لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الثورة أنهت غُربته..حمور زيادة: ننتزع التغيير في السودان من تحت أنياب الغول (حوار)

04:55 م الأربعاء 02 أكتوبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- رنا أسامة ودعاء الفولي:

قبل عشر سنوات ترك الروائي والكاتب السوداني حمّور زيادة وطنه مضطرا، بعدما ضاقت به الأرض، بات المجال العام مُغلقا، جمع زيادة الوطن في قلبه وجاء إلى القاهرة ليستقر بها، بات السودان بلدا يقرأه في الأخبار، يسمع عنه من الأهل القاطنين هُناك والأصدقاء، لكن هُتافات عديدة وتوتر في الأحداث ووجود شهداء كانوا كفيلين كي يعود الغائب لوطنه خلال الثورة السودانية التي بدأت نهاية العام الماضي وانتهت بخلع البشير قبل بضعة أسابيع.

لطالما أحبّ زيادة التاريخ، صوّره في عدة أعمال، بين "الغرق"، "الكونج" و"شوق الدرويش" التي رُشحت لجائزة البوكر العربية وحصلت على جائزة نجيب محفوظ للأدب.

بداخل الروائي السوداني اجتمعت عناصر متشابكة؛ بين الولع بالكتابة والخيال، الثورة والسودان والثائرين وتفاصيلهم، كانت الفترة الماضية مليئة بحكايات جديدة، كم من مشاعر تفجّرت بداخله حين عاد للسودان؟ وحين قامت الثورة؟، كيف يراها؟ وإلى أين تتجه في نظره؟، وهل سيكتب عنها الآن أم لا؟.. كل ذلك يرويه زيادة في حوار صحفي لمصراوي.

عُدت إلى السودان مرة أخرى بعد اندلاع التظاهرات.. حدّثنا عن اللقاء الأول بعد 10 سنوات غياب؟

لم تكن عودة هينة. الحقيقة اني حين أقلعت الطائرة من مطار القاهرة شعرت بالارتباك وهل هذه عودة متعجلة؟ كان لدي ذلك الإحساس الذي ينتابك حين تقرر العودة إلى الذكريات. كم مرة تمر أمام مدرستك القديمة وتعد نفسك أنك في المرة القادمة ستدخل وتزورها لترى فصلك القديم والحوش الذي كنت تلعب فيه؟ لكنك لا تفعل. لسبب ما نقاوم زيارة الذكريات ونفضل أن تكون ذكريات.

عشت خارج السودان لـ10 سنوات متواصلة. وحين قررت فجأة أن أذهب شعرت أني أفتح على نفسي أبواب حنين دربت نفسي لعقد كامل على تجاهلها.

الأمر ليس رومانسيًا، حين خرجت من باب الطائرة في مطار الخرطوم شعرت بالهواء يرحب بي. استنشقت هواء تألفه رئتاي وتعرفانه. وداهمتني مشاعر مختلطة لا تُصدّق.. إنني، وأخيرًا، هنا.

Doc-P-618687-637020213114301491

- ما أول مكان ذهبت له حين وصلت السودان، وهل تتذكر اليوم الذي وصلت فيه؟

وصلت فجر يوم 24 أبريل الماضي في الواحدة والنصف صباحًا، وكان في انتظاري الصديق الصحفي فيصل محمد صالح، الذي أصبح لاحقًا وزير الثقافة والإعلام، وذهبنا مباشرة إلى اعتصام القيادة العامة. كان هذا لقائي المباشر مع الثورة التي ظللت أكتب عنها وأتحدث عنها في الإعلام.

- ما أكثر ما افتقدته في السودان خلال تلك السنوات العشر؟

يمكن أن أسرد عشرات التفاصيل الحياتية الصغيرة، من أصوات باعة اللبن صباحًا انتهاء بتفاصيل عملية مثل مكتبتي وأصدقائي وأسرتي. لكن الإنسان كائن مُتأقلم عمومًا.

- قُلت في حوار صحفي عام 2015 أنك تتمنى قيام الثورة في السودان.. فهل حقّقت الثورة آمالك؟

الثورة ليست عملية خاطفة ولا انقلاب عسكري بأجندة ومجلس قيادي يصدر قرارته الثورية المتتالية. الثورة عملية طويلة ومُعقّدة. خاصة عندما ترتبط بالتحول الديموقراطي. إننا ننتزع عملية التغيير "من تحت أنياب الغول".

لكنني بشكل عام راضيًا عما وصلنا إليه اليوم. لقد انتصرنا. نعم لم ننتصر بالضربة القاضية، لكننا انتصرنا في معارك صغيرة متتالية. اعتقد أن مجموعها يشكل نصرًا كبيرًا. مازالت أمامنا معارك مهمة. لكنني واثقًا أننا سننتصر فيها كما فعلنا. نحن نجمع نصرنا كـ"نمل دؤوب". وفي نهاية اليوم سنجد تلًا ضخمًا من الانتصارات يحقق آمال الثورة.

- ما مخاوفك الحالية تجاه الوضع في السودان؟

هناك تحديات كثيرة تواجه الحكومة المدنية، كما أن الاتفاق الدستوري مع المُكوّن العسكري في مجلس السيادة هش. ليس هناك ثقة متبادلة بين الطرفين. والمُكوّن العسكري يعرف جيدًا أن المدنيين يرغبون في محاكمته على ما حدث في فترة حكمه قبل قبوله بتقاسُم السلطة السيادية وتسلّم الحكم للمدنيين.

نحن نمشي على طريق من الألغام يمكن أن ينفجر أحدها في أي لحظة.

- تعيش في القاهرة منذ عام 2009، كيف أثرى ذلك مشروعك الأدبي؟

رغم أنني نشرت في عام 2008 قبل أن انتقل إلى القاهرة نهائيًا إلا أنني اعتبر أن مشروعي الأدبي تكوّن وتخلّق في القاهرة. الغربة عمومًا والابتعاد يفتحان وعيك ومداركك على أشياء كثيرة. الحياة في القاهرة، والتنقل بين عواصم أخرى كثيرة خلال السنوات التي غادرت فيها السودان، أظن أنها لم تُثرِ فقط مشروعي الأدبي لكنها أيضًا وسّعت أفقي وجعلتني شخصًا مختلفًا.

- هل ألهمتك الثورة للكتابة عموما ولو بضعة خواطر؟

لم يحِن الأوان بعد بالنسبة لي للكتابة عن الثورة.

- وما الذي حُرمت منه أدبيًا بسبب الغُربة؟

أظن أن الغربة كانت كريمة معي فمنحتني أدبيًا أكثر مما كنت أحلم به. لا أستطيع أن أدّعي أنني حُرِمتُ أدبيًا من شيء ذي بال بسببها. بل لعل لولاها لما حققت شيئًا.

- في سودان ما بعد البشير.. هل يُصبح البلد قِبلة للأدباء والمشاريع الثقافية الواعدة خلال الأعوام القادمة؟

كان السودان طاردًا، كما أن الضغوط الاقتصادية كانت تجعل كل مشروع ثقافي هو عملية انتحارية. رغم ذلك لم تتوقف المقاومة الثقافية ضد النظام السابق حتى سقوطه. واستبشر أن التغيير سيفتح أبواب حرية التعبير للأدباء كما ستزدهر المبادرات الثقافية المستقلة التي كان النظام يحاربها ويعتقل من يقومون بها أحيانًا. هذه معوقات ذهبت وإلى الأبد. لكن يبقى علينا محاربة معوقات أخرى حتى نحظى بحركة ثقافية قوية ومعافاة داخل السودان بدلًا من حركة المهجر الأدبية.

- ثمة شدّ وجذب دائمًا بين الأدب والرقابة.. هل تعطي تلك الخصومة للأدب معنى أكبر أو تُضفي إثارة على بعض الأعمال أكثر من غيرها؟

لست من الميّالين لتقييم عمل أدبي أو فني وقع عليه ظلم الرقيب. في اللحظة التي يتدخل فيها الرقيب، صاحب تلك الوظيفة المضحكة القديمة مثل مهنة السقا أو صبي السيارات الذي كان يمشي أمامها ليُنبّه الناس ليفسحوا الطريق، هذه مهن اندثرت وتجاوزها الزمن لكن الرقيب يأبى أن يعترف أن زمنه فات، لحظة تدخل الرقيب تنتهي عندي مسألة التقييم الفني للعمل وتتحول القضية الى قضية حرية تعبير. الحظر وتدخل الرقيب ليسا وسائل دعائية لتعطي أعمالًا إثارة أكثر. إنهما تدخل غير مرغوب فيه ويجب الوقوف ضده لا النظر إلى انعكاساته الحسنة على مبيعات هذا العمل أو ذاك. تدخّل الرقيب كله شر.

- ما أكثر مشهد رأيته في ثورة السودان وتمنّيت لو كتبته في أحد أعمالك؟

الثورات بطبيعتها لحظات استثنائية ملحمية، فهي أكبر من الواقع نفسه. هناك كثير من المشاهد الحقيقية التي يتمنى الكاتب لو كانت من صنع خياله. لكن بالتأكيد حقيقيتها هو أمر أفضل بكثير. فهذه الحقيقية هي ما أنجزت الثورة وأسقطت عمر البشير.

- في رأيك ما أكثر الصور المعبرة عن الثورة؟

هناك صورة غير مشهورة عالميا لحشد من المتظاهرين أمام مستشفى بالخرطوم كان بداخله عدد من المصابين بعد ليلة عصيبة وإطلاق رصاص حيّ على المواطنين. التُقِطت الصورة مع شروق الشمس. وكان أغلبها من الفتيات. كن باقة من الألوان الزاهية ويرفعن أيديهن هاتفات والغضب على وجوههن. هذه واحدة من صور الثورة التي أنوي طباعتها وبروزتها وتعليقها في البيت. فهي تحمل كل شيء.

- تحدّثت في حوار تليفزيوني عن أنك لن تتجه لكتابة عمل أدبي حاليًا عن الثورة، وتحدثت عن الحيادية الأدبية.. هل يتقيّد الأدب بالأحداث، التاريخ، أو الحياد من الأساس؟

الأدب حر تمامًا. أو يجب أن يكون حرًا. لذلك قلت أنني لن أتجه لكتابة عمل أدبي عن الثورة الآن. فالآن أنا في ضيق المعركة، ومُقيّد بموقفي من الأحداث. بينما تحتاج الكتابة إلى حرية وتحلّل من القيود، كل القيود. لذلك بالنسبة لي ليس هذا وقت مناسب للكتابة عن الثورة.

- هل استبقت الأحداث التي وقعت خلال الثورة، وتحديدا الانتهاكات ضد النساء، في رواية "الغرق"؟

ستظل الانتهاكات ضد النساء مستمرة إلى وقت ليس بالقريب. ومع أن تعيين نساء في مناصب قيادية مثل وزيرة الخارجية أو رئيسة القضاء ووالية الخرطوم قد يقلل من الميسوجينية (ازدراء المرأة)، لكنه لن يقضي عليها تمامًا. أنا في رواية "الغرق" كتبت عن ماضٍ وواقع. وهو للأسف سيستمر في المستقبل المنظور. لكن لا مجال للوقوف أمام حركة الحقوق وتطور المجتمع. سيتغير كل ذلك.

-هل تحب أن يرتبط بك لقب معين في أذهان القراء أم تُفضّل أن ينظرون إليك باعتبارك أديبًا أو قاصًّا؟

أنا روائي وقاصّ، ولا أعرف لماذا أو كيف يمكن أن يرتبط بي لقب معين غيرهما في أذهان القراء.

- وما سر ربط مشروعك الأدبي بالخط التاريخي؟

أنا رجل مولع بالتاريخ واعتبره الحكايات الخام. لكن لا أزعم أن مشروعي مرتبط به. هو يستمد منه الكثير. لكن لعله أوسع من أن يرتبط فقط بالتاريخ، أو هكذا أتمنى.

فيديو قد يعجبك: