"ركب سيراميك فصل ذوي القدرات الخاصة".. مدير بدرجة عامل يُبهر الجميع يوم بلوغه سن المعاش
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
كتبت - شروق غنيم:
بدأت الرحلة قبل ثلاث سنوات حين تقلَّد رمضان عثمان، منصب مدير مدرسة جمال عبدالناصر الإعدادية في مدينة القصير، وبعدها تبدل حال المكان. منحت أيادي الرجل الستيني الحياة للمدرسة، صار للطلاب مظلة تقيهم اتقاد الشمس، ومصدر لشرب المياه، وملعب للفتيات، ومدرجات في الفناء.. أضاف إلى الطلاب معنًى جديدًا حينما خلع عن نفسه الزي الرسمي و"شمَّر" ساعديه ليبني كل ذلك بنفسه؛ لضعف الإمكانات والتمويل، فكان له ضعف المحبة والاحترام في نفس كل صغير وكبير في مدينة البحر الأحمر.
داخل المدرسة تنتهي رحلة المدير اليوم السبت، يُسدل ستار وظيفته الحكومية بحلول عامه الستين؛ غير أن رمضان أبى الرحيل دون استكمال حلمه؛ إنشاء فصل مُخصص للطلاب من ذوي القدرات الخاصة. حُجرة مساحتها 5X6 أمتار تنتظر تحقق الوعد بإعدادها من الوزارة بالأجهزة اللازمة، غير أن الحجرة تحتاج إلى بعض "التشطيبات"؛ مثل تركيب السيراميك والزجاج والدهانات.. (مش همشي النهارده إلا أما أخلَّص كل ده عشان تبقى جاهزة).
منذ عَلِم عثمان بموعد رحيله عن المدرسة ودق الضيق أبوابه "ليه الأيام مستعجلة وعايزة تحرمني من أولادي وأصحابي وحبايبي علشان أقعد في البيت بين أربع حيطان؟"، غير أن مفاجأة كانت في انتظاره؛ بدَّلت حزنه سعادةً حينما نظَّم المدرسون رفقة الطلاب وأولياء الأمور حفلًا لتكريم المدير الستيني، أخذ كلٌّ يحكي عن علاقته بالمدير.. "اتأثَّرت جدًّا لمّا واحدة من أولياء الأمور قالت إنها كانت بتكره تروح المدرسة، لكن دلوقتي هي اللي بتصحى من نفسها الصبح عشان تيجي"، كان للكلمات وقع طيب في نفس عثمان "لأني كنت أتعامل معهم بروح الأب مش المدير".
ثلاثة أعوام ونصف العام فقط قضاها عثمان في المدرسة؛ لكنه يحسب تلك الفترة "إنها كل عمري واللي باقي منِّي"، وبينما كانت تخلو المدرسة من الطلاب في أيام الإجازة كان يوجد الرجل الستيني، وما أن ينتهي اليوم الدراسي حتى يتحول إلى عامل يرمم المبنى، ينغمس في التراب والأسمنت ليصنع شيئًا بيدَيه، أو يُعد برنامجًا لتحسين أداء الطلاب التعليمي؛ مثل فصول تقوية لضِعاف المستوى أو جوائز تحفيزية للمتفوقين.. "حسّيت إن كل حتة في المدرسة تعرفني من زمن".
منذ أول يوم له داخل المدرسة التي أُنشأت عام 1995، وشعر عثمان بألفة بينه وبين الطلاب، داخل 15 فصلًا وُزِّع 600 طالب، لكلٍّ منهم طموحات لشكل المكان التعليمي.. "كانت أول خطوة أعملها إني أسمع منهم اللي همَّ محتاجينه"، لم تسمح إمكانات المدرسة الضعيفة بتحقيق كثير "الطلاب كانوا بيقعدوا في الملعب على الطوب، لقيتهم بيقولوا لي نفسنا في مياه حلوة نشربها، أو ضِلَّة من الشمس"، كما كان للبنات مطلب بأن يصبح لهم ملعب رياضي.. دبَّر المدير بعض الأموال من حسابه الخاص وقررت أشتغل أنا بإيدي عشان مفيش فلوس نجيب عمال".
وأضاف عثمان لمكتبه تفاصيل أساسية "بقى عندي لبس مخصص للبهدلة وعِدّة شغل"، حينما تنتهي فترة المدرسة التي تبدأ من الثامنة صباحًا حتى الثانية ظهرًا، تبدأ مهمته الجديدة "عملت مدرجات في الملعب، وجمّلت مدخل المدرسة، واتعمل ملعب للبنات"، كل مَن يمر بالمكان عند انتهاء اليوم الدراسي يتعجب من الأمر "وسمعت انتقادات ياما عشان شايفني بقلل من نفسي وإني مدير"، لكن عثمان نال مُراده حين تحققت مطالب الطلاب "غير الروح اللي شوفتها منهم، الأطفال بقوا ييجوا لي ويقولوا لي بابا هيجيب لك أسمنت أو طوب عشان تكمل شغلك"، كان ذلك كفيلًا بأن يستكمل ما بدأه "لدرجة إني ملبستش البدلة غير للزيارات الرسمية اللي بتحصل في المدرسة وبس".
ينظر عثمان إلى الوراء قبل 35 عامًا، حينما تخرج في كلية العلوم عام 1982 ولم يكن التعليم حلمه بل طمح للعمل في مجال البترول، غير أن الظروف العائلية حالت دون ذلك "أمي وأبويا كانوا لوحدهم لأن اخواتي كانوا بره مصر، دورت على وظيفة تكون قريبة من البيت عشان مابعدش عنهم"، حصل على دورات تربوية لتأهيله، ثم تنقل على مدارس عدة كمدرس علوم؛ حتى انتهى به المطاف مديرًا بمدرسة جمال عبد الناصر الإعدادية "ولما بارجع بالزمن بحس إن دي أجمل حاجة حصلت في حياتي".
لا يُحب عثمان أجواء الرحيل، لكن بعينَيه يودّع كل شِبر في المدرسة، من المدخل حيث كان يستقبله الطُلاب، للفناء الذي يضّج بالحياة، لائحة الطلاب الذين حصلوا على جوائز في مسابقات شتى، يشبع من كل تفصيلة في المكان الذي لا ينوي العودة إليه مجددًا "عاوزه يفضل في عقلي بنفس الشكل والذكرى الحلوة دي"، يطرد الرجل الستيني عن نفسه هواجس وحشة الفراغ "هحاول أدور على شغل ألاقي نفسي فيه، وربنا يصبرني على الفراق".
فيديو قد يعجبك: