مات فاروق الفيشاوي.. و"زقزقاته" باقية في الدراما المصرية (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
على أبواب شركة قها، وقف "فاروق الفيشاوي" وهو مايزال شابا، على وجهه قلق وفي قلبه أمل بالحصول على فُرصة عمل في شركة الأغذية، ليس طمعًا في وظيفة لكن لسبب آخر "عشان أقدر أشارك في مسابقة الشركات المسرحية، ودي طلعت ناس كتيرة زي المنتصر بالله وسعيد عبدالغني، وفعلًا اتوظفت هناك عشان أمثل" كان شغوفا بالفَن، يخوض من أجله مسارات غير اعتادية وجريئة أحيانًا، لذلك حين وصل خبر وفاته إلى الجمهور، مضت لحظات من الحزن والضيق قبل أن يتذكروا "زقزقاته" التي أطربت قلوبهم على مدار سنوات من أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية ستبقى في ذاكرتهم للأبد.
الخروج من المنطقة الدافئة
يخشى البعض أحيانًا الخروج من المنطقة الدافئة، أداء أدوار يكرهها الجمهور أو الابتعاد عن مساحات لاقت عندهم صدى، غير أن الفيشاوي منذ بدايته في التلفزيون أدرك استمتاعه الشخصي بأداء شخصيات متنوعة وغير تقليدية، لذلك لم يقلق من الظهور في عمل مثل "أبنائي الأعزاء شكرًا"، عام 1980، بشخصية ابن يعامل والده -عبدالمنعم مدبولي- بخشونة وأنانية مُفرطة""العمل ده له قصة، لأن المخرج محمد فاضل كان رافض أعمل الدور لأني عملت حاجة قريبة الشبه منه قبل كده، فعرضه على 7 ممثلين تانيين رفضوا، خافوا إنهم يتكرهوا من الجمهور فبعتلي في الأخر" بذل جهدا كبيرًا لإقناع المخرج خلال العمل وهو ما حدث بالفعل.
مغامرة "المشبوه"
في العام التالي، تردد قليلًا حينما عُرض عليه أداء شخصية الضابط الذي يطارد النجم "عادل إمام" في فيلم المشبوه للمخرج سمير سيف "خفت في الأول على نفسي، عادل إمام البطل الشعبي عند الناس وأنا مفروض هديله قلم هيسمع، لكن لما قعدت مع سمير سيف اقتنعت" مغامرة كبيرة، لكنه راهن على وعي المتفرجين وعلى نجاحه في حالة التعبير عن الشخصية بصدق "راجل بيحب شغله وجاد جدًا فيه، لكن عنده مساحات إنسانية زي مشهد إنقاذ الطفل في نهاية الفيل" وهو ما منح الشخصية بريقا ودفع الجمهور في دور العرض لإبداء إعجابهم "وإنهم يصقفوا في السينمات مع نهاية المشهد".
ملامح "الفيشاوي" أقرب لأداء الشخصيات الجادة، لكن لم يرضَ بحصره في تلك الأدوار، اندفع بحماس في أفلام كوميدية وأجاد فيه وسط عمالقة من فنانين لهم باع في الأدوار الساخرة، مثل "تجيبها كده تجيلها كده.. هي كده"، عام 1983، بجانب سمير غانم، وحيد سيف، المنتصر بالله وإبراهيم سعفان "من أسعد الأفلام، فيه كمية ضحك مش طبيعية، وحقق نجاح مرعب، مكناش متصورينه" كان المخرج عمر عبدالعزيز قادرًا على إظهار الجانب الكاركاتيري من "الفيشاوي" ليُصبح على "زقزقة" واحدة مع باقي فريق العمل.
اللعب مع "الكوميديا"
تقديم الكوميديا دائمًا أصعب ما يكون، الدخول إلى قلب المشاهدين ورسم البسمة على الوجوه ليست عملية بسيطة، شكّل ذلك تحديًا للفيشاوي ليخوض تجارب آخرى في عالم الضحك من أحد أساطير الكوميديا عادل إمام في فيلمهما حنفي الأبهة، من خلال "كوميديا الموقف" وليس الأداء أو "الإفيهات" المستهلكة، ساعده في ذلك المخرج محمد عبدالعزيز وصداقته مع "الزعيم" التي تُرجمت في الفيلم "أعجبت بالسيناريو أول ما قريته، بس الحمدلله قدرت أعمل فيلم جميل".
بعد 4 سنوات، أراد الفيشاوي التأكيد على إجادته في المسار نفسه، لذلك قدم مع أحمد آدم والمنتصر بالله فيلمهم "يا تحب يا تقب" ماذا يمكن أن يصنعه مع اثنين من أبرز "الكوميديانات" في فترة التسعينيات، الكثير من المذاكرة حتى لو كان الفيلم بسيطا "كنت عايز أكلهم قدام الشاشة -بغرض التنافس- وبحط إيفيهات كمان للشخصية" يفعل ذلك من أجل إثبات قدرته على التلون والتماهي مع الشخصيات التي يقدمها مهما بدت بعيدة عن اسمه.
إسرائيلي يكره "إسرائيل"
رغم إعلانه الدائم عن كراهيته لإسرائيل لكن الجميع فوجيء في 1999 بظهور الفنان الكبير في شخصية مدرس الجامعة الإسرائيلي "يوسف" عمل جديد قد يرفضه البعض، في فيلم فتاة من إسرائيل "لما عُرض عليا السيناريو وافقت، رغم إن عمري ما كنت أحب أعمل دور إسرائيلي، لكن قولت أعمل الفكرة الصهيونية متمثلة في هذا الشخص" أدى الدور كفكرة لتصل إلى الأجيال القادمة، كما أشار "ونأكد على الإجماع الشعبي إن العدو لسه موجود".
إمكانية هائلة على "التلون" من شخصية درامية لآخرى، إذ قدم لشاشة التلفزيون قبلها بـ 14 عاما النقيض تمامًا في مسلسل "علي الزيبق" الشخصية الشعبية المحبوبة من الشعب التي تحارب من أجل الحصول على حقوق الناس، وتقف ضد القتلة والمجرمين في عهد المماليك " أسطورة، بيعمل المستحيل عشان يأخد حقه بإيديه وحق الناس" يؤكد الفيشاوي بصورة مستمرة على تأثير المخرج على خروج العمل في أفضل صورة "إبراهيم الشقنقيري كان مخرج جميل في اللوكيشن، بيساعد على الأريحية خلال الشغل" صار العمل واحدًا من أيقونات الدراما المصرية.
"زقزقات" سيد كناريا
أن تحصل على شخصيات ذات أوجه مختلفة كنز لا يمكن تفويته، هكذا رأى الفيشاوي شخصية سيد كناريا في مسلسله الشهير "كناريا وشركاه" من تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبدالحافظ "بعتبر نفسي عملت شخصتين في شخصية واحدة، المرحلة الأولى للشخصية اللي حب بعدها يعدل نفسه، ثم حياته التانية المختلفة، بس حياته الأولانية فضلت تطارده" مشاعر متناقضة داخل "سيد" يخوض بها رحلته وهروب دائم من حياة ماضية لا تسقط من فوق رأسه، لم يقترب أحد من العمل دون أن يلمس قلبه.
لا يمكن حصر أعمال "الفيشاوي" أو اختصارها في محطات بعينها، لكنها إطلالة من سيرة طويلة تقول إنه شيد حياته السينمائية على محاولات دائمة لتغيير مساراته وأيضًا على الحُب "حُب زملائي، حُب أبناء مهنتي، حُب جمهور كبير وقف جنبي منذ بدأت حتى هذه اللحظة" كما ذكر في كلمته بمهرجان الإسكندرية السينمائي في أكتوبر من العام الماضي.
فيديو قد يعجبك: