"اقرأ مع زينب".. الكتب للأطفال في طنطا "مش كلام على ورق"
كتبت- شروق غنيم:
لوالدة زينب سليمان أثر لا يزول في نفس صغيرتها؛ اعتادت الأم أن تقص على ابنتها الحكايات، تدفق حب القراءة في نفسها وحين كبرت فاضت به على شقيقتها الصغرى، صارت مثل والدتها تقص عليها وأصدقاءها الحكايات، حتى أطلقت مشروعها الخاص في نوفمبر العام الماضي، بمكان صغير تجتمع بالأطفال تروي لهم القصص، تدعمها بالأنشطة في "اقرأ مع زينب".
في عهد "ميس" زينب؛ لم تعد حصة المكتبة كما كانت؛ حين كانت تُدرس الفتاة العشرينية في إحدى المدارس الخاصة ببلدتها طنطا، زرعت حب القراءة داخل التلاميذ، تتناول الكتب من أرفف المكتبة المدرسية وتروي القصص، تفتح نقاشًا حول ما جرى داخل الكتاب، تدع الأفكار تتدفق لخيال التلاميذ، تطلب منهم ضم أعينهم وتخيل صورة للحكاية، تمنحهم ورقة وقلم فيخرج ما في عقولهم بالألوان، أو تحول القصة إلى مسرحية غنائية، كلها وسائل حاولت أن تغير الصورة الذهنية عن القراءة "وإن الحصة متبقاش نظرية".
إيمان عميق بأهمية القراءة للأطفال استقر بنفس زينب؛ لذا فكرت ذات يوم "أنا بعمل ده في مدرسة خاصة متاح فيها حاجات كتير مش متاحة لباقي الأطفال"، ومن هنا دأبت الفتاة العشرينية على الذهاب لقصر الثقافة في طنطا، تطوعت لقاصدي المكان دون مقابل "بقيت بقعد من الساعة 2 لـ6 بليل بقرأ للأطفال ونعمل أنشطة مرتبطة بالقراية"، لكن ذلك لم يدم "اتقال لي أنتِ بتيجي كتير وده بيكلفنا كهرباء في المكان".
داومت صاحبة الـ27 ربيعًا على ذلك طيلة أربع سنوات قضتها داخل المدارس، حاولت تغيير دّفة حصة المكتبة حتى أن لدفتر تحضيرها شكل خاص، فبدل انغلاقه على مجموعة عناصر روتينية تكتب دون تغيير "بقيت بحكي اللي بيحصل في الحصة، قرينا كتاب إيه واتناقشت مع التلميذ إزاي ورد عليا قالي كدة وهكذا". لكن أن حلم زينب لم يسر كما أرادت، لم تفلح محاولاتها داخل المدارس "لإن لازم يكون في ورق متستف فيه كلام نظري"، لذا غادرت مهنة التدريس وشرعت في مشروعها "اقرأ مع زينب".
في مكان صغير بدأ المشروع، يلتف الصغار حول "ميس" زينب، تتناوب على قراءة كتب عن الفلك، والعلوم، والزراعة، والقصص الأدبية. تغزل من الكتاب حكايات "ونعملها مسرحية مثلًا، أو نجيب كتب فيها أناشيد ونعمل مسرحية غنائية". ذات مرة قصت عليهم كتابًا يتحدث عن الزراعة "عملنا نشاط عملي واتعلمنا نزرع الفجل إزاي"، فيما جعلت كل طفل يتقمّص دور حيوان حين قرأت عليهم كتابًا عن أنواع الحيوانات، يبحث عنه أكثر، ينقب عن صفاته، فيستوعب ما قرأه من أجل تأديته في مسرحية "كده الطفل بيرتبط بالقراية وبيتكون عنده معلومات كويسة".
لا عائد مادي يصل إلى الفتاة العشرينية من مشروعها "لكن العائد نفسي وبيفرق معايا جدًا"، تتذكر حين تقص القصص على الأطفال فيتفاعل أصغرهم سنًا في المجموعة "عنده لسة سنتين ونص، بس وإحنا بنقرأ بيوسّع عنيه ويقفلها وأنا بحكي، وأما أخلص يبدأ يرسم" تضحك إذ ما تحمله ورقة الصغير "شخبطة بس كفاية إن القصة اتأثر بيها".
قرابة 55 كتابًا قرأتها زينب في مشروعها منذ بدأته قبل خمسة أشهر، تحضرهم من مكتبتها المنزلية المؤلفة من 400 كتاب "واللي عملتها كلها بمصروفي"، كان هذا المجهود كافيًا لتشجع الأطفال على تأليف القصص "بحاول أنّمي خيالهم كمان"، فيما قررت إعدادهم لتحدي القراءة الذي تنظمه دولة الإمارات العربية المتحدة العام المقبل.
لم تستطع الفتاة العشرينية استكمال مشروعها داخل المدارس، لكن القدر ابتسم لها العام الماضي حين حصلت على المركز الخامس في جائزة أفضل أمينة مكتبة على مستوى إدارة شرق طنطا العام الماضي، بينما يكفيها أن تهاتفها أم لتشكرها عما غيرته في نفس صغيرها، أو حين يأتي طفل لها يخبرها كم كتابًا قرأه في منزله بسببها، أو حتى في شقيقتها التي أحّبت الكتابة وتعمل على كتابة قصص قصيرة ورواية "لسه فاكرة لما كانت صغيرة وبقرالها الكتب وأشجعها على القراية، وإن ده اللي خلاها تحب الكتابة".
لاتزال أحلام زينب مع الأطفال كبيرة، تتمنى أن يتبدل حال حصة المكتبة المدرسية "بدل ما يكون منهج عن التصنيف والفهرسة يبقى كمان بيقرأ من الكتب الموجود على الرفوف"، وأن تصير كراسة الحصة بالنسبة للطالب معلومات استخلصها من الكتب التي قرأها، رسومات تعبر عما جال في خياله "مش منهج مرصوص ورا بعض وخلاص".
فيديو قد يعجبك: