لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من فرط الجمال يذوب.. 40 عاما للشيخ "عليوة ثابت" في حُب ومدح النبي بالصعيد (حوار)

03:36 م الأربعاء 13 نوفمبر 2019

الشيخ عليوة ثابت

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- محمد مهدي:

حين يطل الشيخ "عليوة ثابت" على محبيه في ربوع صعيد مصر، بجلبابه البلدي الواسع وعمته وسبحته التي لا تفارق يديه، يُلقي نظرة على الحضور الغفير، يوزع السلام والابتسامات على من أتوا إليه مُقبلين، ثم يترك نفسه للابتهالات ومديح النبي (عليه أفضل الصلاة والسلام) دون ترتيب مُسبق مع فرقته يهيم مع الأبيات التي يحفظها عن ظهر قَلب، يمنح قَلبه قبل صوته للذكر، فوق بساط من النشوة يصطحب جمهوره إلى عالم آخر، في ليالي تُرمم القلوب، ليُصبح مع مرور السنوات أحد أشهر مداحي الصعيد في وجه قبلي ومصر "فضل ونعمة من الله، إدخال السرور والفرحة على الناس نعمة كبيرة ربنا يديمها" يقولها الشيخ ثابت متحدثًا عن مسيرته لمصراوي.

لم يكن طريق الإنشاد هو الدرب الأول للشيخ الستيني "والدي كان مبتهل على الطريقة الشاذلية لكن ربنا أراد أروح لسكة تاني" كان الصبي الذي ولد- في إبريل 1959- بقرية بني مر بمحافظة أسيوط يتمتع بصوت جميل، غير أنه ابتعد عن مسيرة الأب "كنت عايز أبقى مُطرب" أفصح عن رغبته أمام أسرته، لم يحصل على الموافقة في بداية الأمر، لكن أصره دفع والده إلى تركه بشروط "منعني في الأول أروح قصر الثقافة، بعد كدا قالي خلص شغل الأرض وأبقى روح مطرح ما تحب". كان يندفع يوميًا إلى الأرض لإنهاء عمله المطلوب ثم ينطلق سريعًا إلى وجهته "ألحق أحضر البروفات وأحفظ الأغاني".

كان الأب يعتبر دخول "عليوة" عالم الغناء حينها خروجًا على عاداتهم، لكن ما باليد حيلة، التجربة أحيانًا أفضل من النصيحة والمنع "تفوقت وحصلت على جايزة أجمل صوت على مستوى قصور الثقافة في الأقاليم سنة 74" بدى الأمر كأنه إشارة للاستمرار في هذا المجال لكن الطَبع غَلبه في نهاية المطاف "روحت حفلة في الفيوم لبسوني بدلة وحطولي حاجات على وشي عشان الإضاءة، وقاموا كاوينلي شعري، مطقتش" عندما خرج من المسرح لم يعد مرة ثانية، انطلق إلى قريته وصار يبحث عن مساحة جديدة للتعبير عن موهبته مع الاحتفاظ بالثقافة والتقاليد التي تربى عليها.

1

الصدفة قادت الشيخ عليوة إلى دنيا الابتهالات لتتحول إلى عشقه الأول "كان فرح أخويا الكبير سيد، مسكت الميكرفون وبدأت المديح" لم يهدأ الحضور بعدما صدح صوته بالابتهالات، علت التعليقات من أفواه المعازيم "الله عليك، زيد كمان" ليستمر لساعات في الذِكر "بعدها جولي ناس عشان أعمل أول حفلة ليا" لا تسقط من مخيلته قط، في كل ليلة بينما يقف وسط المئات من الجمهور يتذكر المرة الأولى "كنت قلقان وحاسس بالحر رغم إننا في عز التلج وقتها" حصل على 60 جنيها كأجر له وفرقته، شعر بالرضا والسعادة "لأني بعمل حاجة بحبها، وبأخد كمان أجر محترم".

ليلة بعد ليلة، ذاع صيته، بات مطلوبًا لإحياء حفلات وليالي في أنحاء أسيوط، كان عليه جمع فرقة ثابتة تعمل معه فقط "جمعتهم من محافظات كتير، كنت أشوف حد فيهم في أي ليلة كبيرة تاني يوم يبقى في الفرقة" ظلوا رفقته 40 عاما منذ أواخر السبعينيات حتى الآن "معايا اتنين رق وتلاتة على الكولة والكمانجة والطبلة" بينهم تواصل إنساني وفني كبير، يُدركون ما يريد من النظرة واللفتة والإشارة "وبنعمل بروفة لو هأقول ابتهال جديد، لكن في العادي بنسيبها زي ما ربنا يريد ويفتح علينا".

2

لم يُكمل الشيخ عليوة تعليمه "كملت لحد إعدادي بس" المسؤولية الكبيرة التي تحملها رغم صغر سنه "عندي 4 إخوات ولاد و4 بنات، وشيلت الحمول من بدري" لم يساعده ذلك على الاستمرار في التعليم، لكن في الوقت نفسه تميز بقدرته الفائقة على الحفظ "أنا حافظ آلاف الأبيات لسيدي ابن الفارض، والحلاج وغيرهم" في بدايتها كان الأب يكتب له عشرات الأبيات بخط يديه لكي يحفظهم قبل الذهاب إلى الحفلات "واتعودت إني مكررش اللي بقوله، يعني الفترة دي أنا أحييت 12 ليلة ورا بعض، مفيش ليلة عدت فيها مديح قولته" يقولها بفخر.

بجانب إحياء الليالي والمديح أمام جمهور، تلقى صاحب الصوت البديع عروض لتسجيل الابتهالات في شرائط كاسيت "عملت أول شريط (قلبي إلى بلد الحبيب يهيم" من إنتاج شركة إبن الخطيب في عام 1986، وامتدت التجربة لتشمل نحو 20 شريط كاسيت انتهت في عام 1969 "أخر شريط (حُب النبي) بعدها الكاسيت وقف والشركات بطلت، زمن الفلاشة والكارت سيطر على الناس".

3

في عمله الأخير قدم ابتهاله الشهير "أكاد من فرط الجمال أذوب" انتشر في ُكل مكان، انطلق من الصعيد إلى وجه بحري والعاصمة، تحول مع السنوات إلى أيقونة في الشوارع والمحلات، لكن ثمة خطأ وقع فيه الجمهور "الناس افتكرت إن الابتهال بصوت الحاج ياسين التهامي، ومرة واحد بيقوله سمعي المقطوعة دي فقال لا يا سيدي دي بتاعت عليوة" لا يشغل باله كثيرًا، يعلم أن محبيه يعرفون صوته جيدًا.

عقود مرت وما يزال الشيخ عليوة أحد المتربعين على قلوب عشاق الابتهالات والمديح، يحافظ الرجل على تواجده في الساحة بموهبة فائقة وصوت بديع، وانتظام في حضور الحفلات والليالي "تعرف؟ ببقى رايح أوقات تعبان، لكن ساعة ما أقف على المسرح كل التعب يروح مني" يغوص مع الجمهور في حالة من العشق للنبي، يفقد السيطرة على الوقت "ممكن أقعد في الوصلة الواحدة ساعة ونص، ارتاح حبة وأكمل" يتوهج كلما سمع أحدهم يصرخ فيه من أجل المزيد "اللي يقول كمان واللي يقول ينصر دينك يا شيخ" الأمر لا يخلو من التعليقات الزاعقة الغريبة المعبرة عن محبة قائلها "فيه ناس بتقولي يخربيتك من كتر ما هي مبسوطة" يذكرها ضاحكًا.

ذهب الشيخ عليوة بصوته إلى أنحاء مصر، لم يترك محافظة دون أن يطرقها، ويضع بصمته داخلها، لكنه لم يُلقي ابتهالاته خارج البلاد سوى 3 مرات فقط في تجربة شيقة بفرنسا "روحت في التسعينيات وفي 2013 بدعوة من القنصلية الفرنسية والمجلس الثقافي المصري" من أجل الصعود إلى مسرح "العلم المصري" التي غنت فيه السيدة أم كلثوم من قَبل "قبل ما أبدأ الابتهال، كنت أقف في كواليس المسرح أتفرج على صورة أم كلثوم، حاجة عظيمة" ثم يخرج للجمهور، رهبة في قلبه تزول مع بدأ المديح وردود الفعل الواسعة بالتصفيق كلما انتهى من ابتهال.

رغم شهرته البالغة لكن الصوت المُحب للنبي لا يفاوض كثيرًا في أجره، خاصة حينما يأتيه طلب من أشخاص بسطاء "عارف ظروف الناس، وأهم حاجة محبتهم" يذهب لمن يريد، يمنح جمهوره دائمًا كل ما يملكه من موهبة وحلاوة صوت، يقضي ليالي طويلة دون نوم جيد أو راحة "في مولد سيدنا النبي بقضي ليالي متواصلة من بلد لبلد" فيما يبقى متواجدًا في باقي أيام السنة حتى في موسم الشتاء الذي يشهد قلة الحفلات "مقدرش أبعد عن المديح، هو دنيتي".

فيديو قد يعجبك: