بعد حادث "نيوزيلندا"| قصص من الأقليات المسلمة في أوروبا
كتبت- مارينا ميلاد:
على عكس ما هو متوقع بعد حادث مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، يوم الجمعة قبل الماضية، والذي راح ضحيتَه نحو خمسين شهيدًا، غير المصابين، بعد أن فتح الأسترالي برينتون تارانت النار على المصلين في مسجدي "النور" و"لينوود"، ناقلًا الهجوم في بث مباشر على فيسبوك؛إذْ لم يهدأ العالم حولهم، ولم يتفق بعض الأوروبيين على التضامن معهم، كما فعل نيوزيلنديون بارتداء سيدات الحجاب أو الالتفاف حول المساجد، بل زادت الحوادث العنصرية حدّةً وعددًا تجاه المسلمين في بلدان أوروبية أخرى، على مدار الأسبوع، وارتبط بعضها بالحادث نفسه.
كريم، وسمرقند، وبلال، وهالة، ومنى- خمسة أشخاص من دول مختلفة: بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، والتشيك- لهم حكايات مع تلك المواقف العنصرية، رووها لـ"مصراوي"، بينما "خالد" الذي يسكن بالنمسا، لم يصادفه ذلك طوال سنوات غربته.
"كعربي مسلم.. أنا الخيار الأخير في كل شيء"
بعد حادث سقوط الطائرة الروسية في مصر، منذ ثلاثة أعوام، اضطر كريم الذي كان يعمل في مجال السياحة بشرم الشيخ إلى السفر لزوجته الإنجليزية ليبحث عن عمل هناك، انفصل عنها لكن بقى في لندن بعد أن وجد فرصة عمل كمدرب لياقة بدنية واختصاصي تغذية.
يقول كريم، 31 عامًا، إنه يرى نفسه "الخيار الأخير في هذا البلد": "أحتاج كعربي ومسلم في بريطانيا إلى العمل 10 أضعاف البريطانيين أو الأوروبيين لأستمر؛ هنا يوجد عنصرية كبيرة، وأي عربي يكون في نهاية القائمة إذا تقدم لأي وظيفة أو مسابقة أو حتى إذا تعلق الأمر بتكوين صداقات وعمل علاقات مع نساء. وإذا كنت مسلمًا يكون الوضع أسوأ".
تعرض كريم لمواقف عنصرية عدة على شاكلة أن يقول أحد الأشخاص له "أنت عربي" كأنه نوع من السب، وهو ما اعتاد عليه، لكن هناك موقفين بخصوص عمله في إحدى صالات "الجيم" يعلقان بذهنه، ولا يمكن أن ينساهما: "في مكان عملي أنا من المدربين الأساسيين والأقدم، وحين احتاجوا منذ فترة إلى أربعة مدربين لعمل إعلانات، اختاروا أربعة ولم أكن من بينهم، وعندما سألت المدير رد بأن السبب أنني من الشرق الأوسط ولهجتي في الإنجليزية لم تعجبه.. والآخر أن أحد المديرين لي قال لفظًا إن المسلمين والعرب يجب وضعهم في مكان واحد وحرقهم جميعًا".
لم يقتصر الأمر في حياة كريم على عمله أو المحيط الخارجي الذي يتعامل معه، لكن زوجته نفسها قبل أن ينفصل عنها كانت تكرر له دائمًا تحذيرات أهلها وأصدقائها لها من زواجها منه؛ لكونه عربيًا ومسلمًا، رغم أنها وأسرتها من المهاجرين أيضًا.
اختلف رد فعل كريم، منذ الوقت الذي جاء فيه إلى بريطانيا والآن: "في البداية كنت أغضب كثيرًا، ويمكن أن أتشاجر، وربما يصل الأمر إلى رغبتي في ضرب أحدهم، لكن مع الوقت بدأت الاعتياد والتعايش مع كراهية بعضهم لنا، فقررت ألا أركز في مثل هذه المواقف، واستمر في عملي فقط".
"كل صباح أرتدي فيه الحجاب أكون مستعدة لتلقي نظرات تحقير "
كانت سمرقند تواجه طوال الوقت نظراتٍ، وأحاديثَ، وتعاملاتٍ مزعجةً؛ فقد جاءت إيطاليا منذ 10 سنوات، وهي محجبة، لتعيش مع والدتها الإيطالية، بعد أن أنهت دراستها في كلية الزراعة بجامعة عين شمس.
زادت حدة المواقف والكلمات في الفترة الأخيرة، وتزيد كل يوم- حسب سمرقند التي تُرجع السبب إلى موقف الحكومة الإيطالية الحالية، ووزير الداخلية اليميني ماتيو سالفيني، المعادي للمسلمين والمهاجرين.
تقول سمرقند (30 عامًا) إن صديقتها المغربية، وهي محجبة أيضًا، وفي العشرينيات من عمرها- تعرضت، ذات يوم، أثناء استقلالها حافلة في تورينو للضرب من إحدى السيدات، بعد أن أبدت خوفها من كلب، فردت عليها السيدة باندهاش: كيف تخافين من كلب، ولا تخافين من أن تفجري نفسك؟! وعندما وصلت الحافلة، ذهبت السيدة إلى الشرطة، وقالت إنها "ضربتها لأنها لم تكن معها سكين لتقتلها"، وكان الجميع شهودًا على ذلك، وتداولت جميع الصفحات التي تخص العرب والمسلمين في إيطاليا هذه الواقعة.
هذا الموقف وغيره تصفه سمرقند بأنه صار "معتادًا" وحدث قبل فترة مع سيدة محجبة في ميلانو، وترى أنه يتزايد لتنازل هؤلاء عن حقوقهم، لكنها في الوقت نفسه تقول إن "الحياة لن تسير إذا اشتكى كل واحد منا عند تعرضه لموقف في الشارع أو الحافلة".
لم تواجه سمرقند التي تعمل محررة في التليفزيون الإيطالي واقعة كبيرة مشابهة لذلك، لكنها تذكر على سبيل المثال وقتما ذهبت إلى أحد المسارح، الأسبوع الماضي، وطلبت منها إحدى السيدات بالإيطالية أن تزيل غطاء شعرها، لأنها لا ترى العرض أمامها بسببه.
رغم ذلك لا تفكر في خلع حجابها التي ترتديه منذ أن كانت بالصف الأول الثانوي، والتي تشعر بسببه بإحساس صعب كل صباح: "وأنا أرتديه كل يوم أكون مستعدة فور نزولي إلى الشارع لتلقي نظرات تحقير وعلى أفضل تقدير أصادف أشخاصًا غير قادرة على تحديد إحساسها من ناحيتي أو كيف تتعامل معي!".
تحزن والدة سمرقند لذلك، ويزداد شعورها بالخوف، عندما تستقبل بنتها وهي تبكي بسبب ما تسمعه من كلمات، لكن سمرقند تقول إن والدتها تحترم حريتها وقرارها في الاستمرار بالحجاب أو خلعه في أي وقت عندما لا تستطيع تحمّل تبعاته.
"العالم أصبح غريبًا ومخيفًا من حولنا"
وهو يتصفح "السوشيال ميديا" على هاتفه صباح الجمعة الماضي، فوجئ بلال، مثل الجميع بفيديو الهجوم على مسجدي نيوزيلندا، الذي نقله المسلح الأسترالي في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي.. هول تلك الجريمة وصل حد "الصدمة" كما وصفها بلال فور رؤية عمه داوود نابي الذي كان أول من استقبل الرجل بعبارة "Hello brother" (مرحبًا أخى)، ليرد التحية بفتح النار عليه.
"جميع عائلة نابي ما زالت في ذهول، لا نصدق حتى الآن ماحدث".. يقول بلال، 28 عامًا، الذي يعيش في التشيك منذ 5 سنوات، بينما يشاركه مشاعره عائلته الكبيرة التي تسكن في "الهند"، رغم أن جميعهم من أفغانستان، وهذا هو سبب شتاتهم في ثلاث دول لعدم تحملهم ما يحدث هناك.
يعمل بلال فني وسائط متعددة في إحدى محطات الراديو بالتشيك، ويعيش بمفرده. يقول عن الحياة هناك إن الأجيال صغيرة السن من التشيكيين جيدون، لكن الأجيال الكبيرة عنصريون لدرجة كبيرة.
يتذكر بلال يومًا استقل فيه تاكسي، وكان السائق مسنًا،فدار الحوار بينهما كالتالي:
- أنت من أين؟
- أفغانستان.
- أنت مسلم؟
- نعم.
- ما الذي تفعله هنا؟
- أدرس وأعمل.
- التشيك للزيارة فقط. عد إلى بلدك. هذا البلد لنا.
يعترف بلال بإحساس الخوف الملازم له، منذ أن كان صغيرًا، وعندما كبِر، وغيّر مكانه ومجتمعه ظل هذا الإحساس معه: "كبرت مع الخوف في أفغانستان فحين نذهب إلى الخارج نذهب مع اعتقادنا هل سنرجع أحياء إلى بيتنا أم لا، والآن نحن نخاف هنا إذا ذهبنا إلى المسجد، أو إذا تعرّفنا إلى الناس كمسلمين، فالعالم أصبح غريبًا ومخيفًا. لم نعد نعرف أبدًا ما يمكن أن يحدث".
"تصرفات بعض العرب هي سبب ما نعانيه"
"Black go back"، أصبحت الجملة مألوفة لأذن هالة عند سماعها في المجتمع الألماني، التي تعيش فيه منذ 24 عامًا، وتعني أن يعود أصحاب البشرة السمراء إلى بلادهم.
هالة باحثة في مجال الأقليات بجامعة بوتسدام في برلين، وجاءت إلى هذا البلد من أجل العمل والدراسة، ثم تزوجت من ألماني، وأنجبت يارا وفارس (19، 22 عامًا): "رغم أننا جميعًا ألمان لكن أبنائي تعرضوا للرفض بسبب لون بشرتهم الغامق، وقدمنا من قبل أكثر من شكوى في مدرستهم.. العنصرية هنا ليست على الدين فقط، إنما على الأصول واللون أكثر".
لكن هالة تحمّل بعض العرب واللاجئين في ألمانيا جزءًا كبيرًا من مسؤولية تلك المواقف العنصرية، وتصف الموقف برمته بـ"عملية الكر والفر بينهما"، فتذكر أن في وقت احتفالات الكريسماس الماضي، قام بعضهم بإلقاء الحجارة على أشجار كريسماس بالشارع، وقالوا إنها حرام، وفي رمضان الماضي، قام أشخاص في أربع مناطق مختلفة بالاعتداء على مطاعم لعمها وقت النهار، إلى جانب أن التدريبات التي تمولها وزارة الاندماج والهجرة للاجئين من أموال الضرائب لتساعدهم على تعلم اللغة والاندماج يرفضون حضورها في رمضان.
فيما ترى هالة أن تصرفات اليمين المتطرف الكثيرة أغلبها تكون "عابرة" أو "في الخفاء" كالبصق أو السب في الحافلة أو في الشارع- تحديدًا تجاة السيدات المسلمات والمحجبات- لأنهم يعتقدون أنهن جِئن ليلدْن في ألمانيا، ويأخذن دعمًا من أموال الضرائب التي يدفعها الألمان.
منى ترفض ظهور صورتها لأسباب شخصية
"البقاء في هذا الشارع أفضل"
منى (36 سنة) من هؤلاء السيدات المحجبات التي تسكن برلين مع زوجها الفلسطيني وابنها خالد، الذي يبلغ من العمر 6 سنوات.
لكنها لم تتعرض للإساءة بدرجة كبيرة كونها تسكن شارع sonnenallee بمنطقة Neukölln - نويكلن المعروف باسم "شارع العرب"، كون النسبة الأكبر التي تسكنه من العرب والمسلمين حتى أنها لا تسمع في شارعها اللهجة الألمانية ابدًا.
"في هذا الشارع يخشى الألمان من العرب".. تقول منى، لبنانية الجنسية، والتي جاءت إلى ألمانيا منذ 8 سنوات تقريبًا بعد أن كانت مرتبطة بأحد الأشخاص الذين يعملون هناك ثم انفصلت عنه وتزوجت لتسكن منذ وقتها هذا الشارع "الآمن" بالنسبة لها.
لكن بمجرد أن تخرج منى مع أسرتها إلى مكان ترفيهي "يشبه النادي" به حمام سباحة بالمنطقة الشرقية، اعتادوا الذهاب إليه بالصيف، فتلاحقها نظرات الموجودين الذين يستغربون وجود محجبة وسطهم.
تحكي منى عن تعرض ابنة عمها منذ ثلاثة أيام للضرب على بطنها من جانب ألماني عندما ركبت القطار بسبب أنها وأختها محجبات، ولم تفعل أي شئ تجاه ذلك.
لكنها تتفق مع هالة في الرأي حول أن تصرفات بعض العرب - الذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة في ألمانيا - تساعد في زيادة العنصرية من جانب الألمان، ويخلقون صورة سيئة تشمل الجميع: "سأقول لكي فقط إن الشرطة تتواجد في شارعنا أكثر من وجودها في أي مكان أخر بسبب مشكلات الناس مع بعضهم".
"لم أواجه العنصرية أبدًا"
28عامًا في فيينا، ولم يواجه خالد- على عكس كثيرين في أماكن أخرى من العالم- مواقف"عنصرية" تُذكر، لا هو ولا أولاده الأربعة.
يمتلك خالد مطعمًا، أغلب روّادِه نمساويون، يقول إنهم يهنئونه وقت الأعياد، ويحترمون صيامه في رمضان، كما أنه يستقبل دعوات من الحكومة وعمدة فيينا لتناول إفطاره معهم.
خالد المتزوج من نمساوية، ويحمل الجنسية يرى المجتمع النمساوي مختلفًا عن مجتمعات أوروبية كثيرة، ومتحضرًا، ويحترم الآخر، وما زالت نسبة اليمين المتطرف لم تزدَدْ به، وهناك حزب واحد يميني لديه مواقف معادية، وبعض المواقف الفردية المحدودة التي تصدر عن البعض.
العرب نسبتهم كبيرة في النمسا، فهناك حوالي 37 ألف مصري، حسب آخر إحصائية سأل عنها السفارة المصرية، ولا يقتصر الأمر على العدد فقط، لكنهم يعملون في قطاعات مختلفة، مثل المطاعم وشركات النقل الخاصة، وهي سوق كبيرة تحتاج لهم- حسب خالد.
يقول خالد: "لا أشعر هنا بالخوف، والمساجد امتلأت عن آخرها أكثر من المعتاد بعد حادث نيوزيلندا".
فيديو قد يعجبك: