لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كواليس شاعر المليون.. حكايات 4 شعراء في التنافس على لقب الموسم

04:33 م الثلاثاء 10 مارس 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

أبو ظبي- رنا الجميعي:

لا تستقيم صحراء شبه الجزيرة العربية دون الشعر، هناك الشعر يسكن ترابها، هو كالماء لا بديل عنه، يحيا بين جلسات العائلة وفي الأفراح والأحزان، من الطبيعي أيضًا أن يوجد في عائلته شاعر أو أكثر، فيتغذى سمْعه على الشعر بنوعيه الفُصحى والنبطي، ومنذ 14 عامًا فقهت الإمارات أهمية الحفاظ على الشعر النبطي؛ فأقامت البرنامج التليفزيوني "شاعر المليون" الذي يتنافس فيه الشعراء على لقب صاحب بيرق –حامل راية- شاعر المليون.

1

داخل مسرح شاطئ الراحة في أبو ظبي حيث يقام برنامج "شاعر المليون"، الخاص بالشعر النبطي، كان الستة شعراء يستعدون للحلقة الحادية عشر للبرنامج، لم يكن الوصول للمرحلة الثانية من البرنامج بتلك السهولة، يتذّكر الشاعر العراقي، برزان السحيم الشمري، الاختبارات الثلاث التي اجتازها حتى صار ضمن الشعراء الـ48 الذين يتنافسون على اللقب "كانت اختبارات صعبة جدًا"، حيث يقوم المتسابقون بكتابة ستة أبيات شعر مؤلفة، كما يقومون بتصحيح الأبيات مكسورة الوزن أمام لجنة التحكيم "بعد كدا اختبار تحرير ثاني يكتب ثلاثة أبيات مؤلفة على وزن مثل شعبي" يضيف السحيم لمصراوي.

يقول عمر السعيدي، رئيس قسم العلاقات الإعلامية بلجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية بأبو ظبي، إن هناك عدة شروط لانضمام الشعراء؛ أهمها السن "ما يتعدى الأربعين سنة"، وتتكون لجنة التحكيم من الناقد والشاعر سلطان العميمي ورئيس مجلة "وضوح" الكويتية حمد السعيد والخبير في اللغة العربية دكتور غسان الحسن، وتطوف اللجنة أربع دول عربية هي؛ الإمارات والكويت والسعودية والأردن "وتصير عملية التصفية حتى يصل العدد إلى 100 شاعر"، تليها مرحلة تصفية أخرى حتى يصلوا إلى 48 شاعر، ويحكي السعيدي أن مواسم البرنامج التسعة امتلأت بتحديات الشعراء "من خمس سنوات فيه شاعر وصل لمرحلة التصفية لكنه خسر عشان ما يعرف يكتب، وها السنة اتعلم ووصل للبرنامج".

والشعر النبطي هو شعر مُرتبط بأهل البادية في دول الخليج، وبحسب دكتور غسان الحسن، الباحث في التراث الإماراتي، وأحد أعضاء لجنة تحكيم المسابقة فإنه لون أدبي شائع يعبر الناس من خلاله عن مشاعرهم وقضاياهم، ويشبه الشعر النبطي في شكله وأسسه الفنية الشعر العربي الفصيح التقليدي.

أمام جمهور وصل إلى 2000 شخص وقف برزان السحيم الشمري في حلقة سابقة يُلقي قصيدته التي افتخر فيها بصمود شعب العراق، ومُبشّرًا بالثورة في ساحات التحرير، كان قلب السحيم فرحًا بالوقوف على مسرح شاعر المليون "أي شاعر مبتدئ أو غير مبتدئ يحلم بالظهور على ذلك المسرح"، في اعتقاده أنه محك حقيقي يُميّز شاعر عن غيره.

قدم السحيم من مدينة نينوى الواقعة في شمال العراق، وهي مدينة تشتمّ فيها رائحة التاريخ، وقد بدت على ملامحه العزة بذلك التراث، مُتذّكرًا حُبه للشعر منذ الطفولة " الشعر موجود بكل وقت، مافي حفل او جلسة عادية الا لما يصير شعر"، ففي نينوة يكتب أهلها الشعر النبطي "وذلك بخلاف إن جنوب العراق يكتب الشعر العامي".

وقد سُمي بـ"النبطي"، بحسب غسان الحسن، لأن تلك الكلمة تعني عدم الفصاحة، لذا فالشعر النبطي هو الشعر غير الفصيح، ويختلف الشعر النبطي عن الشعر العامي، فالنبطي مُرتبط بالبادية، أما العامية فمرتبط بالمدن التي تتحدث اللغة العامية.

2

يعتبر شاعر المليون هو التحدي الحقيقي الذي يختبره السحيم للمرة الأولى "كسرت حاجز الخوف"، تجده يقف على مسرح شاطئ الراحة -بأبو ظبي- بكل ثقة، كأن الوقوف أمام الجمهور لُعبته منذ الصغر، ورغم ذلك يدقّ قلبه بسرعة كبيرة أمام لجنة التحكيم والجمهور " مش سهل تكون واقف أدام النقاد، كذلك الجمهور بعتبره نقاد".

خلال المواسم التسع من البرنامج شارك 169 شاعرا من السعودية، حيث تعتبر المملكة صاحبة النسبة الأكبر من المشاركة، كما حاز شعراؤها على المركز الأول في الموسمين الثالث والثامن، وفي هذا الموسم يُشارك 20 شاعر تبقى منهم خمسة فقط.

من بين الشعراء السعوديين المُتبقين محمد البندر المطيري، الذي يفتخر بتجربته داخل البرنامج؛ لأنها المرة الثانية التي يُشارك فيها "أول مرة توقفت عند مرحلة الـ100 شاعر"، فلم يصل إلى التصفية النهائية، وقتها كان عمر المطيري التاسعة عشر "يمكن التجربة طورتني".

منذ الصغر يُتابع المطيري برنامج شاعر المليون، الذي تعلّم الشعر من خلال مشاهدته ومعرفة آراء لجنة التحكيم، كان من البديهي أن يحب المطيري الشعر؛ قدم الشاعر من محافظة حفر الباطن "وبالنسبة للسعودية تعتبر مدينة الشعر"، كما أن بيته قد ازدحم بالشعراء؛ فلديه شقيقان احترفا الشعر، من بينهما أخ قد شارك قبل ذلك في الموسم السادس من البرنامج.

يطمح المطيري في تقديم تجربة مُشرفة بالبرنامج؛ فهو نافذة مهمة على عالم الشعر "بالإضافة إلى الجوائز المادية القيمة"، وقبل ذلك قدّم قصيدة حازت على إعجاب لجنة التحكيم كان موضوعها عن مرض آلزهايمر، حيث يؤمن الشاب العشريني بأن ثمّة قضايا قريبة من قلبه منها تلك، فقد رأى اصابة عمّه بذلك المرض.

ويمنح البرنامج جوائز ومكافآت قيمة للشعراء الخمسة الفائزين بالمراتب الأولى، حيث يحصل الفائز بالمركز الأول على لقب شاعر المليون، إضافة إلى بيرق الشعر وخمسة ملايين درهم إماراتي، بينما يحصل الفائز بالمركز الثاني على أربعة ملايين درهم، والثالث على ثلاثة ملايين درهم، والرابع على مليوني درهم، والخامس على مليون درهم إماراتي.

3

في الموسم الحالي شاركت ثلاث شاعرات، من الإمارات وسلطنة عمان والسعودية، لم يتبق منهن سوى حمدة المر الإماراتية، لا تتحمل حمدة مسئولية تجربتها الشخصية فحسب، بل عليها مسئولية تمثيل الشاعرات في الإمارات، فقد حالت القيود المجتمعية دون ظهور قوي للمرأة في الشعر، حتى كتبن بأسماء مستعارة لسنوات طويلة، تذكر حمدة منهن عوشة بنت خليفة السويدي، التي لُقبت بـ"فتاة العرب" و"فتاة الخليج"، وقد كانت واحدة من رواد الشعر النبطي في الإمارات.

كان حال حمدة مثل فتاة العرب اضطرت في بداياتها الشعرية لاستخدام الألقاب، تعددت أسمائها المستعارة "كان اسمي خفايا الخفوق وبعد زواجي كان لقبي قمر دبي"، لكن الوضع النسوي في الإمارات تغيّر مع الوقت، مواكبة للتغيرات الكبيرة التي تحدث في العالم، وظهرت حمدة باسمها الحقيقي منذ عام 2015 "وزوجي شجعني على ذلك".

تربّت حمدة في بيت يتنفس الشعر، فالأب والأم بالأساس شعراء، لكنها اختلفت عنهم "شعرهم تقليدي أما أنا فشعري يمزج بين التقليدي والحداثة". داخل البرنامج تعرّضت حمدة لموقف صعب اختبر حُبها للشعر، فقد توفت والدتها أثناء الحلقات، فُجعت حمدة في فقد أمها "كأني فقدت جزء من قلبي"، لكنها لم تتوقف "لو أنها موجودة كانت خلتني أكمل"، فقد كانت مُنية الوالدة رؤية أبنائها يردون الجميل لوطنهم.

استعدّت حمدة للحلقة بقصيدة تنعي فيها والدتها، تُعبّر فيها عن مدى حزنها لرحيلها قائلة "حامت الضيقة وطاح الصبر من عين الهجاوي.. والحزن قبله أنا والليل نسعى في حرمها"، ورغم أن الشعر بالأساس يحتاج للتخمر وقت طويل لكنّ حمدة تقول إن صدمة مثل تلك "تخلي الأبيات تنساب بتلقائية".

4

واحد من أكبر الشعراء سنًا في البرنامج كان السعودي زايد الرويس، الذي يناهز عمره الأربعين، روحه الخفيفة كانت جذّابة لبقية الشعراء، وأُلفته جعلته صديقًا ومعلمًا لهم، حتى أن تجربته تطغى على حكاياته معهم، فلا ينْس تذكيرهم بأن عليهم القراءة للشعراء القدامى، كما تعلّم هو "دايمًا بقول للشباب إن الشاعر لازم يتكأ على قاعدة معرفية بالشعر"، فقد اعتاد الرويس على قراءة لشعراء لم يُعاصرهم "متل محسن الهزاني".

يفتخر الرويس بأصله "أنا ابن قبيلة عتيبة المعروفة بالشعر"، حيث في كل بيت شاعر "ووالدي شاعر بالأصل"، في ذلك البيت قرأ الرويس الكتب منذ صغره، كما سمع الشعر كأنه حوار تقليدي "كنت أقرأ واسمع قصائد يلقيها والدي"، وبعدها بدأ يقرأ القصائد المنشورة في الصحف اليومية "أقرأها وأسمّعها للوالد وكان يصححها لي"، حتى صار الشعر ودم الرويس سواء.

في محاولاته الشعرية الأولى يتذّكر الرويس كيف كتب القصائد الغزلية "كانت قصيدة موزونة وسليمة ولكنها تظلّ بدايات"، مع ذلك تعبر تلك المحاولات في ذهنه "كنت أقول لكل صحابي عنها وفرحان فيها".

كانت تلك المرحلة في البدايات بالنسبة للرويس، بعدها انطلق ليتعرف على زملائه من الشعراء، عبر المجلات المتخصصة في الشعر الشعبي، مثل مجلة أصداف ومجلة المختلف "كنا نروح المجلات دي وننشر القصائد ونلتقي بالشعراء"، يقول الرويس إن تلك المجلات كانت تفوق مبيعاتها على مجلات الموضة والأزياء "كانت تبيع 60 ألف نسخة".

5

داخل شاعر المليون اشترك الرويس بقصيدتين، فهمّه الشعري الآن هو القضايا الوطنية، حيث ينبري للدفاع عن السعودية والإمارات في توجهاتهم السياسية، كذلك في مديح شيوخ الإمارات وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، ولا يجد مشكلة في ذلك "مديح الحاكم أو الفارس أو الكريم ليست حالة مستحدثة بل قديمة، ولا آراها تهمة".

قبل الحلقة الكل يشحن طاقته، يستعيد صفاء ذهنه، ويكثف حُبه للشعر، حتى يظهر بأفضل ما عنده، يتسلح بنضجه الشعري، وإيمانه بالشعر النبطي، كواحد من فنون التراث التي يفتخر بها أهل البادية في أنحاء الوطن العربي، ويُكرّس لها برنامج شاعر المليون في موسمه التاسع.

فيديو قد يعجبك: