النجاح بخفة ودلع.. خُطى الفنان "محمود رضا" لقلوب المصريين (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
على أحد مسارح القاهرة، وقف الفنان الكبير "محمود رضا" وسط فرقته الشعبية، يُحيي الرجل الثمانيني-حينذاك- جمهوره وعشاق فنه، قبل أن يُسمع في أنحاء المكان موسيقى رقصة شهيرة من فيلمه "غرام في الكرنك" لترتسم ابتسامة على وجه مُصمم الرقصات الشهير، ويندمج في لحظات مع أفراد الفرقة، يُحرك قدميه وجسده بدقة وحماسه كأنه مايزال في ريعان شبابه، رجفة تسري في الحضور وبهجة بطلة الرجل الذي ظل يحيا بخفة ودلع على مدار عقود طويلة، قدم فيها لمصر تجربة فريدة ومختلفة عن الرقص الشعبي.
لم يعرف "رضا" الثبات منذ ولادته في عام 1930، حياته أشبه برقصاته، حركة دائمة، إذ اعتاد على أن تخرج والدته فجأة من منزلهم بمنطقة القبيصي بالقاهرة، وتعود بعدها بساعات بعقد شقة جديد دون أن يعلم الأب أو الأبناء عن تلك الخطوة "بقينا بنلف من بيت لبيت، ونغير أصحابنا ومدارسنا كل شوية" كما يقول الراقص الشهير في لقاء تلفزيوني، ومن بين أشقائه التسعة، وجد راحته مع شقيقه الأكبر "علي رضا" وصار يتبعه أينما حل "هو اللي بدأ موضوع الرقص، لدرجة إنه كان بيخلص امتحاناته بدري عشان يلحق مسابقات الرقص ومتفوتش عليه".
اهتم الطفل حينذاك بدراسته بجانب ممارسة الرياضة "الكورة الشراب في الشوارع ثم السباحة والجمباز" يتدرب في نادي القاهرة، يحصل على بطولات خاصة في اللعبة الأخيرة، يشعر بلذة كلما تعلق في الهواء، سعادة حينما يقفز وسط أقرانه بينما يمارس الجمباز، منحه ذلك جسد رياضي ومرونة في التحرك لذلك حينما طلب منه شقيقه "علي" الانضمام إليه في الرقصات التي يقوم بها في الأفلام "كنت بروح معاه، هو بطل الرقصة وأنا ضمن فرقته" ليحصل على أول أجر في حياته "جنيه في العرض الواحد".
مسه عشق الرقص، كان يذهب إلى السينما لمشاهدة الأفلام الأجنبية الاستعراضية "كنت بشوفها أكتر من 20 مرة وأفضل أحفظ في رقصاتهم" حينما يغادر دار العرض يبحث عن شارع مظلم في طريقه "وأقعد أعيد الحركات والخطوات اللي كان النجوم بيعملوها" وفي السينما قدم العديد من الرقصات دون شقيقه الذي عمل بالإخراج "رقصت كتير مع نعيمة عاكف" قبل أن يلتقي ذات مرة بفرقة استعراضية من الأرجنتين "شوفتهم في استديو النحاس".
تعرف عليهم، علموا بمهارته الشديدة في الرقص، طلبوا منه الانضمام إليهم "وفعلًا بقيت معاهم وسافرت الأرجنتين، وعرضنا بعدها في فرنسا وإيطاليا، مرة عرضت قدام الملك فاروق في (روما)" اكتسب خبرة كبيرة شعر بالرغبة في تحقيق تجربة مماثلة في مصر "هما بيقدموا فلكلور أرجنتيني، قولت ليه معملش دا في بلدي" على الفور اتخذ قراره وعاد إلى القاهرة.
خلال محاولته لتكوين فرقته تعرف "رضا" على راقصة شابة في أحد الأندية بمصر الجديدة "اسمها فريدة فهمي" كان شقيقه هو مُصمم الرقصات لها، تزوجها الأخ "وأنا اتجوزت أختها خديجة" ورغم تخرجه من كلية تجارة وعمله بعض الوقت في المجال لكن سرعان ما انصب تركيزه كاملًا على إنشاء فرقة رضا الشعبية في عام 1959، ليظهر ثنائي أثرى مجال الرقص الشعبي في مصري هما "محمود رضا وفريدة فهمي" يصولان ويجولان على مسارح مصر، يقدمان أفضل العروض، رقص وموسيقى، دقة وحرفة، مهارة وموهبة.
من العوامل التي ساعدت "رضا" على النجاح هو التعاون المثمر مع الموسيقار علي إسماعيل، الذي بدأ من خلال الصدفة "وقتها كنت بدور على حد يعمل موسيقى للعروض بتاعتنا، روحت لواحد معروف طلب فلوس كتيرة، ورفض يشتغل" قبل أن يسمع عن "إسماعيل" من خلال شقيقه "قولتله معرفوش بس خلينا نجرب" ذهب إليه طالبًا منع المشاركة في تأليف مقطوعات موسيقية لفرقته "وافق فعلًا، لكن اختفى، دورت عليه لقيته مع ابنه في المستشفى" حينما دخل غرفته "لقيته بيكتب نوتة البرنامج اللي هقدمه مع الفرقة" من هنا سارا معا في الطريق نفسه.
عشرات الأفلام شارك فيها "رضا" كممثل أو راقص، من أبرزهم فيلمه البديع "غرام في الكرنك" واجه تحديات كثيرة خلال تنفيذ العمل من أصعبها "لما اتقالي إني هعمل مسرح في معبد الكرنك، دي مسؤولية كبيرة" وقد كان، تمكن رفقة فرقته من تدشين المسرح وتقديم واحدة من أهم العروض في تاريخهم "بحب كمان استعراض اللي كنا جعانين فيه" يتذكر الفنان الكبير حينما تعطلت سيارته ذات مرة وعندما أنهى الميكانيكي عمله "لقيته بيقرب مني وبيغني كلمات الاستعراض" تلك اللحظات هي الأسعد في حياته عندما يشعر باقتراب فنه من البسطاء "أكتر لقب بعتز بيه هو فنان الشعب".
خلال عمره الفني كان الرقص وتطويره هو الشاغل الأول لـ "رضا" منعه الروتين في أحيان كثيرة من تنفيذ أحلامه "مرة طلبت محمد عبدالوهاب يعمل مزيكا للفرقة، وزارة الثقافة قالت احنا نعمل مناقصة ونشوف هترسى على مين" يقولها ضاحكًا، تعطلت أشياء كثيرة بفعل تأميم الفرقة وضمها لوزارة الثقافة، لكنه ظل على عهده لفرقته، يساعد في تطويرها دائمًا، يخرج من عبائتها العديد من الفنانين الكبار، حتى صارت فرقته علامة مسجلة للنجاح والإبداع، وجزء من وجدان الشارع المصري.
فيديو قد يعجبك: