم تجلس في غُرفة صغيرة، تضع آنية على النيران يغلي الماء بداخلها، يوهم أطفالها الأربعة أن الطعام قادم في الطريق، يبكي الصغار بلا توقف حتى يُغيّبهم النوم، يتكرر الحال عدة ليالي، لا تُريد الأم التسول، ليس لديها مُعين ولا تعرف للزاد طريقا، كاد المشهد أن يقتلع قلب ماجي جبران؛ حينها فقط تبدل كل شيء.

التغيير لا يحدث فجأة، تعلق قلب ماجي بالخير منذ صغرها، لكنها لم تتخيل أن يُلقبها الجميع عقب سنوات بـ"ماما ماجي"، لم تر نفسها وقد أنشأت 92 فرعا لمؤسسة لرعاية الأطفال الفقراء وأمهاتهم في ربوع مصر المختلفة، لم تُدرك أنها ستترشح لجائزة نوبل للسلام وتحصد جائزة صُناع الأمل وجائزة المرأة الدولية للشجاعة من الولايات المتحدة الأمريكية، فقط كانت تسير حسبما تقتضي تعاليم المسيحية والإنسانية، يُرافقها الصليب والمحبة، تزرع سلاما فتشاهد الثمار في عيون 32 ألف طفل قامت برعايتهم منذ أوائل التسعينيات.

كانت ماجي أستاذا بالجامعة الأمريكية، لديها "طُلاب رائعين وحياة رغدة"، في أحد الأيام ذهبت مع مجموعة منهم لحي الزبالين بالمقطم "لم أتخيل هذا الكم من الأزمات والفقر"، شعرت أن الرب يمد لها يده لتتخذ قرارها، كانت تطلب منه في صلواتها أن يُرشدها للطريق، عادت من الزيارة وقررت ترك التدريس للأبد، والتفرغ لخدمة الآخرين.

قبل حوالي 2000 عاما قُتل الشمّاس استيفن، بات الشهيد الأول في المسيحية، كان يرعى الأرامل والمحتاجين، لطالما مرت سيرته أمام ماجي، أطلقت اسمه فيما بعد على مؤسستها stephen's children، تيقّنت أن لا أحد يتحكم في مكان ولادته ولا موته، فقط يمتلك زمام ما بينهما.

تفتخر "ماما ماجي" بمصريتها. عمل والدها طبيبا في الصعيد، وهُناك وُلد جميع أشقائها، بدأت المساعدة من القاهرة وانتشرت لبقية المحافظات. لا تضع يدا داخل المنطقة إلا لتجعلها أفضل، لا تكتفي بتعليم الأطفال أو منع تسربهم من التعليم، تفتح لهم مدرسة إذا لم تتوفر واحدة بمحيطهم، تُنشئ مشغلا لتعليم الأمهات التطريز والكسب، تُعطيهم مفاتيح التربية السليمة، تتواضع لأجل أبنائها، تخبرهم أنهم ليسوا أرقاما؛ لكلِ منهم قيمة وحلم وحياة تنتظره.

26 عاما من العمل الخدمي، لم تستغن السيدة عن الرداء الأبيض، تُنكر كل فضل لها في بناء صرح المؤسسة، لكنها حين تُسأل عن الأطفال تتبسم سريعا، تعترف أنها لولاهم لما فعلت شيء "كلما تزرع فيهم الخير تجده بالضرورة ولو بعد حين"، لا يفارق الصليب رقبتها، يُربّت عليها وتُربت عليه، تمتن له، لكنها لا تحرم محتاجا لاختلافه عنها "العطاء يُلقَن.. نتعلم إعطاء القريب ثم من يُشبهنا.. ثم من يختلف عنا تماما.. نُدرك أن ما يجمعنا الإنسانية ونتغافل عمّا دون ذلك".

الطريق ليس يسيرا؛ تقود السيدة فريقا من 2000 شخص، تدربوا على المساعدة، تصطدم بتفاصيل مُخيفة أحيانا، ليس أسوأها المتعلقة بالعمل الخدمي، بل بمن تربوا بين جنبات مؤسساتها، فأؤلئك الذين تعتبرهم أبنائها، ذهبت حياة 21 منهم في ليبيا عام 2015، ذبحهم تنظيم داعش الإرهابي بسبب هويتهم الدينية، كانت ذكراهم ولازالت قادرة على جلب الدموع لوجه ماجي المبتسم دائما؛ تتذكرهم بالاسم، تحكي مرارا عن جرجس ميلاد العشريني، الذي اعتاد مناداتها "ماما"، كيف كانت خطيبته تنتظره بعد العودة ليتزوجا، كيف نسجا الأحلام سويا وكيف اختطفت يدٌ آثمة الأماني في لحظة.

لكن أياما أخرى هدّأت جراح ماجي، وإن لم تطيّبها. كل كلمة امتنان تكفيها، تغنيها عن الجوائز والنياشين، تفخر بأبنائها ومقاومتهم للظروف، تقفز لعقلها قصة الشاب الذي قابلها صدفة، قبّل يديها وقال إنها أنقذته؛ كان على وشك الانتحار حتى قابل فريقها، ثم أصبح واحدا منهم، يقدم يد العون للأطفال. ظلت السنوات تحمل الأفضل دائما لذات الرداء الأبيض، والصغار الذين ضمدت جراحهم كبُر بعضهم ليصبح قائدا في مجتمعه، فمن ألمّ به جُرح، يعرف كيف يُداوي الآخرين.

فيديو قد يعجبك: