كوميديانات مصر (4)- وداد حمدي.. الإضحاك بـ"صنعة لطافة" (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
باندفاع لا يمكن إيقافه أمام الكاميرا، تغرق الفنانة "وداد حمدي" لـ"شوشتها" في الدور الذي تؤديه في أعمالها الفنية، تقرأ الحوار جيدًا قبل بدء التصوير، تنصت لتعليمات المخرج، قبل أن تتلبسها روح الشخصية فتتحول في لحظات إلى طاقة نابضة داخل الاستديو "يحصلي اندماج، بصرخ وأصوت وأشيل هم باقي الشخصيات، عمري ما حسيت إني بمثل" كما تقول النجمة الكبيرة في لقاء تلفزيوني، لذلك لا يمكن أن تمر في مشاهدها دون وضع بصمة خاصة من الضحك و"القفشات" والطلة التي لا تُنسى.
في ليلة صيفية من شهر يوليو عام 1924، جاءت "حمدي" إلى الحياة ومعها ابتسامة تأسر قلوب أسرتها التي تعيش في كفر الشيخ، الحياة تسير بوتيرة جيدة لكن سرعان ما تتدهور الأحوال المادية داخل بيتها، الأب والأم يحملان على أكتافهم أعباء 5 أبناء من بينهم "وداد" ينتقلان إلى المحلة الكبرى، لم تعرف الفتاة الصغيرة الاستقرار رفقة ذويها، بات عليها اتخاذ قرار صعب بالسفر إلى القاهرة وهي لاتزال ابنة الـ 12 عاما في محاولة لمساندة البيت أمام أمواج الحياة المتلاطمة.
دلفت "حمدي" إلى دنيا الفنون من خلال الغناء، حيث شاركت في أوبريت "شهر زاد" لفرقة الفنان الكبير زكي طليمات، ثم حصلت على فرصتها الأولى في السينما عام 1945 بفيلم هذا ما جناه أبي "الست آسيا منتجة الفيلم اعجبت بيا وإدتني أجر 4 جنيه في اليوم"وفي العام التالي اختارها المخرج حسن حلمي لتقديم الأداء الصوتي لشخصية الراوي بفيلمه "الخمسة جنيه" من بطولة شكري سرحان بجانب زوزو نبيل، ورغم نجاحها في بداياته وتمكنها من أداء الأدوار بصورة ملتفة غير أنها قررت تعلم التمثيل.
التحقت "حمدي" عام 1952 بمعهد التمثيل، قضت فيه نحو عامين، لم تستمر التجربة كثيرًا، نداهة "السينما" جذبتها سريعًا، قدمت الفنانة الكبيرة نحو 700 عمل فني-وفق حديثها في لقاء تلفزيوني- أشهرهم "كاراكتر" الخادمة في البيوت أو صديقة البطلة أو طبيبة، لا تفكر كثيرًا في حصرها بمناطق فنية محدودة "مكنتش بفرق بين دور الخدامة وغيرها، لأني بمجرد ما أخط رجلي في الاستديو وأشوف (الكاست) بحس بسعادة كبيرة جوايا".
بموهبتها الزاعقة نجحت الكوميديانة البديعة من اقتناص فرصة تلو الأخرى وإقناع عشرات المخرجين بقدراتها "أوقات يسبوني أتصرف في أداء نوعية الأدوار اللي بقدمها" أحيانًا يكتب المؤلفين في مشاهدها "هنا تتحدث وداد حمدي" يتركوا لها المساحة كاملة لـ "التفنين" والتفكير بمزاج للوصول إلى اللغة المنشودة، إذ اشتهرت بسلسلة من الجمل السريعة المتناغمة المضحكة، لكن الأمر لم تكن وردية طوال الوقت، كثيرًا ما تعرضت لمضايقات"لما كان حد يقولي عايزينك تعملي الشوية بتوعك، بعترض على الجملة وبفهمهم إني بعمل الدور من قلبي".
النجاح في الأساس لم يكن وليد الصُدفة أو العشوائية "كنت بجتهد وعمري ما قلدت حد قبلي" تُشير إلى اقتراب شخصياتها من أدوار الفنانة القديرة "زينات صدقي" تعتقد أن هذا هو السر الحقيقي خلف استمراريتها وتألقها "كان ليا لون لوحدي" لذلك تشعر بالحزن عند مشاهدتها "فنانين بيحاولوا يقلدوني، ولا واحدة عجبتني في دور الخدامة اللي اشتهرت بيه" تذكر أنها عشقت التلقائية والمفاجأة أمام الكاميرا "مرة كنت بمثل مع ليلى مراد، وفضلت أقلدها وهي بتغني" تقولها ضاحكة، تلك الروح المرحة ساهمت في خلف جماهيرية كبيرة لها لدى الجمهور.
أداء شخصياتها بصورة مبهرة وصدق جعلها تقع في مشاكل عديدة، من بينها علاقة الحب التي جمعتها بشقيق نجم "الترسو" فريد شوقي، طلب منها "أحمد" الزواج منها، وافقت دون تفكير، لكن سرعان ما انقلبت الأمور رأسًا على عقب حينما تلقت خبر رفض أسرتها بسبب عملها كخادمة "مكنوش مصدقين إنها تمثيل بس" فيما جذبتها ذات يوم سيدة عربية داخل محل للملابس خلال تجولها رفقة الفنانة الكبيرة "هدى سلطان" مؤكدة أن البعض يتعامل معها بشخصيتها في الأفلام.
شكلت "حمدي" دويتو مع العديد من الفنانين والنجمات، من بينهم "إسماعيل يس" و"سعاد حسني" و"ليلى مراد" وتنوعت أدوارها في مئات الأفلام من أبرزها "شاطئ الغرام، المليونير، أشعة حُب، أحمر شفايف، عنترة ابن شداد، أفواه وأرانب، المنزل رقم 13" ظلت تكافح في مهنتها لأكثر من 40 عاما، تزرع البهجة في كافة أدوارها، تمنح المتفرجين الابتسامة والضحكة مع كل إطلالة منها، حتى جاء خبر وفاتها صادمًا لجمهور السينما بعد مقتلها على يد ريجيسير خلال سرقتها، لتنتهي حياة واحدة من أبرز كوميديانات مصر.
فيديو قد يعجبك: